ودعت بريدة يوم الثامن من شهر محرم لعام 1425هـ علماً من أعلامها البارزين وهو فضيلة الشيخ العلامة الفقيه الفرضي المؤرخ المربي الكبير/ إبراهيم بن عبيد آل عبيد المحسن رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته ولما له من الفضائل والخصال والخلال الحسنة المتعددة فإني سوف أسلط الضوء على جانب من جوانب إبداعه وتميزه وهو اهتمامه بالتأريخ من خلال كتابه (تذكرة أولي النهى والعرفان بأيام الواحد الديان وذكر حوادث الزمان) في النقاط التالية:-
1) يقع الكتاب في خمسة أجزاء يتراوح كل جزء ما بين ثلاثمائة إلى أربعمائة صفحة ونمى إلى علمي أن الشيخ رحمه الله قد فرغ من الجزء السادس والسابع ولم يطبع بعد وسوف يكون حديثي عن الأجزاء الخمسة المطبوعة.
2) بدأ المؤلف -رحمه الله- الكتاب بذكر ترجمة لطيفة عن مجدد الدعوة السلفية الشيخ محمد بن عبدالوهاب رحمه الله.
3) ثم ذكر تعريفاً جغرافياً لمناطق المملكة ومقاطعاتها وأقاليمها (نجد، عصير، الغربية، الشمالية).
4) حين يصف تلك المدن وأهلها فإنه في الغالب يكون وصفاً دقيقاً (بريدة، عنيزة، روضة سدير) أنموذجاً.
5) بدأ التاريخ من سنة 1268هـ إلى سنة 1381هـ هذا إلى نهاية الجزء الخامس وأما السادس والسابع فوصلا إلى سنة 1402هـ.
6) المؤلف بدأ تاريخه كبقية المؤرخين بحوادث السنين.
7) الكتاب لم يقتصر على تاريخ الجزيرة العربية أو الدولة السعودية فتأريخه لحوادث الجزيرة وما يحيط بها فيذكر أخبار مصر وحكامها وأخبار اليمن وحكامها والكويت متى كانت الفرصة مواتية. بل إنه يتكلم عن الحرب العالمية وتداعياتها وآثارها.
8) ذكره للحوادث الكونية والكوارث الاجتماعية (سنة الجوع عام 1327هـ وما جرى فيها، سنة الرحمة 1337هـ وسبب التسمية، نزول الأمطار في حوادث سنة 1359هـ).
9) وصفه الدقيق للمعارك والحروب بل إنه يتفنن في وصفها وربما أورد رسماً توضيحياً للمعركة. انظر واقعة جراب 2/183 واقعة أم رضمة 3/251 واقعة السبلة 3/232 .
10) المؤلف -رحمه الله- ملأ تأريخه بتراجم العلماء والقضاة وطلبة العلم والأمراء والوجهاء والشعراء ففي هذه الأجزاء الخمسة ما يربو على مائة ترجمة ومما يميز -بعض- هذه التراجم أنه لم يأخذها ويستقيها من غيره بل غيره أخذ عنه مستفيداً منه فهو ممن يعول عليه في هذا كأن يترجم لأحد مشايخه مثل ترجمة الشيخ عبدالعزيز العبادي 4/76 وترجمة الشيخ عمر بن سليم 4/148 أو تكون الترجمة لأحد زملائه في الطلب مثل ترجمة الشيخ عثمان بن مضيان 4/250 أو الشيخ عثمان بن بشر 4/274 أو أخيه الشيخ عبدالمحسن بن عبيد 4/212 وهذا بحد ذاته ميزة عظيمة للمؤلف رحمه الله.
11) المؤلف -رحمه الله- تميز بميزة قد لا توجد عند غيره من المؤرخين الذين أرخوا لنجد وهي أنه في أخبار القصيم خاصة وبريدة على وجه التحديد يذكر تفاصيل دقيقة وأخباراً وقصصاً ووقائع مسندة قد يكون سمعها مباشرة ممن حدثت له أو بواسطة شخص ثقة يسميه مما يوثق الحادثة أكثر انظر حوادث سنة 1356هـ وانظر المشاركين من بريدة في وقعة السبلة 3/208 وانظر الفتنة التي حصلت في بريدة 2/121 .
12) تميز المؤلف -رحمه الله- بالإنصاف والعدل في تقويم الرجال (أمراء، علماء) انظر ما قاله عن الشيخ إبراهيم الجاسر 2/125 وكذلك ما حدث للشيخ ابن بشر من فتنة 2/121 .
13) كلامه عن الأنساب والقبائل بشكل دقيق وذكر بعض عاداتهم وطبائعهم (العجمان) أنموذجاً 2/127 .
14) الكتاب مملوء بالطرائف واللطائف الحسان التي أودعها كتابه مما يمتع القارئ ويطربه. انظر قصة القني 2/88 وقصة البسكليت 3/233 وقصة أخرى 3/199 .
15) ومما يميز المؤلف رحمه الله أنه يقول الحق ولا يجامل أو يحابي أحدا وكان كثيراً ما يردد هذه العبارة في ثنايا كتابه انظر ما قاله في حاكم اليمن آنذاك 3/297 وكذلك ما قاله في 3/202 .
16) المؤلف - رحمه الله- لديه حس أدبي رفيع ويظهر ذلك في سبكه للكتاب.. رصانة أسلوبه وعذوبة ألفاظه. كثرة إيراده للقصائد ولا غرو في ذلك ولا عجب فالشيخ راوية كبير معروف بذلك وإيراده للقصائد دائر بين المديح والرثاء من منقولة ومقولة وإن كان يلحظ في أسلوب الكتاب كثرة السجع ولكن لعل له العذر في ذلك أنه هو الأسلوب السائد إبان تأليفه للكتاب.
17) ومن مزايا المؤلف رحمه الله في تأريخه حين ينتقل في حوادث السنين يذكر ما يطبع من الكتب في حوادث تلك السنة وهذا يدل على عناية المؤلف بالكتب وجمعها وطباعتها انظر 3/212 وأيضا 3/162.
18) المؤلف رحمه الله في تأريخه لا يسرد الحوادث والتواريخ سرداً أو يصف الأحداث فقط. بل تجد له رأياً وتوجيهاً وتسديداً في كل حادثة أو واقعة.
19) وقبل هذا وبعده فإن الشيخ رحمه الله جلس يؤلف هذا الكتاب قرابة (18 سنة) ويكفي ما يعانيه من بحث وجمع للمعلومات وصياغة لها ولا يعرف حجم هذه المعاناة إلا من جرب .
* إن كان لي من رأي فإني اقترح على أبناء الشيخ أن يعيدوا طباعة الكتاب مع الجزء السادس والسابع طباعة جيدة أنيقة ويكون توزيعها على المكتبات بشكل أعم وأشمل مما سبق لتعم الفائدة بهذا الكتاب فإن هذا بعض حق الشيخ علينا.
(إشارة)
إن كان الشيخ -رحمه الله- يؤثر السكون وعدم الرغبة في الظهور والبروز فإنه يبقى قدوة من أفضل القدوات التي ينبغي أن يقتدي بها شبابنا. فيا حبذا لو أن أحداً من أبناء الشيخ جمع سيرة الشيخ في عبادته وورعه وزهده وإحسانه للناس وجلده وصبره في تبليغ العلم وشجاعته وجرأته في قول الحق وأن تسجل هذه المواقف قبل أن تندرس فتنسى ولا تروى. ولنكرم علماءنا الأفذاذ ولو بعد الموت؟!
رحم الله شيخنا رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته وألهم أهله وذويه الصبر والسلوان.
{ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ }.
|