*د. عاطف معتمد عبدالحميد - (قسم الجغرافيا-كلية التربية-جازان):
تُعنى هذه الدراسة بالوقوف على دور المعطيات الجيمورفولوجية في تطوير قطاع بالغ الأهمية لتنمية منطقة جازان، ألا وهو القطاع السياحي ، وتمثل عائدات السياحة هدفاً منشوداً لمنطقة مثل جازان تتوق لنهضة تضعها تحت دائرة الضوء على خارطة المملكة اقتصاديا واجتماعياً. ورغم أهمية المعطيات الجيموروفولوجية فى الدراسات السياحية إلا أنها لا تمثل أكثر من متغير بين ما يربو على خمس عشرة متغير تمثلها التخصصات الأساسية المعنية بالسياحة التى يعد علم الجغرافيا أحدها ، وتزاحمها فى هذا الصدد معطيات عديدة على رأسها الظروف المناخية واللاندسكيب الحضاري والمستوى الذي وصلت إليه صناعة السياحة فى المنطقة وبالدرجة الأولى مستوى البنية الأساسية كالخدمات الفندقية وشبكة المواصلات والاتصالات وما شابه. ورغم هذا فإن المعطى الجيمورفولوجي لمنطقة جازان قد يتفوق على معطيات أخرى في المنطقة، وخاصة ما تتمتع به جازان من شقة ساحلية وجزائر بحرية تميزها عن كثير من المناطق السياحية في المملكة، فضلاً عن احتضان المنطقة لقطاع جبلي له مستقبل واعد في منافسة قطاع عسير والطائف، إضافة إلى كونه يمثل أهمية حيوية لحركة السياحة الداخلية في المنطقة.
*****
وتهدف الدراسة الحالية إلى إلقاء الضوء على الإمكانات السياحية بمنطقة جازان من زاوية جيمورفولوجية لا باعتبار المقومات الجيمورفولوجية المحدد الأساسي لنهضة هذا القطاع في المنطقة بل باعتبارها أحد الأوراق المهمة في ملف السياحة في جازان ، ذلك الملف الذي ينتظر أن تضاف إليه أوراق دراسية أخرى تعالج بقية المقومات الطبيعية كالمناخ والتنوع البيئي أو المقومات الحضارية وعلى رأسها شبكة المواصلات والاتصالات، إضافة إلى جغرافية الخدمات السياحية في المنطقة.
وتبلغ مساحة المنطقة محل البحث نحو 14 ألف كم2 وعمودها الفقري سلسلة جبال البحر الأحمر الأخدودية الممتدة من الجنوب الشرقي نحو الشمال الغربي، وبينها وبين خط الشاطئ على البحر الأحمر سهل ساحلي يعد الأكثر اتساعا على طول القطاع الغربي للمملكة، ويبلغ متوسط اتساعه 30-50 كم ويزداد هذا الاتساع بالاتجاه جنوباً.
أما خط الساحل فيبلغ طوله نحو 275 كم ويحف بواجهته البحرية نطاق شبه متصل من الشعاب المرجانية يصل أقصى امتداد له حول أرخبيل جزر فرسان التي تقع فى جنوب غرب المنطقة وتتحكم فى جزء مهم من الممر الاستراتيجي للبحر الأحمر.
ويقدر سكان المنطقة بنحو 1.1 مليون نسمة وحسب معدلات النمو الحالية يتوقع أن يرتفع هذا العدد خلال 20 عاما إلى 3.2 ملايين نسمة. وتتسم حركة السكان بالفاقد لصالح مناطق أخرى في المملكة حيث أفاد المسح الديموجرافي بالعينة للمملكة في عام 1420 هـ (1999م ) أن منطقة جازان كانت في عقد التسعينيات طاردة للسكان ووصل عدد الذين هجروها في عام 1999 فقط 5000 نسمة (وزارة الشؤون البلدية والقروية بدون تاريخ ص 18). ولعل هذا مؤشر مهم يستوجب تدعيم الجهود المبذولة لاستكمال مشروعات التنمية في المنطقة، ومن بينها التنمية السياحية.
منطقة جازان .. خلفية طبيعية
تقف التنمية السياحية لمنطقة جازان على محددات طبيعية أهمها:
1- التكوينات الجيولوجية :
يعد التكوين الجيولوجي لمنطقة جازان نموذجا نمطيا للساحل الشرقي للبحر الأحمر. ويمكن تمييز خمس وحدات صخرية رئيسة هي من الأقدم للأحدث: تكوينات ما قبل الكمبري التى تعد جزءا من الدرع العربي وتضم :
الصخور الجرانيتية غير المتمايزة ويتركز توزيعها في الجزء الشمالي الشرقي والجنوبي الشرقي.
* الصخور الجوفية ، وهي صخور جوفية متوسطة مثل الديوريت والتوناليت أو جوفية قاعدية مثل البريدوتيت والدونيت وتقع في بقع منعزلة من شرقي المنطقة.
تكوينات الزمن الثالث والرابع وتضم :
* صخوراً بركانية ورسوبية متحولة تنتمي إلى الزمن الثالث والرابع.
* تكوين تبوك والمؤلف من حجر رملي وطفل في جنوب شرق المنطقة
* تكوينات الزمن الرابع وتشغل كل المنطقة الساحلية برواسبها الحصوية والجيرية وارسابات الأودية والسبخات والكثبان الرملية
2- الخصائص المناخية
بموقعها الفلكي تصنف المنطقة محل البحث ضمن المنطقة المدارية وإن اختلفت درجة المدارية باختلاف الظروف الطبوغرافية والموقع بالنسبة لليابس والماء. ولعل ارتفاع النطاق الشرقي لأكثر من 2000 متر يؤدي إلى إمكانية تميز فرق فى درجات الحرارة بين السهل والجبل بين 8 إلى 10 درجات مئوية. ويصنف التباين التضاريسي المنطقة إلى قسمين متباينين مناخيا هما سهل تهامة في الشرق ، والإقليم الجبلي في الغرب.
فمن حيث درجات الحرارة يشهد السهل الساحلي ارتفاعاً كبيراً في حرارته على مدار العام حيث يزيد المعدل الشهري عن 25 درجة م وتقترب درجات الحرارة صيفاً من 50 درجة م. والمدى الحراري قليل لا يتعدى 11 درجة وهو ما يجعل منطقة سهل تهامة في جازان من اكثر مناطق المملكة حرارة وفي فصل الشتاء لا يمكن تمييز فصل بارد بها على الإطلاق ( عبد الرحمن صادق الشريف 1984 ص 144).
وتزداد حدة مناخ سهل تهامة سوءا بارتفاع قيم الرطوبة التى يزيد متوسطها على مدار العام عن 60 % وتقترب من درجة التشبع التي تصيب الإنسان بالاختناق في فصلي الصيف والخريف. ويتراوح معدل الرطوبة النسبية بين 61 % في شهر يوليو و 79 % في شهر ديسمبر ، وقد بلغ الحد الأقصى للرطوبة النسبية 99 % والحد الأدنى 27 % (وزارة الشؤون البلدية والقروية بدون تاريخ ص 3). وبما أن العلاقة عكسية بين نسب الرطوبة وقيم درجات الحرارة، فإن درجات الرطوبة تصل إلى حدها الأعلى في فصل الشتاء مع انخفاض الحرارة، وهو ما يقلل من مزية الانخفاض الحراري ودوره فى الجذب السياحي من المناطق الجبلية المجاورة التى رغم برودتها إلا أنها تشهد درجات اقل فى قيم الرطوبة. ويشهد فصلا الصيف والخريف (من مايو إلى سبتمبر) هبوب رياح غربية موسمية ( متوسط سرعتها 26 كم /ساعة ) تكتسح رمال الساحل وتصيب العمران والزراعة في المنطقة بعواصف رملية تحمل محلياً اسم «الغبرة» وتؤدي إلى عدم التكيف المناخي وتفاقم الشعور بعدم الراحة وانخفاض الرؤية على الطرق.
ومن حيث الأمطار فيبلغ المعدل السنوي لسهل تهامة نحو 50 ملم يزداد هذا المعدل بالاتجاه نحو الشرق حيث النصيب الأكبر من الأمطار للمنطقة الجبلية التى يتراوح سقوط المطر بها بين 500- 600 ملم.. ويبين شكل (3) مقدار التباين فى كميات الأمطار بين المنطقة الساحلية والجبلية. ويتسم المطر في اغلب محطات المنطقة بالتذبذب ، فعلى سبيل المثال تلقت محطة فيفا في عام 1971 كمية من الأمطار بلغت 375 ملم بينما وصلت إلى 900 ملم في عام 1975.
3- التربة والنبات وموارد المياه
تتدرج التربة في منطقة جازان نوعاً حسب النطاقات الطبوغرافية من الغرب للشرق إلى أربعة أنواع رئيسة: (1) تربة الرواسب الساحلية وتشمل تربات الكثبان الساحلية والسبخات ؛ (2) تربة الخبت ( أراضي ما بين الأودية) وهي تربة خفيفة القوام صالحة للتوسع الزراعي؛ (3) تربة بطون ومصبات الأودية وهى طميية وتنتشر بها أكبر مساحات التوسع الزراعي ؛ (4) التربة الجبلية وقد تطورت عبر عمليات طويلة من تفتيت مكونات الصخور النارية وتكوين قطاع تجوية عميق استطاع أن يقيم حياة زراعية على المدرجات.
ويأتي النبات الطبيعي في المنطقة ترجمة مباشرة لعديد من العناصر البيئية في المنطقة كالمناخ والتربة والتباين الطبوغرافي، ويمكن تقسيم البيئة النباتية في المنطقة إلى ثلاثة أنماط رئيسة:
* النباتات الساحلية والجزرية وتشمل الأعشاب البحرية والشورة ونباتات المستنقعات الملحية كالهرم والمليح والعكرش.
* نباتات الأودية وأشهرها الطرفا والعبل والأثل والسدر والآراك ونخيل الدوم ونخيل التمر والتين.
* النباتات الجبلية وتضم أشجار العرعر والزيتون البري (العتم) والبلوط والتلجا والبن والقات والاكاسيا.
أما عن موارد المياه فتعتمد مقومات التنمية في المنطقة على مصادر رئيسة هي: (1) مياه الأمطار التي يقوم عليها النشاط الزراعي والرعوي بالدرجة الأولى؛ (2) المياه الجوفية، وتوجد فى مستويين من الطبقات : طبقات رئيسة حاملة للمياه تمثلها منطقة السهل الساحلي؛ وطبقات ثانوية حاملة للمياه فى القطاع الجبلي؛ (3) مياه التحلية التى تقوم عليها الحياة اليومية؛ (4) الينابيع الطبيعية، ومنها الحارة (لخروجها من أعماق بعيدة من طبقات الأرض) ومنها الفاتر ، وقيمتها الاستشفائية عالية بأملاحها المعدنية وموادها الكيميائية المذابة.
وأهم العيون بالمنطقة هي : العين الحارة ؛ الوغرة ؛ البُزة ، غرة بني مالك ؛ وعين المدمع الحارة ( انظر محمد العقيلي 1994 ص 37-43 ) وتعد جميعها مصدر جذب سياحي كبير نظرا لما تمثله من مشاف ومواضع علاجية لكثير من الأمراض الجلدية كالحساسية. وإن كانت تنتظر التطوير بتوصيل مياه العيون إلى المسابح ودورات المياه، وإقامة استراحات ومطاعم حول هذه العيون، وتنسيق منطقة انتظار سيارات، فضلاً عن إقامة وحدات استشارة طبية على مقربة من العيون. وعلى جانب كبير من الأهمية تحتاج منطقة العيون إلى تهذيب الوديان التى توجد بها حتى تكون مصدر تنزه للسائحين.
الوحدات الجيمورفولوجية
يمكن تقسيم منطقة جازان من الناحية المورفولوجية إلى النطاقات الثلاثة التالية:
1- النطاق الجبلي
على طول محور شمالى غربي - جنوبي شرقي يمتد نطاق من الجبال ذات الصخور النارية والمتحولة، باتساع يتفاوت بين 50 إلى 100 كم وبمناسيب تتراوح بين 1000 و2400 متر، ويقع هذا النطاق ملاصقاً للحافة الانكسارية لجبال السروات ( أكثر من 3000 متر) الممتدة بطول شرق المنطقة. وتبدأ أقدام هذا النطاق الجبلي في الغرب بمناسيب 500 م لتطل على سهل تهامة الساحلي. ولتميزها عن حافة الانهدام لجبال السروات أطلقت بعض الدراسات على هذا النطاق مسمى الجبال الساحلية ( عبد الرحمن صادق الشريف 1984، ص 41) . ويشمل هذا النطاق سلسلة من القمم تتابع من الشمال الغربي إلى الجنوب الشرقي أهمها من الشمال للجنوب جبل رغفة (1809 م) ، جبل أم الهدى ( 2135 م) جبل القهر (1947م) ، جبل الريث (1900- 2000م) ، جبل الربوعة (2267م)، جبل هروب (2292 م) جبل الطرف (2307م) ، جبل الحشر(2064م) جبل فيفا - بني مالك (2307 م)، وغيرها.
2- سهل تهامة الساحلي
برواسب وتكوينات الزمن الرابع يمتد شريطا ومن منسوب دون الصفر في الشاطئ البعيد Off shore إلى منسوب 500 متر عند أقدام الجبال الساحلية. ويتفاوت اتساع هذا النطاق بين 25و50كم ، ومثله مثل النطاق الجبلي السابق يزداد اتساعاً بالاتجاه جنوباً. ويشغل هذا السهل مساحة تقترب من نصف مساحة منطقة جازان. ويمكن تقسيم هذا السهل الساحلي إلى وحدات فرعية من الشرق للغرب هي المرتفعات الساحلية ، القباب الملحية والحرات ،السبخات ، الشواطئ ، الشعاب المرجانية، والجزر البحرية.
ومن أهم مميزات السهل الساحلي على المستوى السياحي ما يرصع خط الساحل من ألسنة رملية وشروم ومراسي بحرية فضلاً عن الرؤوس والخلجان ، ويعتبر لسان رأس الطرفة أمام منطقة صبيا إحدى أهم الظاهرات الساحلية فى سواحل غرب المملكة. ويمثل اللاجون الساحلي الممتد خلف رأس الطرفة فرصة مثالية لإقامة المنشآت السياحية.
كما أن القطاع الساحلي الواقع بين مدينة جيزان والحدود اليمنية غني بتدخلات الساحل فى صورة مراسي طبيعية وخلجان تعد بيئة مثالية لتطوير النشاط السياحي بالمنطقة.
3- الأودية
متقاطعة على محور البنية الجيولوجية للمنطقة تجري مجموعة من الأودية ( شكل4) لتنتهي إلى البحر الأحمر نابعة من منطقة تقسيم المياه في أقصى الشرق التي يقع بعضها خارج الحدود السياسية مع اليمن. واهم هذه الأودية من الشمال للجنوب : عتود ، السر ، بيش، صبيا ، ضمد ، جيزان، أملح ، خلب، تعشر ، حرض.
ويعتبر وادي جيزان أحد أهم المعالم الجيمورفولوجية ذات المستقبل السياحي الكبير بما يحويه من تداخل بين اللاندسكيب الطبيعي والبشري، ففي الشرق حيث جبال العارضة تتنوع أشكال التعرية المائية في صخور المنطقة ، كما تمثل مقدمات منطقة البيدمنت تدخلاً بشرياً إيجابيا بإنشاء سد وادي جيزان وما تطور عنه من إنشاء بحيرة اصطناعية صارت مقصدا سياحياً بالغ الأهمية فى بيئة جافة. ويعد وجود العين الحارة على مقربة من هذه البحيرة تدعيما لفرص الجذب السياحي. ولا يقف على طرق تطوير المنطقة سياحياً إلا وجود مجموعة من محاجر الرمل والزلط تمتد فى بطن الوادي على طريق أبي ريش- العارضة ( والمعروفة محليا باسم الكسارات) وتتسبب هذه الكسارات فى إثارة الأتربة والغبار على الطريق والأراضي الزراعية ومنطقة الاستراحات المعدة حول بحيرة السد، وهو ما يمكن أن يقلل من فرص المنطقة في الجذب السياحي، وقد يكون الحل الأمثل إيقاف عمل هذه الكسارات في موسم التدفق السياحي بالمنطقة.
وبعد دراسة مستفيضة لمقومات المنطقة الطبيعية على أساس من الدراسة الميدانية ومراجعة الأدبيات المنشورة وغير المنشورة عن المنطقة أمكن الوقوف على أن النطاق الأول والثاني (الجبلي والساحلي) يعتبران الأكثر أهمية لمستقبل السياحة في المنطقة.
ونظراً لكبر مساحة النطاقين فقد انتخبنا منطقة جبال فيفا مثالاً لإمكانات السياحة الجبلية على أسس جيمورفولوجية ومنطقة جزر فرسان كمنوذج لإمكانات السياحة الشاطئية.
وسنقدم في الحلقة التالية عرضاً مفصلاً للمنطقتين بإذن الله.
|