بكل مرارة الحزن والأسى ودعت أمتنا الإسلامية قاطبة علماً من أعلامها وأفل بدراً من بدورها وترجل فارس عصرها، عندما نالته يد الغدر والخيانة بعد أدائه لفريضة ربه في صبيحة يوم الاثنين 1-2-1425هـ ذلكم الشيخ أحمد ياسين رحمه الله رحمة واسعة وأسكنه فسيح جناته.
فارسنا هو من عصفت به رياح الفتن وتلاطمت عليه أمواج المحن وتلونت ثيابها وتنوعت مشاربها، اعتقل مرات وكرات وتعرض لمحاولات اغتيال عدة فلم يزدد إلا صموداً وصلابةً ويقيناً بأن الله منجز ما وعد، فإما نصراً وإما شهادةً.
إننا حينما نلقي نظرة فاحصة على حياة الشيخ - رحمه الله - نجده قلباً وقالباً يعيش آلام الأمة ويصارع همومها، فقد كان يعلم علم اليقين أن من نذر نفسه أن يعيش لدينه وأمته فسيعيش متعباً لكنه سيموت كبيراً، نعم غالب الصعاب وتكفأ النوازل والمتاعب مضحياً بنفسه ,لا يألو جهداً في بذل كل ما من شأنه رفعة الدين ونصرة الأمة ومازال سائراً على درب الدفاع عن حمى الإسلام ومقدساته لا تلين ولا تستكين عزيمته ولا تفتر همته ولم يمنعه من ذلك إعاقة ولا كبر سن.
إن شهيدنا أنموذج فذ لمن هممهم عالية وإلى الثريا حانية فقد كان مربياً قبل أن يكون معلماً فما برح عاكفاً على تربية الناشئة الصاعدة في كل بقاع فلسطين عامة وفي مسحده الشمالي خاصة ملتزماً بدرسه الصباحي فهو يأتي لوحده فجراً لغرس أخلاق القرآن في قلوب طلابه قبل أن يحفظوا حروفه يمشي تارة ويسقط أخرى كل ذلك حرصٌ منه على قرآن الفجر إن قرآن الفجر كان مشهوداً.
لقد عُرف رحمه الله ببعد النظر الثاقب والخلق الفاضل وحسن المعاملة، فيرحم الصغير يداعبه بكل لطف ومودة ويوقر الكبير وينزله مكانته، فأحبه القاصي قبل الداني والرفيع قبل الوضيع ورزقه الله القبول في الأرض لأنه أحسن ما بينه وبين الله فأحسن الله ما بينه وبين الناس.
وبعد كل تلك الحياة الحافلة بالتضحيات فحينما ترجل فارسنا كانت أمتنا له نعم الأم الوفية التي لا تضيع حقاً لمحسن لها، وما الجموع الغفيرة التي غصت بها أروقة الشوارع والطرقات مرددين الهتافات ومشيعين لجنازته ما هي إلا تعبير عما تجيش به أنفسهم وتكن به صدورهم من عمق المحبة والإجلال للشيخ رحمه الله لأن حياته كانت بركة على الأمة قاطبة فكم أعد لها من أبطال وأنشأ من أجيال.
لقد كان مشهد جنازته موجهاً رسالة لأجيال أمته قاطبة بأن العزة ورفعة المكانة حقاً لا تنال بالعكوف على محراب الفن أو السير وراء شهرة ساذجة وإنما بالصبر واليقين تنال الإمامة في الدين.
إن العين لتدمع وإن القلب ليحزن وإنا على فراقك يا أبانا وشيخنا لمحزونون ولا نقول إلا ما يرضي ربنا. لكن عزاؤنا في الشيخ أنه وإن كان قد فارق أرض الإسراء والمعراج لكنه كما قال الله عز وجل: {وَلاَ تَحْسَبَنَّ الَّذِينَ قُتِلُواْ فِي سَبِيلِ اللّهِ أَمْوَاتًا بَلْ أَحْيَاء عِندَ رَبِّهِمْ يُرْزَقُونَ}, ومن سلوانا فيه أيضاً أنها المنية التي كانت نفسه تتمناها وهمته العالية تسمو إليها وسأل الله الشهادة بصدق فبُلغ إياها وكما قيل (مات كما كان يتمنى)، ومن عزائنا فيه أننا وإن كنا قد ثكلنا بفارس مغوار فإن أمتنا ليست عقيمة وستنجب لنا بإذن الله أبطالاً أشاوس غيره.
إذا مات منا سيد قام سيد
قؤول لما قال الكرام فعول |
ومن سلوانا فيه أن دمه سيكون مشعالاً يضيء للسالكين دربه الوضّاء ويبدد دياجير الظلام لهم ويكون للطغاة عاصفاً عارضاً مستقبل أفئدتهم.
وفي الختام:
يا رب نسألك الثبات لفقده
أنت الكريم الملهم المنان
واقبله يا رب عبداً صالحاً واغفر له
وارزقه روح بعده ريحان |
|