الزُّبدة...
*** عهد العرب فيما تعارفوا عليه من معاني الكلام أن يصفوا ما قلَّ منه ودلَّ بالزُّبدة، ربَّما لأنَّها (المستخلص) النهائي لمراحل (الخضِّ) من لحظة (حَلْب) الشاة إلى لحظة (أكل) الزُّبدة... وهي عملية لا يعلم تفاصيلها وقتاً، ولا جهداً، ولا كيفيةً، ولا تكلفةً، إلاَّ من بذل لها وقام بها ثمَّ قدَّم زُّبدتها على طبق...
واقتفاءً بذلك فإنَّ:
*** البناء الذي تسكن فيه، هو (زُّبدة) ولك أن تفنِّد الزَّمن، والمال، والجهد، حتى استقام.
*** والكتاب الذي تقرأه، والصحيفة التي تطالعها، والتَّقرير الذي تلجأ إليه، وجميع مصادر ما تقع عليه عيناك فتقرأه... كلُّ ذلك طال أم قصر، تنوَّع أو تشابه، هو (زبدة) فتخيَّل الجهود التي بُذلت، والأفكار التي طُرحت، والأموال التي مُنحت، والأوقات التي رُصدت، والأماني التي رافقت...، حتى وجدْت القصيدة التي تُمتعك، والقصَّة التي تشوِّقك، والإجابة عمَّا تسأل، والفكرة التي تراودك، والتحليل الذي يسدِّد رأيك، والحلَّ لما شاكلك،... وفي كثير التَّعبير عنك حين يعوزك التَّعبير...، ولك أن تمعن تفكيرك فيما تكبَّده كاتبه من الوقت، والجهد، والمواقف، وما اعترضه من الصعوبات، والوعورة، والمواجهات، وربَّما لم يقف عامل الزمن أو الجهد أو الصعوبات وحدها حتى استوى ما قدَّمه كاتبه في الشَّكل الذي يجعلك مع كوب من القهوة، أو في اتِّكاءة راحة، أو عند استلقاء تأمُّل، أو ... أو تتناول (زُّبدته) وتمتِّع فكرك بها، وتضيف إلى خبراتك عنها.
و... الزُّبد في حياتك: ثوبك الذي ترتديه، ولقمتك التي تأكلها، وعملك الذي تمارس نظامه، ومسؤولياته، وصحيفتك التي تقرأها، وتلفازك الذي تشاهده، وبيتك الذي تعيش فيه في أموره الصَّغيرة من حيث ترتيبه ونظافته، وهدوئه، ومحتوياته، وجميع تفاصيل ما تمارس وتتعامل حتى حذاءك الذي ترتديه، ونظَّارتك التي تحرص عليها، وقلمك الذي تتباهى، و... فكِّر كثيراً من وراء هذه الزُّبدة وتلك، ثمَّ امنح نفسك لحظة صدق حين تجدها مهيَّأة لتقدير الجهود الخفيَّة والتَّكلفة غير الظَّاهرة، من المال أو الوقت أو حتى الأماني وكميَّة الأحلام...
والزُّبدة:
أحلم بإنسان لا ينسى ما لغيره،
كما أنَّه يرصد ما له...
ويتذكَّر ما على الآخر
فيما ينسى ما عليه...
|