المعاصي والذنوب ضررها على الأبدان، ويسري إلى البلدان، وأثرها ظاهر على الشعوب والأفراد فهي جالبة للشرور والمصائب، بها تزول النعم وتحصل النقم وبسببها تتوالى المحن وتتداعى الفتن، وبالمعصية تتعسر الأمور فما يطرق العاصي باباً إلا وجده مغلقاً دونه أو متعسراً عليه تحقيقه.. والخطيئة تحرم الرزق من السماء والذنوب متى استحكمت قتلت وبالهلاك آذنت، يقول ابن مسعود رضي الله عنه: إذا ظهر الزنا والربا في قرية اذن الله بهلاكها، وتتابع الآثام سبب زوال الأمن والاطمئنان، قال الله تعالى: {وَضَرَبَ اللّهُ مَثَلاً قَرْيَةً كَانَتْ آمِنَةً مُّطْمَئِنَّةً يَأْتِيهَا رِزْقُهَا رَغَدًا مِّن كُلِّ مَكَانٍ فَكَفَرَتْ بِأَنْعُمِ اللّهِ فَأَذَاقَهَا اللّهُ لِبَاسَ الْجُوعِ وَالْخَوْفِ بِمَا كَانُواْ يَصْنَعُونَ}.
وعقوبة الذنب تحل ولو بعد حين ومن يعمل سوءا يجز به ولا يجد من دون الله ولياً ولا نصيراً وهوان الذنب على العاصي من علامة الهلاك وكلما صغر الذنب في عين العبد عظم عند الله ومحقرات الذنوب إذا اجتمعن على الرجل أهلكنه والذنوب عظيم خطرها إذا جاهر بها العصاة، يقول ابن حجر رحمه الله: يكون إهلاك الجميع عند ظهور المنكر والإعلان بالمعاصي {وَكَأَيِّن مِّن قَرْيَةٍ عَتَتْ عَنْ أَمْرِ رَبِّهَا وَرُسُلِهِ فَحَاسَبْنَاهَا حِسَابًا شَدِيدًا وَعَذَّبْنَاهَا عَذَابًا نُّكْرًا فَذَاقَتْ وَبَالَ أَمْرِهَا وَكَانَ عَاقِبَةُ أَمْرِهَا خُسْرًا أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ عَذَابًا شَدِيدًا}.
وإذا كثر الاستغفار في الأمة وصدر عن قلوب مطمئنة دفع الله عنها ضروباً من النقم وصرف عنها صنوفاً من البلايا والمحن {وَمَا كَانَ اللّهُ لِيُعَذِّبَهُمْ وَأَنتَ فِيهِمْ وَمَا كَانَ اللّهُ مُعَذِّبَهُمْ وَهُمْ يَسْتَغْفِرُونَ} بالاستغفار تتنزل الرحمات {لَوْلَا تَسْتَغْفِرُونَ اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ} بالاستغفار يبلغ كل ذي منزل منزلته وينال كل ذي فضل فضله.
وقد جعل الله في التوبة ملاذاً مكيناً وملجأ حصيناً, ومن تدنس بشيء من قذر المعاصي وأوحال الذنوب فليبادر بغسله بماء التوبة وطهور الاستغفار وخير العاصين من يسارع إلى التوبة ويبادر إلى العودة تحثه الخطى وتُسرع به الدموع ويحوطه العمل الصالح.
وتقرب بصالح العمل لديه فما ضاق أمر إلا وجعل الله منه مخرجاً ولا عظم خطب إلا وجعل الله معه فرجاً وفي كتاب الله قوم مذمومون لم يستكينوا عند البلاء ولم يرجعوا إلى ربهم في البأساء قال جل وعلا {وَلَقَدْ أَخَذْنَاهُم بِالْعَذَابِ فَمَا اسْتَكَانُوا لِرَبِّهِمْ وَمَا يَتَضَرَّعُونَ}.
نسأل الله أن يجعلنا ممن إذا أذنب استغفر, وإذا ابتلي صبر, وإذا أعطي شكر, فإن هؤلاء الثلاثة عنوان السعادة.
( * ) إمام وخطيب المسجد النبوي |