Friday 2nd April,200411509العددالجمعة 12 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

مؤكداً خطورة إساءة فهم وتفسير بعض آيات القرآن الكريم.. د.السديس لـ « الجزيرة »: مؤكداً خطورة إساءة فهم وتفسير بعض آيات القرآن الكريم.. د.السديس لـ « الجزيرة »:
لا مشروعية لتيارات العنف وجماعات التكفير الخارجة على الإمام والجماعة

* الجزيرة - خاص:
أكد فضيلة الشيخ د. عبدالرحمن بن عبدالعزيز السديس إمام وخطيب المسجد الحرام والأستاذ بجامعة أم القرى بمكة المكرمة أن الاختلاف في فهم تأويل بعض الآيات القرآنية، أو إنزالها في غير مواقعها من العوامل المهمة في أي انحراف من منهج الإسلام الصحيح، باتجاه العنف والتكفير وإهدار الدماء المعصومة.
وأضاف د. السديس في حديثه ل(الجزيرة): أن حماس بعض الشباب دون امتلاكهم للقدر الكافي من العلوم الشرعية، وتجرؤ البعض على الفتوى والتفسير والتأويل، دون أن يكون مؤهلاً لذلك من أهم أسباب نشوء تيارات الغلو والتطرف المنتسبة للإسلام.. مشيراً إلى أن الانحياز والصمت الدولي على ممارسة الكيان الصهيوني في فلسطين، وما يتعرض له المسلمون من معاناة في أماكن كثيرة من العالم، تفسر وجود هذه التيارات، مؤكداً على أهمية تضافر الجهود في بيان منهج الإسلام الصحيح، وضوابطه في تغيير المنكر.. وعموم مسؤولية مواجهة هذه الجماعات والتيارات التي تصد عن الدين، وتنفر من الإسلام... وفيما يلي نص الحوار:
* ما هي عوامل نشوء تيارات العنف المنتسبة إلى الإسلام في زماننا هذا، وصلتها بتيارات الغلو القديمة؟
- الحمد لله وأصلي وأسلم على رسول الله، أما بعد: فبادىء ذي بدء أشكر الله عز وجل، ثم أشكركم على إتاحة الفرصة للقاء بالاخوة الكرام عبر هذا اللقاء المبارك، وإجابة عن هذا السؤال المهم في الحقيقة أؤكد على ركيزة مهمة، وهي أن الصراع بين الحق والباطل سنة جارية منذ فجر التاريخ، ومن ذلك ما نشهده في هذا العصر من التيارات المختلفة غلواً، أو جفاءً في خروج عن منهج الوسطية والاعتدال، وهناك عدة عوامل مهمة في ذلك، ومما يجلي ذلك المنهج الوضاء الذي ذكره البارىء سبحانه في قوله تعالى في كتابه العزيز: {وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ} ففي هذه الآية الكريمة ما يشير إلى أن الاختلاف في فهم وتأويل بعض الآيات القرآنية أو إنزالها في غير مواقعها هو من العوامل المهمة في أي انحراف عن منهج الإسلام الصحيح، ومن هذه الانحرافات تلك الجماعات التي تستخدم العنف كوسيلة لتحقيق أهدافها وهي تعتقد أنها تفعل الصواب طاعة وقربى لله عز وجل، ونصرة للدين، رغم أنها أبعد فهماً عن مبادىء الدين.. وفي ضوء ذلك يمكن أن نوجز بعض عوامل نشوء هذه التيارات فيما يلي:
* الخطأ في منهج التلقي والفهم الصحيح للنصوص.
* حماس بعض الشباب واندفاعه دون امتلاك للقدر الكافي من العلوم الشرعية.
* وجود من يستثمر هذا الحماس ويوجهه لتحقيق أهداف ما يريد تحقيقها.
* تجرؤ البعض على الفتوى والتفسير والتأويل دون أن يكونوا من المؤهلين لذلك.
* سفر كثير من الشباب للخارج وتأثرهم بفتاوى كثيرة لا تراعي ضوابط الجهاد في الإسلام وتوقع في هذا الخلط واللبس للمفاهيم الصحيحة، والركون إلى اليأس والإحباط.
* حاجة الشباب للعلماء الذين يأخذون بأيديهم في خضم ما تزدحم به وسائل الإعلام والإنترنت والفضائيات من فتاوى وآراء واجتهادات، تقابل الأفعال بردود الأفعال.
يضاف لذلك أسباب نفسية واجتماعية وسياسية تتعلق بالتربية والفراغ الذي يعانيه كثير من الشباب وغياب القدوة المباشرة، والمعاناة الكبيرة التي يعانيها المسلمون في أماكن كثيرة من العالم وعلى رأسها (فلسطين) في ظل انحياز القوى الدولية للكيان الصهيوني فكل هذه الاسباب مجتمعة أومنفردة تفسر نشوء تيارات العنف المنتسبة إلى الإسلام.. وثمة علاقة أو تشابه بين تيارات العنف في هذا العصر، وتيارات الغلو القديمة فكلاهما يروم الطاعات لكنه يجهل الطريق إليها بسبب نقص العلم أو الضلال الذي يزينه هوى النفس.
* ما هي ضوابط تغيير المنكر باليد؟
هذه القضية جاء بها النص الكريم مدعماً بالقواعد الشرعية يقول النبي صلى الله عليه وسلم في الحديث الشريف( من رأى منكم منكراً فليغيره بيده فإن لم يستطع فبلسانه فإن لم يستطع فبقلبه وذلك أضعف الإيمان) أخرجه مسلم من حديث أبي سعيد رضي الله عنه.. ففي هذا الحديث يقدم لنا رسولنا الكريم - صلوات الله وسلامه عليه- بوضوح ضوابط تغيير المنكر عموماً، وعلى رأسها الاستطاعة والقدرة على هذا التغيير، فغير المستطيع غير مكلف بهذا التغيير، والعكس صحيح، فالرجل يستطيع أن يؤدب ابنه او شقيقه الأصغر أو زوجته أو ابنته، فهو الراعي وهم الرعية، لكنه لا يستطيع بمفرده أو بجماعة قليلة أن يغير منكراً عاماً بيده، لذا عليه الدعوة باللسان إلى نبذ المنكر، ويترك التغيير باليد لمن هو قادر على ذلك، فإذا عجز عن وسائل التغيير باللسان فعليه أن ينكر المنكر بقلبه وجزء من الاستطاعة أن يتأكد المسلم من أن هذا المنكر هو منكر فعلا، وهذه الاستطاعة من اختصاص العلماء الراسخين في العلم.. خاصة فيما قد يشتبه أو يلتبس أمره، ويجب عند تغيير المنكر تطبيق قاعدة دفع الضرر أولى من جلب المنفعة ودرء المفاسد مقدم على جلب المصالح، وموازنة المنافع والمفاسد التي قد تترتب على هذا التغيير فإذا كانت المفاسد أوسع أو أكبر من المنكر في حالة بقائه يتركه ويصبح تغيير المنكر باليد في الأمور العامة، مسؤولية الحاكم أو ولي الأمر، مصداقاً لقوله تعالى: {الَّذِينَ إِن مَّكَّنَّاهُمْ فِي الْأَرْضِ أَقَامُوا الصَّلَاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ وَأَمَرُوا بِالْمَعْرُوفِ وَنَهَوْا عَنِ الْمُنكَرِ} ولو أن كل مسلم ومسلمة استطاع أن يغير المنكر في حدود استطاعته ومسؤوليته ورعيته لتحقق تغيير المنكر على المستويات الأكبر، على أنه ينبغي أن يعلم أن من المتعين على كل مريد تغيير منكر- ولو في حدود مسؤوليته وقدرته- أن يستصحب الرفق والحكمة واللين، وأن يظهر لمن ينكر عليه من أمارات صدق محبته له ما يبعث في نفسه الاستجابة لإنكاره هذا ما دلت عليه النصوص، وبينه أهل العلم، كالحافظ ابن رجب، وشيخ الإسلام وبذلك تنظم الأمور ويسلم الناس من عوائل الفوضى، ولذلك فإن أهم ما ينبغي على المحتسب مراعاة مقاصد الشريعة، وقواعد الفقه، فلا يغير منكراً بمنكر أعظم منه، يقول ابن القيم - رحمه الله- : (ومن تأمل ما جرى على الإسلام من الفتن رآها من تضييع ذلك الأصل) والله المستعان.
* ما مدى مشروعية الجماعات الإسلامية المعاصرة؟
- يجب اولاً أن نعرف هذه الجماعات وأهدافها وبيئاتها فالحكم على الشيء فرع عن تصوره للحكم على مدى مشروعيتها، فجماعة المسجد جماعة والطلاب في حلقات تحفيظ القرآن الكريم جماعة وأي تعاون منظم على الخير جماعة، فأهداف الجماعة ووسائل تحقيق هذه الأهداف وما يترتب على وجودها من مصالح أو مفاسد، والمكان والبيئة الذي توجد فيه، هو ما يحدد الحكم بمشروعيتها من عدمه، ومثال ذلك الجماعات الإسلامية التي تسلك طريق الدعوة بالحكمة والموعظة الحسنة، هي مشروعة بل ومطلوبة والجمعيات الخيرية لمساعدة المحتاجين والفقراء، هي ترجمة عملية للتكافل الاجتماعي بين أبناء المجتمع المسلم في حين أن الجماعات التي ترفع شعارات تكفير المجتمع، والخروج على الإمام والجماعة، أو تهدر دماء أبنائه دون مبرر شرعي لذلك، أو دون اعتبار للعواقب والمآلات والآثار السلبية لأعمالها فإن مشروعيتها غائبة لأنها تضر بالأمة والدين أكثر مما تنفع بل إنها في بعض الحالات كما هو واقع تعوق جهود المؤسسات والهيئات الدعوية والإرشادية وتنفر الناس من الدين وتصد عنه بل وتعطي أعداء الإسلام فرصة تشويه صورة الشريعة، وكل من ينتسبون إليها والله أعلم.
* كيف يمكن التصدي لدعوات التكفير والخروج المسلح على الحاكم المسلم؟
- هذا الهدف يتحقق ببيان حفظ الشريعة الإسلامية للضرورات الخمس: الدين، والنفس، والعقل، والمال، والعرض، وتحريمها للظلم والعدوان وإزهاق الأنفس المعصومة.. وهذه مسؤولية المسلمين جميعاً للقضاء على مثل هذه الظواهر المفزعة، وتلك السوابق المفجعة، واستئصال شأفتها.. ويتحقق ذلك بعدة وسائل منها: العناية بأمر العقيدة والإيمان، مع التأكيد على القواعد الفقهية، والتسلح بسلاح العلم، والفهم الصحيح على منهج السلف، والتلاحم مع العلماء والأخذ منهم والرجوع إليهم، ويتحمل العلماء مسؤولية ربط الناس في أوقات الفتن بالتوحيد الخالص لله، وبيان خطأ دعاوى مثل هذه الجماعات التكفيرية وما يترتب عليها من تهديد لاستقرار المجتمع ووحدته أو إهدار لنعمة الأمن.. وبيان إثم الخروج على الجماعة وفضل التلاحم مع ولاة الأمر وحفظ اللسان، وعدم الكلام إلا عن علم، والحذر ممن يريدون أن يحدثوا على ضفاف الفتن فتناً، أو الانسياق لما تبثه وسائل الإعلام المعادية.. وعلى العلماء الاستماع إلى الشباب والحوار معهم، حتى لا يسقطوا فريسة للدعاوى المتطرفة، وكل مسلم مطالب بأن يكون عيناً ساهرة لحفظ الدين والوطن، فلا يستتر على منحرف أو ضال.. ولا شك أن البيت والمدرسة والمؤسسات التعليمية والإعلامية والمثقفين والمفكرين لهم دور كبير في التصدي لهذه الدعوات التي تأكد أنها تضر بمستقبل الدعوة الإسلامية، حيث أصبح التدين عند البعض مرادفاً للإرهاب، والالتزام مرادفاً للغلو والتطرف .. وهي إشكالية تضر وتحجم جهود الدعوة الإسلامية التي كانت - ومازالت- بإذن الله تجد طريقها للقلوب والعقول، فيزداد عدد المسلمين كل يوم في جميع أنحاء العالم وكم في طيات المحن من منح وفي ثنايا النقم من نعم، ومن الحكمة البالغة في كونه وخلقه وقدره والله أعلم.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved