تصافح أسماعنا، ويقع تحت أنظارنا في كل يوم ما تنقله وسائل الإعلام عن تكثيف في العراق وغيره، وجهود متتابعة لتنصير المسلمين؛ حيث يعتبر المنصِّرون هذا الوقت ذهبياً بالنسبة لهم، وجاؤوا في غارة على ديار الإسلام يركضون ليس هدفهم هذه المرة في تنصير الأفراد، والتشكيك في تعاليم الإسلام، ولكن مخططهم، وفق استراتيجية مدروسة من قياداتهم طرحها مؤتمر كولورادو التَّنصيري؛ حيث يرغبون جذب المسلمين للنصرانية؛ جماعات لا وحداناً، {وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللّهُ}.
وقد وضعوا أسساً تغاير ما كان قد رسمه (صموئيل زويمر) للتنصير، مرتكزين على دعائم -في نظرهم- تجذب المسلمين للانضواء تحت دعواتهم، وتخفِّف العبء عنهم، مثل: افتعال الأحداث السياسية والعسكرية، وتحريك المشكلات الاجتماعية والمعيشية، وغير ذلك من القضايا التي تمهِّد لقبول دعواتهم، ولم ينسوا في هذه الهجمة مسألة تقارب الإسلام مع النصرانية في الأخلاق والمحبة، والإيمان بالمسيح عليه السلام وغير ذلك.
كما لفت نظري عشرات الملايين من طبعات الأناجيل، التي أُدخلت في الآونة الأخيرة للعراق وغيره من الدول في منطقة الشرق، والتي تتزايد في دفعاتها مرَّة بعد أخرى مما يجعل المسلم الغيور على دينه يتألَّم، وخاصة في التقارب بين اليهود والنصارى في هذه الجهود، وحماستهم في التخطيط والعمل لتحريك الشُّبهات، ومحاولة التَّضليل لقلب الأمور، ومقاربة الوقائع بكلمة صدرت بلسان أحد زعمائهم، وأحدثت ردَّ فعل لدى المسلمين لما تعنيه من مغزى بعيد مرماه، وهي قوله: (الآن بدأت الحروب الصليبية)، وصدق الله في هذا القول الكريم: {وَلَن تَرْضَى عَنكَ الْيَهُودُ وَلاَ النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ}، وإن كل مسلم مدعو لإدراك هذا الخطر الذي يريده أعداء الله, وأعداء أمة الإسلام، نحو دين الله الحقِّ حسب دلالة هذه الآية الكريمة، في محاولة لإطفاء نور الله.. ولكن الله متم نوره وحافظ دينه.
وعُدْتُ إلى مكتبتي لأبحث عما يعين في كشف الخفايا، والإعانة في تقوية الروح المعنوية، بعد كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم.. ذلك أن الدين هو دين الله، وتعهد الله سبحانه بحفظه، ورسمت تعاليمه درباً لا اعوجاج فيه لمن أراد السير الثابت والاستقامة على الطريق المستقيم.. وما على كل مسلم إلاَّ أن يسترشد ويؤصل عقيدته مع إخوانه؛ ثباتاً وعملاً ودعوة وصدقاً وإخلاصاً لله سبحانه.
فوجدت كتاباً طُبع في عام 1410هـ، صدر بالرياض عن دار النفائس في طبعته الأولى عنوانه: تنصير المسلمين- بحث في أخطر استراتيجية طرحها مؤتمر (كولورادو) التنصيري، للدكتور عبدالرزاق ديار بكرلي.
يتكون هذا الكتاب من 155 صفحة، وبعد الإهداء جاءت عناوين الكتاب كما يلي:
1 - المقدمة: مؤتمر كولورادو وماذا وكيف؟ 2 - الدعوة إلى التنصير الجماعي 3- التنصير والاستعمار 4- الخدمات والتنصير 5 - أساليب جديدة في التنصير 6- التَّزلف لكسب المسلمين 7 - الدعوة إلى مخاطبة الناس على قدر عقولهم 8 - عقبات وهموم أمام التنصير 9 - هجوم وأخطاء ضد الإسلام 10- كلمات حقٍّ 11- وأخيراً الخاتمة.
وإذا سِرْنا مع هذا الكتاب خطوات.. فإننا نرى فيه ما يلي:
إذ بعد الإهداء الذي قدمه للشباب المسلم، الذي عرف ربه، وعرف دربه، دخل في المقدمة التي زادت عن 8 صفحات قال فيها: لقد شهد القرن المنصرم فيما شهد من مؤامرات أعداء الإسلام هجمة تنصيرية عاتية سعت إلى تنصير أكبر عدد من المسلمين أو إفسادهم، أنفقت من أجلها أموال طائلة، وبذلت جهود هائلة، وأعدَّت خطط، وسهِرتْ عقول، وتحركت جيوش من المنصِّرين للعمل في شتى بلاد المسلمين، وإن المؤتمرات التنصيرية العالمية كثيرة.
وقد أورد المؤلف قرابة 30 مؤتمراً، ثم قال: وعليه فإن أخطر هذه المؤتمرات على الإسلام والمسلمين مؤتمران اثنان؛ أولهما: هو المؤتمر الذي افتتح عام 1324هـ في 14 ابريل عام 1906م بالقاهرة، برئاسة القسيس (زويمر)، الذي كشف عن مخاطره وتحذير المسلمين من منطلقاته محب الدين الخطيب ومساعد اليافي، في كتاب حمل اسم: الغارة على العالم الإسلامي.
ثانيهما: أخطر المؤتمرات مؤتمر كولورادو في 15 اكتوبر عام 1978م، تحت اسم: مؤتمر أمريكا الشمالية لتنصير المسلمين، حضره 150 مشتركاً، يمثِّلون أنشطة العناصر التنصيرية في العالم، استمر لمدة اسبوعين بشكل مغلق, وانتهى بوضع استراتيجية بقيت سرية لخطورتها، مع وضع ميزانية لهذه الخطَّة مقدارها (1000) مليون دولار، وقد تم جمع هذا المبلغ فعلاً، وتم إيداعه في أحد البنوك الأمريكية الكبرى. (9 - 11)
إن المؤتمرين الذين التقوا في كولورادو، وهم من كبار العاملين في حقل التنصير، معظمهم من أصحاب الاختصاصات العلمية العالية، وبخاصة في العلوم الإنسانية، وقد عكسوا كل خطراتهم التنصيرية وكل خبراتهم العلمية في أبحاثهم التي قدَّموا فيها عصارة مهمة لهذا المؤتمر الذي أعدَّ خصيصاً لمناقشة السُّبل الكفيلة بتنصير المسلمين في العالم أجمع.
شحن هذا المؤتمر أذهان المنصِّرين بضرورة العمل على تنصير (720) مليوناً من المسلمين، كما برزت عندهم الحاجة الماسة لإقامة مركز يكون معهداً للبحوث والتدريب على تنصير المسلمين، ويكون هذا المعهد بمثابة جهاز عصبي ينبِّه إلى كل ما هو ضروري في هذا الصدد، وقد أُنشئ هذا المعهد بالفعل، وسمِّي: (معهد صموئيل زويمر) في شمال كاليفورنيا، وقد اختير (دون ماكرس) ليكون مديراً له. (13 - 14)
وقد قدَّموا وفق تجاربهم الكنسيَّة الواسعة (40) موضوعاً، كل موضوع منها من الأهمية بمكان.. والقارئ لأي موضوع منها يراهم يحاولون اخضاع المقاييس العلمية لتكون في خدمة التنصير كأدوات جديدة في هذا السبيل.
ثم أوضح المؤلف أنه لأهمية هذه الموضوعات، ولخطورتها على الإسلام والمسلمين، فإن المعهد العالي للفكر الإسلامي بفرجينيا بالولايات المتحدة قد عمد إلى ترجمتها للغة العربية؛ لتكون بين أيدي القراء والمهتمين من المسلمين؛ ليكونوا على بيِّنة من الأمور التي تُحاك لهم، وتبيَّت ضدهم، ثم ليعرفوا السبيل لإنقاذ دينهم وأنفسهم وإخوانهم، وليتعاونوا في تقديم الخطط الحديثة والبديلة المكافئة والمناسبة والتي بإمكانها ليس فقط المحافظة على المسلمين والدفاع عنهم ضد هجمات المنصِّرين بل نشر الإسلام بين البشر بما فيهم النصارى أنفسهم؛ لأنَّ الإسلام دين الله، ودين العالم أجمع. (14 - 15)
وختم المؤلف المقدمة بالدعاء إلى الله بأن يلقى كتابه هذا القبول لدى القراء، لا لذاته بل لخطورة مضمونه؛ لأن أعداءنا يخططون ويعملون ويبذلون، لكن لنا في تأييد الله ونصره وعونه ما يحبط هذا الكيد، ويجعله على المنصِّرين بدل أن يكون لهم {وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ}. (ص 16)
(وللحديث صلة).
حرب داحس والغبراء:
قال أبوعبيد: حرب داحس والغبراء بين عبس وذبيان، ابني بغيث بن غطفان. وكان السبب الذي هاجها أن قيس بن زهير وحَمَل بن بدر تراهنا على داحس والغبراء، أيهما يكون له السبق، وكان داحس فحلاً لقيس بن زهير، والغبراء فرس أنثى لحمل بن بدر، فتواضعا الرهان على مائة بعير، وجعلا منتهى الغاية غلوة، والمضمار أربعين ليلة، ثم قاداهما إلى رأس الميدان بعد أن ضمَّراهما أربعين ليلة، وكان في طرف الغاية شعاب كثيرة، فأكمن حَمَلُ بن بدر في تلك الشعاب فتياناً على طريق الفرسين، وأمرهم إن جاء داحس سابقاً أن يردُّوه عن الغاية. ثم أرسلوهما، فلما أُحْضرا خرجت الأنثى عن الفحل، فقال: حَمَل بن بدر: سبقتك يا قيس، فقال قيس: رويداً،( يعدوان الجَرَدَ الوعث، وترشح أعطاف الفحل) ، فلما أوغلا عن الجَرَد، وخرجا إلى الوعث ، برز داحس عن الغبراء، فقال قيس : (جَرْيُ المُذَكِّيات غلاب)، فذهبت مثلاً.
فلما شارف داحس الغاية، ودنا من الفتية، وثبوا في وجه داحس فردُّوه عن الغاية، وثارت الحرب بين عبس وذبيان، فركدت أربعين سنة، لم تنتج ناقة ولا فرس فيها؛ لانشغالهم بالحرب، فبعث حذيفة بن بدر ابنه مالكاً إلى قيس بن زهير يطلب منه حقَّ السبق، فقال قيس: كلاًّ، ثم أخذ الرمح فطعنه ففرقَّ صلبه، ورجعت فرسه غائرة، واجتمع الناس فحملوا دية مالك (100) ناقة عشراء، وزعموا أن الربيع حملها وحده، فقبضها حذيفة وسكن الناس.
ثم إن مالكاً نزل منزلاً، فأخبر حذيفة بمكانه، فعدا عليه فقتله، فقالت بنو عبس: مالك بن زهير بمالك بن حذيفة، وردُّوا علينا مالنا، فأبى حذيفة أن يردَّ شيئاً، وكان الربيع بن زياد مجاوراً لبني فزارة، فلما قتل مالك بن زهير جعل بنو فزارة يتساءلون ويقولون: ما فعل حماركم؟ قالوا: صدناه. فقال لهم الربيع: ما هذا الوحي؟ قالوا: قتلنا مالك بن زهير، قال: بئس ما فعلتم، قبلتم الدية ورضيتم بها ثم غدرتم، فقالوا: لولا أنك جارنا لقتلناك.
فقالوا له: بعد ثلاث ليالٍ اخرج عنَّا، فخرج حتى لحق بقومه، وأتاه قيس بن زهير فعاقده، ثم نهضت بنو عبس وحلفاؤهم بنو عبدالله بن غطفان إلى بني فزارة وذبيان، ورئيسهم الربيع بن زياد، ورئيس بني فزارة حذيفة بن بدر (نهاية الأرب 15 - 356).
|