* الرياض - صالح العيد:
في الجزء الثاني اليوم يستعرض التقرير سوق العمل والموارد البشرية وإسهامات القطاع الخاص والعام في السعودة وبرامج ودور المرأة في العمل وسبل تنمية الموارد البشرية.
*****
وقد أسهم الانخفاض الملحوظ في نسبة الراسبين على تقليص الفجوة بين عدد السنوات الفعلية والسنوات المحددة لإكمال كل صف دراسي. في حين يتم التعامل مع الفاقد التعليمي الناتج عن معدلات التسرب من خلال تنفيذ إجراءات فعالة تسعى للحد منها.
ويعد النمو السريع لأعداد خريجي المرحلة الثانوية من أهم التحديات ذات الانعكاسات الاقتصادية والاجتماعية الملموسة، والتي تتطلب تفعيل الوسائل والسياسات الملائمة لاستيعابهم في مرحلة التعليم العالي أو تحويل بعضهم إلى عمالة منتجة، فمن الضروري الاستمرار في توسيع الطاقات الاستيعابية، وتحسين الكفاءات الداخلية للتعليم العالي لمواجهة تنامي الطلب، وتوفير احتياجات التنمية من الخريجين ولاسيما في الاختصاصات العلمية والتقنية والطبية، إضافة إلى توسعة روافد توفير عمالة ماهرة منتجة من غير خريجي التعليم العالي.
ويتخرج حالياً نحو ثلثي إجمالي طلاب التعليم العالي من تخصصات العلوم الإنسانية وفي مجالات لا تتفق مع حاجة سوق العمل. وتتفاقم هذه المشكلة على وجه الخصوص في حالة الخريجات. لذلك، تحرص المملكة على اتخاذ المزيد من الخطوات لمعالجة ذلك، مثل مراجعة المناهج الدراسية، وبلورة برامج تدريبية خاصة بالتعاون مع القطاع الخاص وذلك لضمان إتاحة فرص وظيفية أفضل للخريجين السعوديين. هذا مع مراعاة ان يتفق ذلك مع حاجات الاقتصاد الذي يتجه نحو الاعتماد أكثر مما مضى على المعرفة العلمية والتقنية.
العمالة والموارد البشرية
هناك مسألتان بارزتان تتعلقان بوضع العمالة في المملكة وتستحقان الاهتمام البالغ وهما ضرورة رفع معدل المشاركة في الأنشطة الاقتصادية، وضرورة ترشيد الاعتماد على العمالة غير السعودية.
وعلى الرغم من التقارب بين معدل مشاركة الذكور في القوى العاملة بالمملكة ومعدلات المشاركة في الدول الأخرى، إلا أن الانخفاض النسبي لمعدلات المشاركة الكلية في القوى العاملة بالمملكة تعزى إلى ارتفاع نسبة السكان النشطين الملتحقين بمراحل التعليم الثانوي والعالي، إضافة إلى ارتفاع نسبة ربات البيوت.
وتجدر الإشارة إلى ان معدلات مشاركة المرأة السعودية في قوة العمل تبلغ ذروتها في الفئة العمرية (25-34) سنة مسجلة نحو (21%) من السكان الإناث في تلك الفئة، وفي المقابل فان معدلات المشاركة في الفئات العمرية الدنيا والعليا تقل نسبياً عن معدلات المشاركة في الفئات العمرية الوسيطة. من جانب آخر هناك زيادة نسبة مشاركة الحاصلات على الدبلوم دون الجامعي، التي بلغت نسبة مشاركتهن بحدود (78.5%) من الحاصلات على هذا الدبلوم. ولا تظهر الإحصاءات الرسمية مشاركة المرأة السعودية في الأنشطة الزراعية وغيرها من الأنشطة التقليدية في المناطق القروية، إلا أن التوقعات تشير إلى ارتفاع عدد النساء العاملات، وزيادة معدلات مشاركتهن في سوق العمل، نتيجة لاستمرار جهود توفير الفرص الوظيفية الملائمة للنساء، وزيادة عدد المتعلمات، وارتفاع تكاليف المعيشة.
كما اهتمت خطط التنمية المتعاقبة اهتماماً كبيراً بقضايا سوق العمل وفي مقدمتها قضية اعتماد الاقتصاد على القوى العاملة الأجنبية، وهو ما كان ضرورياً خلال المراحل الأولى من التخطيط في المملكة حيث انسجم ذلك مع الجهود المتواصلة لبناء قاعدة تجهيزات أساسية راقية المستوى. غير ان مرحلة بناء التجهيزات الأساسية، بما في ذلك المرافق والتجهيزات التعليمية، قد اكتملت تقريباً كما ان الخريجين السعوديين يتدفقون إلى سوق العمل بأعداد متزايدة، وبالتالي أصبح واضحاً ان السياسات السابقة تحتاج للمواءمة والتجديد، ومن ثم فقد احتل مفهوم توطين (سعودة) الوظائف موقع الصدارة في سياسات سوق العمل.
وبرغم تباين النسق من حيث الحجم والاتجاه في كل من القطاعين العام والخاص فان المضامين التي تنطوي عليها إجراءات سياسة السعودة منذ انطلاقتها الأولى في بداية خطة التنمية الرابعة عام 1405هـ (1985م) قد انعكست في زيادة نسبة القوى العاملة السعودية في مجمل التوظيف من (36.4%) إلى (44.9%) عام 1422هـ (2002م) وسعياً لدفع خطى السعودة في القطاع الخاص فان سياسات القوى العاملة تشهد تحولاً متزايداً عن التركيز على القطاع العام بحيث تتجه للاستجابة لمتطلبات القطاع الخاص ولا سيما في ضوء عملية التخصيص التي أصبحت تشكل جزءاً رئيسياً من استراتيجية التنمية.
ويقتضي ما سبق تحقيق توافق أوثق بين خطط القوى العاملة وسياساتها من جهة، واحتياجات القطاع الخاص للقوى العاملة الماهرة من جهة أخرى، وهو ما يتطلب بدوره المزيد من التشاور بين صانعي السياسات والقطاع الخاص.
ولعل الصفات الهيكلية للبطالة تعزى في جانب منها إلى عدم التوافق بين مخرجات أنظمة التعليم والتدريب ومتطلبات سوق العمل، ولا سيما في القطاع الخاص.
وفيما يلي أهم السمات الرئيسية لسوق العمل في المملكة التي تؤثر بطرق مختلفة على سياسة القوى العاملة:
أولاً: معدلات مشاركة القوى العاملة المرتبطة بنوع الجنس. فبرغم ان نسبة نوع الجنس لسكان المملكة تقترب من التماثل إلا أن هذه النسبة (ذكور: إناث) تبلغ في المقابل (6.2 :1) بالنسبة للقوى العاملة.
ثانياً: يشير التوزيع المؤسسي لمجمل القوى العاملة إلى ان القطاع الخاص يهيمن على التوظيف بنسبة مئوية بلغت (85.3%) عام 1420هـ (2000م). وهناك أيضا تباينات ملحوظة بين القطاعين العام والخاص من حيث المزايا وظروف العمل. وسوف تؤثر هذه التباينات على سياسات القوى العاملة المستقبلية، ولا سيما ان التوظيف في القطاع العام يوشك ان يبلغ نقطة التشبع.
ثالثاً: يشير التصنيف القطاعي للعمالة إلى ارتفاع نسبة اسهام قطاع الخدمات في إجمالي التوظيف، حيث بلغت هذه النسبة (62.2%) من إجمالي التوظيف في القطاع الخاص، علما بان الخدمات الاجتماعية والشخصية والحكومية تستحوذ على أكبر حصة من هذه النسبة. كذلك يسهم قطاع البناء والتشييد بأعلى نسبة من التوظيف في القطاعات الإنتاجية بلغت نحو (51.4%) ولا تزال إسهامات الصناعة في إجمالي التوظيف في القطاعات الإنتاجية قليلة نسبياً، حيث تبلغ نحو (22.7%).
رابعاً: يعكس توزيع التوظيف حسب الجنسية وحسب القطاع الحاجة إلى بذل الجهود لمعالجة عدم التوازن في سوق العمل.
وبصفة عامة فان الملامح القطاعية لتوظيف المواطنين تميل بصورة كبيرة نحو قطاعات الخدمات بحكم إسهاماتها العالية في التوظيف. بينما الصورة العامة لغير السعوديين تعكس توزيعاً متجانساً لمجمل توظيفهم بين قطاعات الخدمات (46.5%) والقطاعات الإنتاجية بحدود (48.3%).
واستناداً إلى ذلك فان النسبة المئوية لإسهام المواطنين السعوديين في مجمل التوظيف في قطاعات الخدمات تبلغ (51.3%) مقابل (19%) في القطاعات الإنتاجية. وتبلغ إسهامات السعوديين في مجمل التوظيف في القطاع الخاص حوالي (38.9%)، مقابل حوالي (79.8%) و(83.3%) في القطاع الحكومي، وقطاع النفط والغاز على التوالي.
الرعاية الاجتماعية والخدمات الثقافية والقضائية والدينية
من أجل تحقيق الرفاهية الاقتصادية والاجتماعية للمواطنين, تم إعداد نظام شامل للرعاية الاجتماعية والمساعدة بما في ذلك الإعانات المالية وغير المالية، توفرها جهات متخصصة وهي أوضاع المواطنين المحتاجين. من ناحية أخرى، ونتيجة للاعتماد على العلاقات الأسرية، تعد حالات العزلة الاجتماعية محدودة بالمقارنة مع الدول الأخرى بفضل هذا الترابط الذي تتكافل فيه الرعاية الاجتماعية العائلية مع تلك المقدمة من المؤسسات الحكومية.
وهناك جهات حكومية أخرى توفر خدمات رعاية الشباب مثل: الخدمات الرياضية والثقافية وخدمات الإعلام فيما تتولى الجهات الدينية الخدمات التي تهدف إلى تعميق قيم الفضيلة وتمكين المواطنين من أداء واجباتهم الدينية بسهولة ويسر.
وتتولى المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية مسؤولية توفير المعاشات والتأمين ضد المخاطر لموظفي القطاع الخاص وعمال القطاع الحكومي. وقد تزايدت مدفوعات التعويض في شكل معاشات من 705.8 مليون ريال في عام 1414هـ (1994م) إلى 1631 مليون ريال في عام 1422هـ(2002م)، ومن 129 مليون ريال إلى 186.5 مليون ريال خلال الحقبة نفسها بالنسبة لتعويضات الأخطار المهنية. كما شهدت الحقبة نفسها ارتفاع إجمالي نفقات الضمان الاجتماعي من 2695.2 مليون ريال إلى 2983.4 مليون ريال شاملاً 410.2 مليون ريال في شكل مساعدات إغاثة و2573.2 مليون ريال في شكل مساعدات منتظمة.
ونظراً للتركيبة الديموغرافية الخاصة بالمملكة العربية السعودية التي تتميز بارتفاع نسبة السكان في عمر الشباب، فقد تجاوزت إسهامات العمال المؤمن عليهم من قبل المؤسسة العامة للتأمينات الاجتماعية، المبالغ التي تسدد للمتقاعدين سنوياً. ونتيجة لذلك، ظلت المؤسسة تدير قدراً كبيراً من صافي الفوائض التشغيلية لعدة سنوات. ومن المتوقع تباطؤ معدل النمو السكاني بالمملكة خلال العقود القادمة مع تسارع زيادة أعداد المتقاعدين، وبالتالي تنخفض هذه الفوائض التشغيلية وربما تتخذ اتجاهاً سلبياً ما لم يتم استثمارها في موجودات ذات مردودات عالية أو النظر في زيادة إسهام الموظفين.
التنمية الحضرية والإقليمية والإسكان
يعيش أكثر من ثلاثة أخماس السكان السعوديين حالياً في المدن الرئيسية، وأكثر من خمسي السكان في مدن يقطنها أكثر من 750 ألف نسمة.
وتتميز المدن السعودية بتنظيم جيد، وتتمتع بشبكة مواصلات متكاملة نسبياً بفضل تبني عملية التنمية الحضرية لجميع المدن الرئيسية في مرحلة مبكرة، وهو ما أسفر عن تنمية حضرية منتظمة وتوسعة لمعظم الخدمات الأساسية تمشياً مع توسع المدن وتزايد سكانها.
وتواجه الأمانات والبلديات تحدياً مزدوجاً يتمثل في تلبية الطلب المتزايد على الخدمات بسبب النمو السكاني والتوسع الحضري، بالإضافة إلى تلبية احتياجات المناطق القروية، وتمكين القطاع الخاص من القيام بدور فعال في توفير المرافق الإضافية وتشغيل المرافق القائمة وصيانتها.
وحتى يتسنى المحافظة على المستوى المتميز لنوعية الحياة المتحققة في المدن مستقبلاً، قد يكون من الأفضل الحد من التوسع في المواقع التي تفتقر إلى المقومات الاقتصادية. ويمكن ان تركز سياسات التجمعات السكانية البشرية على تعزيز الهيكل الحالي للتجمعات السكانية، والاستمرار في تحسين الظروف المعيشية في المناطق القروية. ومن الأهمية بمكان أيضا، العمل على الحد من الهجرة إلى المدن من خلال تحسين الأوضاع المعيشية في المناطق القروية ولا سيما عبر إيجاد الفرص الوظيفية المناسبة هناك.
وقد بذل القطاعان العام والخاص في المملكة خلال العقود الماضية جهوداً كبيرة من أجل مساعدة المواطنين في الحصول على المساكن الملائمة بمختلف الأشكال. إذ اضطلعت الحكومة بدور مشهود من خلال توفير مخططات الإسكان والأراضي المجانية وتوزيعها في جميع مناطق المملكة وتولى صندوق التنمية العقارية تقديم قروض الإسكان بشروط ميسرة. في حين أسهم القطاع الخاص بنسبة كبيرة في إنشاء الوحدات السكنية الممولة بقروض من الجهات الحكومية وفي الواقع فان المعدلات المرتفعة لملكية المساكن بين المواطنين السعوديين تعكس بجلاء المضامين الإيجابية لسياسات الحكومة في مجال الإسكان.
وعلى الرغم من ذلك، هناك العديد من القضايا الرئيسة التي يتعين معالجتها في مجال الإسكان، مثل: مساعدة المواطنين ذوي الدخل المتوسط والمنخفض في تأمين المساكن.
مشاركة المرأة
من الصعب الحصول على تقويم دقيق لإسهام المرأة في الاقتصاد الوطني والعمالة الكلية نظراً لعدم توافر الأساليب الفنية اللازمة لقياس العمل الذي تؤديه النساء ولا سيما في الوحدات التقليدية الصغيرة. ولكن -وكما ذكر سابقاً- فان معدل مشاركة المرأة المتعلمة في ازدياد مستمر حيث يبلغ (52.3%) للحاصلات على الدبلوم، و(35.1%) لحملة الشهادات الجامعية عام 2000م.
ومع ذلك فالدولة تسعى جاهدة إلى تطوير سياسات عمل المرأة بما يؤدي إلى إتاحة المزيد من المجالات الملائمة التي يتم فيها توفير فرص العمل المجزية للنساء. وتتركز المجالات المناسبة لعمل المرأة حالياً، التي تنسجم مع القيم الدينية والتقاليد، في قطاعي الخدمات الصحية والتعليمية حيث توجد (90%) من القوى العاملة النسائية في المؤسسات الصحية والتعليمية للقطاعين العام والخاص، مع وجود الغالبية في القطاع الحكومي، حيث تشكل العمالة النسائية نحو (35%) من إجمالي العمالة المستخدمة.
وانطلاقاً من الدوافع التنموية والاقتصادية والاجتماعية لعمل المرأة يلاحظ تحقيق تقدم في مواقف راسمي السياسات نحو تعزيز دور المرأة المزدوج داخل البيت وخارجه وزيادة مشاركتها في النشاط الاقتصادي. وفي الواقع، فان السياسات الموجهة نحو زيادة المشاركة الكلية للقوى العاملة تعزز بزيادة مشاركة المرأة. وفي هذا الصدد، يتم تبني عدد من السياسات التي تتضمن:
1 - زيادة فرص العمل المناسبة من خلال إحلال السعوديات محل غير السعوديات في بعض المجالات الأكثر ملاءمة، وتشجيع العمل الجزئي والعمل من البيت وزيادة مشاركة المرأة في امتلاك مشروعات الأعمال التجارية.
2 - تسهيل عملية حصول المرأة على المعلومات والخدمات الإرشادية المتعلقة بسوق العمل.
3 - استخدام تقنية المعلومات ومنها التجارة الإلكترونية لتوفير فرص العمل المناسبة للمرأة.
حماية البيئة والتنمية البشرية
يؤدي التعجيل بالتنمية الاقتصادية والاجتماعية إلى بروز تحديات جديدة للبيئة ومضاعفة التحديات القائمة. وقد نتجت هذه التحديات الرئيسية عن التوسع الحضري السريع، والاستخدام المكثف للموارد المحدودة ولا سيما المياه، وأنماط الاستهلاك، والحياة الجديدة، والتصنيع المتزايد.
ويشكل استهلاك الموارد المائية المحدودة أهم هذه التحديات، حيث ارتفعت نسبة استهلاك المياه في الأغراض الزراعية عام 2002م إلى نحو (89%) من الطلب الكلي على المياه، خاصة بعد ان تجاوز الإنتاج الزراعي لبعض المحاصيل الاحتياجات المحلية، مما أدى إلى مراجعة السياسات الزراعية من أجل تخفيض الإعانات للمحاصيل التي تستهلك كميات كبيرة من المياه، وتطبيق التقنيات الملائمة لترشيد استخدام المياه، وتشجيع زراعة المحاصيل ذات الاحتياجات المائية المنخفضة.
كما تم التوسع في إمدادات المياه العذبة بوتيرة سريعة لتلبية احتياجات الأعداد المتزايدة من السكان والنمو الحضري السريع وتحسن مستويات المعيشة. وأخذ الطلب الصناعي على المياه في الازدياد بسرعة وإن كان لا يزال معتدلاً.
وإدراكاً للأهمية الحرجة للمياه في وقت مبكر من مراحل التنمية، أعطت خطط التنمية في المملكة أولوية قصوى للمحافظة على المياه. فالخطة السابعة - على سبيل المثال- تطالب بجعل تكاليف المياه من العناصر الأساسية في تحديد تكاليف ومنافع المشروعات.
وقد طبقت المملكة منذ عام 1415هـ (1995م) تعرفة تدريجية لاستهلاك المياه من أجل تشجيع المحافظة عليها وترشيد استخدامها.
كما تم ترشيد استهلاك المياه الجوفية ولا سيما في قطاع الزراعة بالإضافة إلى حملات التوعية المنتظمة حول الأهمية الوطنية للمحافظة على المياه.
وعلى الرغم من الجهود المبذولة من قبل الدولة والمؤسسات الخاصة لتشجيع الاستخدام الأمثل للمياه والمحافظة عليها في القطاع المنزلي، إلا أن معدلات الاستهلاك العالية في المدن تقتضي المزيد من المبادرات مثل تحسين مستوى إدارة الشبكات ومراقبتها للإسهام في ترشيد استهلاك المياه.
بالإضافة إلى قضية ندرة المياه، يعد التعامل مع تلوث الهواء والمياه، والنفايات الصلبة، والمحافظة على التنوع الإحيائي من القضايا المهمة التي تحتاج إلى معالجة.
وتمثل الصناعة ووسائل النقل المصادر الرئيسة للتلوث في المملكة وتعد مراجعة أسعار البنزين والكهرباء من أهم السياسات التي اتخذت مؤخراً للحد من معدل انبعاث الملوثات، بالإضافة إلى التحول الذي تم مؤخراً لاستخدام بنزين خال من الرصاص. ومن المأمول ان تسهم جهود الدولة لتحسين كفاءة أداء قطاعي الكهرباء وتحلية المياه في تخفيض الانبعاثات الصادرة عن هذين القطاعين، ولكن هناك ضرورة لتنفيذ مزيد من السياسات بما في ذلك التطبيق الصارم لمعايير تلوث الهواء وتوسعة نطاقها لتشمل جميع الأنشطة المسببة للتلوث، ودعم تنفيذ الأنظمة والمعايير البيئية وتفعيلها وتحسين مستوى فحص السيارات من أجل تقليل الانبعاثات الضارة، وتقليل محتوى الكبريت في المنتجات البترولية.
ويعد الصرف الصحي المصدر الرئيس لتلوث المياه في المملكة مما يعني ان نسبة كبيرة من مياه الصرف الصحي ما زالت غير مربوطة بمحطات المعالجة. كما يعد القطاع الصناعي مصدراً آخر لتلوث المياه، ولا سيما المصانع القائمة في المناطق الصناعية وغير المربوطة بمحطات المعالجة. وثمة مصدر آخر لتلوث المياه يتمثل في الأعداد المتزايدة من السفن المتعاملة مع الموانئ السعودية، حيث يشكل تسرب المنتجات البترولية، أو تصريفها عمداً، في مياه الخليج، خطراً على البيئة الطبيعية. كما يؤدي تصريف النفايات الصناعية في البحر إلى تهديد البيئة البحرية.
ومن الحلول الناجحة لمشكلة تلوث المياه ربط مزيد من الوحدات السكنية والتجارية والصناعية بشبكة الصرف الصحي العامة، وزيادة عدد محطات المعالجة، ليس فقط لمعالجة محتويات الشبكة العامة ولكن أيضا محتويات الصرف الصحي المجمعة من خزانات الصرف الصحي والمصادر الأخرى.
وتنحصر العناصر الرئيسة للنفايات الصلبة في المملكة في النفايات البلدية، ونفايات البناء والتشييد، والمستشفيات والمصانع. ويمكن تخفيف الضغوط البيئية الناتجة عن تلك النفايات من خلال إعادة التدوير في جميع المصانع العاملة في المملكة. إلا ان ذلك يتطلب استعداداً من جانب المصانع لتحمل تكاليف الفرز للمنتجات رديئة النوعية والتكاليف العالية نسبياً لإعادة تدويرها، والتغلب على عزوف المستهلكين بصفة عامة عن استخدام المنتجات التي أعيد تدويرها.
وقد أعطيت أولوية قصوى للمحافظة على تنوع البيئة النباتية والحيوانية منذ بداية مراحل تخطيط التنمية الوطنية، الأمر الذي أسهم في إنشاء 16 منطقة بمساحة إجمالية مقدارها 83456.5 كيلومتر مربع محميات وطنية. كما تم حظر الصيد في منطقتي الربع الخالي والنفود.
وتتضمن المناطق المحمية عدداً من المناطق الساحلية التي تشكل بيئة للتنوع الإحيائي بما في ذلك الشعب المرجانية. بالإضافة إلى ذلك، تم تربية بعض أنواع الحيوانات المهددة بالانقراض تحت الأسر وإعادتها بنجاح إلى بيئتها الطبيعية، مثل غزال الريم والمها العربي.
ومن المتوقع تزايد الضغوط البيئية في المستقبل نتيجة النمو الاقتصادي بصفة عامة، وتزايد الطلب على الطاقة والمياه المحلاة والنقل والأنشطة الأخرى المسببة للتلوث. وقد تكون المخاطر على الصحة العامة وصحة البيئة عالية إذا لم تكن الاستجابات عبر السياسات في مستوى التحدي.
ويعد إعداد الأنظمة والمعايير البيئية وتطبيقها خطوة مهمة في الاتجاه الصحيح، إلا ان تحقيق أهداف هذه الأنظمة والمعايير بشكل أكثر فعالية يتطلب توسيع نطاقها لتغطية جميع الأنشطة المسببة للتلوث، فضلا عن أهمية المتابعة الدقيقة لهذه الأنظمة والمعايير للتحقق من الالتزام بتنفيذه ومن ناحية أخرى، هناك خطوة إيجابية تم اتخاذها من أهمها: (إعداد مشروع مقاييس التحكم في النفايات الخطرة) و(الاستراتيجية الوطنية للصحة والبيئة) و(برنامج عمل وموجهات التخلص من النفايات الطبية) وتقديمها للجنة الوزارية للبيئة لاعتمادها.. بالإضافة إلى ذلك، يجري العمل على إعداد خطة وطنية شاملة للمياه.
وتجدر الإشارة إلى ان الصناعات (غير الملوثة للبيئة) تعتمد عادة على التقنيات الحديثة وتحقق زيادة ملموسة في القيمة المضافة، إضافة إلى إسهامها في تنويع القاعدة الاقتصادية الذي هو من أهم التوجهات التنموية الاستراتيجية للمملكة، مما ينسجم مع أهمية الالتزام بتنفيذ الأنظمة والمعايير البيئية.
الرؤية المستقبلية.. الأبعاد والتحديات
تتطلب الاتجاهات الراهنة على المستويين الوطني والعالمي الاستفادة من ميزة الفرص الجديدة والاستجابة للتحديات الناجمة عن التحول المستمر إلى اقتصاد عالمي قائم على التكامل المعرفي والمعلوماتية، المبني على العلم والتقنية. وهذا التحول يتطلب إجراء مراجعات كبيرة في المناهج التعليمية، وممارسات التدريب الوظيفي، وسياسات التنمية البشرية الأخرى للارتقاء بقدراتها الإنتاجية.
ونظراً لارتباط المعلومات والمعرفة الوثيق بالتنمية البشرية، فان الاتجاهات المتطورة للاقتصاد العالمي سوف تتطلب تركيزاً أكثر على التنمية البشرية في المستقبل.
وفي هذا السياق، يشكل التحول نحو اقتصاد المعرفة أحد محاور الارتكاز الرئيسة للرؤية المستقبلية للاقتصاد السعودي، انطلاقاً من مواصلة جهود القطاعين الحكومي والخاص ومبادراتهما، والتأكيد على اعتماد الفرد على الذات وبناء طاقاته لتطوير نفسه ومجتمعه. وهذا ينطوي على تعزيز قدرة القطاع الخاص على الاضطلاع بدور قيادي في تنمية المملكة، بما في ذلك مسؤولية الإسهام في التنمية البشرية. وبإمكان الدور الحكومي المتعلق بالإدارة الاقتصادية التركيز في الوقت ذاته على تطوير المعرفة والتقنية في فعاليات الإنتاج والخدمات، وإعداد أنظمة ولوائح لتشجيع الأنشطة الاقتصادية للقطاع الخاص، وإدارة الأزمات، وإنشاء شبكة الضمان الاجتماعي لحماية الأفراد وتقديم الخدمات التي لا يمكن تقديمها بكفاءة من خلال السوق، كما ينبغي ان يكون رفع قدرات الأفراد والشركات الخاصة على التعامل مع تقلبات الأوضاع الاقتصادية والاجتماعية قضية أساسية في رسم السياسة المستقبلية.
ومن الضروري أيضا تشجيع القدرة على الاستجابة بكفاءة للتدفقات المعرفية والابتكارات المستمرة في بيئة تتسم بمنافسة شديدة ومتزايدة، فهي تمثل متطلباً أساسياً لتقدم الفرد ونجاحه وتحقيق الشركات للأرباح في ظل الاقتصاد العالمي.
ويتطلب هذا إطار عمل اجتماعي لتحفيز الجهود الفردية وتنويعها وتشجيع الافراد والشركات والمؤسسات على الإبداع مع المحافظة على القيم الدينية للمملكة وتقاليدها، وذلك من خلال تغيير مفاهيم تعليم العمالة وتدريبها. كما ينبغي توجيه الاستثمارات الحكومية نحو القطاعات ذات الكثافة المعرفية والتقنية وتركيز السياسات على جذب شركات القطاع الخاص لدخول هذه المجالات بواسطة توفير حوافز اقتصادية وتنظيمية ملائمة.
إن التحدي الرئيسي للتنمية في المملكة، هو ضمان التفوق العلمي والتقني، وتزويد شبابها بالمهارات اللازمة التي تؤهلهم للحصول على وظائف مجزية في ظل اقتصاد إقليمي وعالمي متكامل وعلى قدر كبير من التنافس، ولمقابلة هذه التحديات تقوم المملكة بتكثيف الجهود لتحسين نوعية التعليم، مع التركيز بصفة خاصة على غرس روح الابتكار والإبداع في الطلاب، والاستمرار في توسعة الطاقة الاستيعابية للمؤسسات التعليمية لمواكبة النمو السكاني وتوسعة طاقة مرافق التعليم الفني والتدريب المهني في المملكة فضلا عن رفع كفاءة التدريس.
ومن التحديات التي تواجه التنمية في المملكة أيضا الاستجابة لتحديات سوق العمل، ولا سيما تذليل الصعوبات التي تواجه الباحثين عن عمل والمنافسة من قبل العمالة الأجنبية وتنشيط دور المرأة في الاقتصاد وإيجاد آليات توليد فرص عمل منتجة ومتزايدة.
ويأتي التحدي الأكبر من النمو السكاني السريع الذي يعني توزيع ثمار التنمية على قاعدة سكانية أوسع مما يترتب عليه ازدياد الطلب على الخدمات التعليمية والصحية والتوظيف بمعدلات مرتفعة فضلاً عن زيادة الضغوط على مرافق التجهيزات الأساسية والبيئة.
|