من بواعث الرضا والسرور، النجاح في الأداء المهني أياً كان، لكني أظن أن فرح الطبيب - الطبيبة بنجاح العمليات الجراحية هو مزيج من الفرح المزدوج بسلامة المريض، ثم تحقيق إنجاز إنساني يخفف الألم وجلب- بإذن الله- الشفاء. لست طبيباً، لكن لي تجارب مع تعاملات أطباء مهرة داخل الوطن وخارجه، وقفت خلالها على بعض من ممارسات وأداء كانت في اغلبها جلية في التميز والبراعة مهنةً ودرايةً ودربةً وأخلاقاً رفيعةً، وعلى عكس كل هذا بنصيب أقل لقد عايشت وتلمست ما يعتري الطبيب - الطبيبة من حالات نفسية قبل بدء العمليات الجراحية وبعدها من لهفة الطبيب في الاطمئنان على استقرار حالة المريض، وكم هو الضيق والقلق لو قضى المريض أجله. قد يعتقد غالب من الناس ان الجراحين فيهم جبروت وقسوة من خلال ما يقومون به من اعمال الجراحة المعقدة وبالذات في القلب وامراض المخ والأعصاب وجراحات المواليد. ولعل جراحات فصل المواليد الذين ولدوا ملتصقين من أعقد العمليات ولعل عنصراً واحداً وهو طول الزمن لإجراء العملية هو أحد أعقد المخاطر في هذا المجال. لكن الله جل وعلا قد سخر بشراً أنعم عليهم بذكاء ومهارة وجسارة ذهنية وعلمية وبدنية، لإجراء الجراحات النادرة التي كان فيها أمل ضعيف لو لا رحمة الله وتوفيقه. ومن هذا الفضل ما أفاء الله به على بلادنا في شأن عائد الاستثمار من التعليم الذي حقق مرابح وعوائد من أجلّها نجابة الأطباء ولله الحمد.
منذ أكثر ن ثلاثة أشهر مضت، تابعت من برلين بواسطة الشبكة العنكبوتية العملية الطويلة التي تمت في مستشفى الملك فهد للحرس الوطني بالرياض للتوأمين السياميين من ماليزيا التي أجراها الطبيب الماهر عبدالله الربيعة وطاقم طبي سعودي فخرنا به ليس دعاية ولا رواية، بل بالمهارة والدراية علماً وإنسانية ثم خلقاً وتواضعاً. ثم تابعت أيضاً العملية المماثلة لطفلين من مصر العزيزة، وبالأمس القريب كانت العملية لطفلين من الفلبين اللذين أجريت لهما عملية الفصل المعقدة، لقد كان نجاح العمليات أداء وسلامة للمريضين في كل حالة فضلاً من الله عز وجل على الطبيب الربيعة والمرضى وآبائهم والوطن السعودي والماليزي والمصري والفلبيني، ثم هو شهادة اعتزاز بالثقة التي حازها بجدارة واستحقاق القطاع الصحي في بلادنا ممثلا بالطبيب عبدالله الربيعة وزملائه وزميلاته في هذا التخصص، الذين هم عينة مثال لما لدينا بحمد الله اجيال من الأطباء والطبيبات الذين لا يقلون مهارة ونطاسة في شتى التخصصات الطبية وبقية العلوم الطبية المساعدة.
لقد رافقت زفة إعلامية بمسارات باطنها الرحمة نقل الطفلين السياميين الماليزيين، إلى بلادنا من بلدهما. فقد فشلت محاولة إجراء العملية في بريطانيا وقبل ذلك في ماليزيا، لم تكن الزفة لوجه الله اخبارا بالإنجاز، والوقوف على عمل ريادي في حقل الطب الجراحي المحفوف بالمخاطر، وقول بحق في كثير من الأمر، وأنا لا أحمل الأمر كثيرا خارج المحمل الحسن. لكن قد بان في الاكمة ومن ورائها بعض الدلائل والمؤشرات ما يرتقي بحالة من الشك في بواعث الحملة، بل الزفة الإعلامية، فقد وصل إلى الرياض عشرات من الإعلاميين والإعلاميات ونشطت القنوات الإخبارية التلفازية والمواقع العنكبوتية لأخذ مواقع لها في تغطية عملية السياميين الماليزيين. وفي ظني ان الهدف هو متابعة الفشل وشن حملة ضد بلادنا، استناداً إلى ان الطب في بريطانيا أكثر تقدماً وتقنية، أما ان تم النجاح فتحصيل سبق إعلامي لن يكون فيه كثير نصيب للإشادة والإخبار بوجهي الحقيقة كما هي حالة الإعلام الغربي في تغطياته الإخبارية عن العالم الثالث إلا ما كان عن الكوارث والأعمال الإجرامية والإرهاب.. والحمد لله فقد كان مبعث الطمأنينة ان نجح الطبيب وطاقمه في اجتياز الحاجز النفسي الذي صاحب حجم العملية هماً ورأفة. ثم توالى النجاح مع تاليا وداليا بنتي مصر العظيمة، وبحمد الله مع ما تم من نجاح مع الطفلين القادمين من الفلبين، وهنا فقد ضاعت حبكة الإعلام المتربص والمتلمس للفشل اكثر من النجاح. ولا أملك كمواطن من هذا الوطن إلا الدعاء والثناء على الطبيب عبدالله الربيعة وكل الطاقم الطبي معه من الطبيبات والأطباء بل والاعتزاز بما أسدوه من عمل إنساني بارع في إنقاذ حياة هؤلاء المرضى، بل وفتح أملا في تطور هذا الحقل في الطب، ولا شك ان هذا الإنجاز قد احتل المكان المناسب واللائق في الأوساط الطبية العالمية ومراكز البحث الطبي والدوريات الأكاديمية والمشافي وكليات الطب في العالم.
بعد عودتي للوطن من ألمانيا استمعت إلى حديث إذاعي مع الطبيب عبدالله الربيعة وزوجه اعزهما الله بطاعته وأدام عليهما الحب والوئام وسعدت كثيرا بما سمعته من حديثهما عن ايام الدراسة في كندا وطريقة العيش الحضاري الذي يحيط بهما بعيدا عن ألوان التلون الاجتماعي ذي التوجه الكابت والاحادي في الرؤية والتوجه. أطربني تضحية كل منهما من اجل سعادة الآخر حتى انتهى الحال بأم خالد إلى ترك العمل الذي توظفت لادائه من أجل رعاية الأبناء.
لقد كانت الزفة الإعلامية الوطنية متواضعة جدا لم تخرج عن طابع النمطية الرسمية في متابعة ما هو رسمي دون الولوج في النمط الاجتماعي الباحث عن الزوايا الجميلة في حياة الرجل كما فعلت المذيعة القديرة نوال بخش التي برعت في استنطاق الرجل وزوجه في عمل إعلامي غاية في الجودة والإتقان. ولا أشك في أن اخي أبا خالد رجل مؤهل ومستحق للجدارة والثناء في مساره المهني والإنساني بعيداً عن مواضع اخرى. ولقد اعجبني كثيرا ثناء الدكتور الربيعة على زملائه من الطاقم الطبي وبالذات طبيبة التخدير التي اعتقد ان اسمها طاشكندي فقد كان هذا عملاً اخلاقياً محترماً من رجل قدير وجدير بالاحترام.
ولا ابعد النجعة حين اشرك في الجدارة والاستحقاق الطبيب الإداري فهد آل عبدالجبار فهو قيادي محترف وطبيب قدير استطاع ان يقود العمل الإداري والطبي في أكبر مؤسستين صحيتين في الوطن مشفى الملك فيصل التخصصي والشؤون الصحية للحرس الوطني ولعل ما استحقه من تقدير لما هو اهل له ان رقاه ولي العهد ليكون مستشاراً له ومشرفاً على الشؤون الصحية للحرس الوطني. وفي ظني انه سيكون اكثر قدرة على ممارسة مهامه في الشأن الصحي للوطن كله في موقعه الجديد.
رغم فرحي بعبدالله الربيعة وفهد آل عبدالجبار، فإني كنت أتمنى لو بقي الطبيب في مهنته مع تمييزه بالترقية حتى إلى مرتبة نائب وزير، بل وزير، فبلادنا في قطاع الصحة سواء في القطاع العسكري أو المدني في حاجة إلى المعالج للأمراض العضوية أكثر من الإدارية رغم ظني ان الاستحقاق والتأهيل المعرفي والمهني هما ومثلهما الكثير من الطبيبات والأطباء جديرون بهكذا تأهيل واستحقاق.
كم تمنيت لو أن إعلامنا الوطني قد ركز على الإعلام بهذا الإنجاز الإنساني الجميل في وسائله المتعددة، لكن يبدو ان لكل من أمره ما تعودا، ولعلي هنا أشيد بصحيفة المدينة التي نشرت في عددها الصادر يوم الاثنين غرة صفر الجاري اسماء الفريق الطبي الذي شارك في عملية فصل التوأمين الفلبينيين بداية هذا الأسبوع ولعل استاذنا خالد المالك يعفو عن إعادتي نشر الأسماء اعترافاً بحق هؤلاء النساء والرجال المتميزين في عملهم الإنساني أن يعلم بما صنعوا شكراً وتقديراً ولا أخال أبا بشار إلا سباقاً لكل الأعمال التي تشيد بالمنجزات الخيرة.
جراحة الأطفال: د.عبدالله الربيعة، د.سعود الجدعان، د.وائل العوهلي، د.محمد النمشان.
التخدير: د.محمد الجمال، د.محمد إبراهيم جمع، د.علي الشعيبي، د. صالح الشغرود، د.رائد العلي، فني تخدير سالم الشمري، خالد الحمار، فيفينكو سانقالا.
طب الأطفال: د.محمد الشعلان، د.سليمان العلولا، د.فؤاد ناجي.
مسالك بولية أطفال: د.أحمد الشمري، د.فائز المذهن.
عظام أطفال: سعد المحرج، د.أيمن جوادي.
جراحة التجميل: د.مناف العزاوي، د.عبدالله الثنيان.
وحدة العناية المركزة للأطفال: د.عمر حجازي، د.هالة العالم، د.عمروشاهين.
التمريض: وحدة العناية المركزة للأطفال: ناجي السويدا، فاطمة باسنبل، هند النجار، بات اوكامبو، تاي لي هان.
التمريض: غرفة العمليات: نسرين العسيف، ديانا بوف، كوني شان، كارمين سانتوس، روبل امبريو، جليندا كنيدي، رودلفو دي فيرا، تينا روكا.
التمريض جناح الأطفال: دونا مك جولدريك، جوزلاين ديزا، راكول بيمينيتل، سوزان، ميجينو، ويندلين سامسون.
قسم الأشعة: د.فيجي بالكر، د. مها نجوم.
العلاج الطبيعي والتأهيل الطبي: هدى العويس، نوير المطيري.
الخدمة الاجتماعية: رنا احمد، فدوى الجلبان.
لكم كل الشكر أيها النبلاء والنبيلات.
( * ) باحث ومستشار إعلامي
|