النقاش محتدم في فرنسا حول الطريقة المتبعة في المدارس والمعروفة بالإملاء. والتلازم واضح بين الإملاء ومعرفة كتابة اللغة, وخير مثال لذلك إذا أردنا تشبيها باللغة العربية إنما هو كتابة الهمزة والألف المقصورة. والتاء المفتوحة والتاء المربوطة. فمتى تكتب الهمزة منفردة نحو: عبء وملء، ومتى تكتب على كرسي الياء أو الواو أو الألف الطويلة أو الألف المقصورة، نحو مسألة أو مسئلة، ويقرؤون أو يقرأون، ثم يحيا أو يحيى، ثم ابنة وبنت، وتوراة وموات.. الخ.
ومن مصاعب اللغة الفرنسية أن مفرداتها مشتقة من اللغة اليونانية واللغة اللاتينية، ولذلك ترى في اللغة الفرنسية حروفا كثيرة تكتب ولكنها لا تلفظ، مما يجعل تمارين الإملاء ضرورية جدا لتملك كتابة اللغة الصحيحة.
غير أن التعقيد الناجم عن كتابة اللغة أصبح حسبما قالت مدرسة جديدة من علماء التربية، صداعا دائما للتلميذ، مع خلوها من أية فائدة ثقافية!
بل ذهب علماء النفس أبعد من ذلك فقالوا: إن المطلوب من الإملاء ليس تلقين معارف مفيدة للطفل، بل إنما هو البحث عن غلط وملاحقة التلميذ ملاحقة تعسفية والتمكن من معاقبته بالاستناد إلى حجة والحجة هي انه (أخطأ في الإملاء).
وتزعم المدرسة التقليدية أن تمارين الإملاء ضرورية لعقل الطفل لأنها تشحذ انتباهه وتعوده على المراقبة البصرية، فضلا عن أنها تحثه على تفهم العبارة بطريقة الإعراب.
ويضيفون بصواب أن كتابة الكلمات ليست الصعوبة الوحيدة في اللغة، فهناك المذكر والمؤنث مثلا، ولماذا لا تلغى، عملا بمبدأ التسهيل ذاته، التذكير والتأنيث لغير العاقل، ولا سيما أن ذلك اعتباطي بدليل أن المذكر في الألمانية قد يكون مؤنثا في الفرنسية أو العربية، فالقمر مؤنث بالفرنسية ومذكر بالعربية، والشمس مؤنثة بالألمانية والعربية ومذكرة بالفرنسية.
وفضلا عن هذه الاعتبارات كيف السبيل إلى تغيير كتابة ملايين الكتب والمؤلفات المطبوعة؟
ولا بد من ملاحظة على هامش هذه المجادلة، وهي أن معظم الشعوب العصرية أخذت تحاول تسهيل لغاتها القومية بشتى الوسائل، ففي ألمانيا مثلا يجري الآن مثل هذا الجدال حول كتابة المفردات المشتقة من اليونانية واللاتينية. وحتى في العربية ينادي بعضهم بالتسهيل، بل اقترحت فئة قليلة كتابة اللغة العربية بالحروف اللاتينية! ورأى غيرهم إلغاء بعض القواعد التي تعقد الأمور بلا جدوى كقاعدة الممنوع من الصرف.
ولو جربنا مجرى هذه النزعات الحديثة لما بقيت ثقافة ولا لغة قومية! ومن عجيب أمرهم انهم لا يتساءلون: كيف كان ميسورا للأجيال السالفة أن تستوعب هذه المعارف اللغوية التي أصبحت فجأة متعذرة على الجيل العصري؟!
|