Wednesday 31th March,200411507العددالاربعاء 10 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
الضّحية!!
خيرية إبراهيم السَّقاف

وقفت على الشاطئ... صمتت كثيراً حتى خُيِّل لمن معها أنَّها فقدت القدرة على الكلام... ألقى كلُّ عابر بها جملة، أو بضع كلمات، أو صوتاً بلا حروف؛ كي يلفتوا إليها الانتباه، غير أنَّها ظلَّت صامتة، ترسل للبحر نظراتها، وبالهواء تمتزج أنفاسها، يومٌ بساعاته الأربع والعشرين عبر، في كلِّ ثانية فيه يُتوقع أن تنطق، غير أنَّها لم تفعل...
ظنَّ أحدهم أنَّ البحر وحده من سيتحدث عنها، سيقول ما كان يخالجها من أفكار، أو مشاعر، أو سيقول ما الذي أرسلته له: غضباً كامناً أطفأ فيها قدرة النّطق، أم حزناً عميقاً أثقل لسانها عن الحديث، أم خيبات متتالية أفقدتها الثِّقة في القدرة على معرفة مَن وما حولها؟
البحر وحده حسبوه يقدر على أن يفضَّ سرَّ صمتها، ومضمون نظراتها، لكنَّ البحر لم يستطع أن يفصح لهم عمَّا بها...، ربَّما رجته ألاَّ يفعل، ربَّما تفاهمت معه على أن يكون وعاءً حاضناً لما فيها، ربَّما ناشدته أن تستقرَّ أسرارها في عمقه...
هزّوها بقوَّة، فرشوا الأرض، وأقاموا الموائد، وأضاؤوا الشموع، دعوا كلَّ بعيد وقريب، تحوَّل شاطئ البحر على امتداده إلى أعراس صاخبة، ثمَّ إلى مآتم صامتة، ثمَّ إلى تناكب العابرين، وتصادم المتطفِّلين، وتقاتل المحتدمين، وتناحر المختلفين، وتضاحك السَّاخرين، واندهاش المتفرِّجين،...
وتقف لا تزال بما بقي لها من قدرة مشلولة على الصّمود في وجه ريح صيف الظَّهيرة، وسموم شتاء اللَّيل، تصطخب من حولها الأصوات، وتختلف إليها الأقدام، وتتراكض نحوها العيون،... وتحت قدميها من البحر زواحف مختلفة بعضها يعضّها، وآخر يتمسَّح بها، وشيءٌ يعبر دون أن يعترضها...، وتماسيح البحر تمدُّ رؤوسها، فلا تعيرها التفاتاً، ووحوش الأرض من حولها ولا تحرّك ساكناً، تجمّدت لا يعلمون، تبلّدت لا يدرون، لكنَّها لا تزال واقفة... صائمة لا تأكل، ولا ترتوي، زادها صخب، وضجيج، وأسئلة، تحوَّلت الأرض من حولها إلى يدين تطوِّقانها دون أن تتحرّك... لا تزال تلقي للبحر الكبير الشَّاسع بنظراتها...، ومن حولها تحتدم الأسئلة...
وتحتدم الصّدور...
فيما تعبث خريطة جداول العمل للعابرين في مصيرها...
كلٌّ يدَّعي أحقيَّته
وكلٌّ يحسبها من وصاياه...
والمواسم تتعاقب...
وأخطبوطٌ كبيرٌ قادمٌ لها من البحر...
وديناصورٌ وحشيٌّ يقنصها من الخلف...
ولا يزال رمقٌ يدبّ فيها...
والصَّمت مطبق...


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved