يقال: إن جوهر الكورة يكمن في الإثارة التي تحيط بها وليست هي في حد ذاتها، فلولا التصريحات والمقالات الصحفية وصراعات الجماهير لقلنا إن الكورة هي مجرد مراكض بين مجموعة من (الفاضيين). مثل العرس: تجد الناس تتراكض هنا وهناك، وهذا يمسك دلة، وهذا يمسك مدخنة، وهذا كلَّفَه بشته ثلاثة آلاف ريال، وفي النهاية يمكن يكون العرس لعروسين مايسوون فص بصل.
فالمسألة هي الإثارة التي تحيط بالشيء نفسه. فإذا كان هناك أناس يستمتعون بالركض، فهناك آلاف بل مئات الألوف في حاجة إلى التنفيس عن مكبوتات تفور في داخلهم ؛ فالإنسان مازالت تسكنه الروح البدائية. روح الصراع والتعارك فيكون هؤلاء الشبان في الملعب آلة لتفريغ مكبوتاتهم المتخلفة في داخلهم من العصر البدائي. ولكن في عصر التحضر والنظام والقانون يكون هذا التفريغ محكوماً بأطر لا يمكن أن يتعداها وإلا عُدًّ اعتداء علىالآخر.
من حق الجماهير أن تصرخ في المدرجات وأن تتفاحش في القول وأن تخرج غاضبة تزمجر ولكن في اللحظة التي يتحول فيها هذا الغضب إلى عنف تتدخل السلطات المسؤولة وتضع له حداً.
والعنف لا يتوقف عند الاعتداء المادي والجسدي بل يصل أحياناً إلى الكلمات، وقد يكون الاعتداء بالكلمات أشد قسوة وتأثيراً وخروجاً عن السلوك المتحضر. لذلك نجد أن كل القوانين والتشريعات وعلى رأسها الإسلام وضعت قوانين صارمة للسيطرة على الكلمات وخاصة عندما تمس كرامة الناس أو شرفهم.
أكثر القطاعات في المملكة نال نصيبه من هذا النوع من الاعتداء هو قطاع تحكيم الكورة في المملكة. في ظني أنا أن الاستعانة بالحكم الأجنبي جاء استجابة لتوالي تصريحات مسؤولي الأندية حتى أصبح من الثابت بعد كل مباراة أن يخرج رئيس نادٍ أو صحفي ويبدأ في اتهام الحكام ليحملهم خسارة ناديه المفضل.
هناك نوعان من الاتهام: الأول : يمس كفاءة الحكام وقدراتهم الفنية وهذا مبذول للجميع ولكن هناك اتهام آخر يمس شرفهم وكرامتهم. لن نتوقف عند كفاءة الحكام أو قدراتهم الفنية لأن هذه مسألة تحل إذا وجدت بالتطوير والتدريب والاحتكاك.
ولكن القضية التي علينا أن نتوقف عندها كثيراً هي قضية الطعن في ذمة الحكام وأمانتهم وشرفهم. قضية كهذه لا تحل في الرئاسة العامة لرعاية الشباب لأنها لم تعد فنية أو إدارية وإنما دخلت إلى منطقة التجريم وبالتالي تحل عند القاضي.
قبل أن نستعين بالحكم الأجنبي ليحل مشكلة التحكيم كان يفترض أن نحلل تصريحات رؤساء الأندية وندرس طبيعتها لأننا سنجد أن معظم التصريحات لا تطعن في كفاءة الحكم وإنما في أخلاقه. وهذا كان يجب أن يقود إلى تأسيس إجراءات قانونية تحلل التصريحات إذا كانت فنية تجيب عليها رعاية الشباب وإذا كانت طعناً في ذمة الحكم تحال القضية برمتها إلى القضاء ليفصل فيها، فإذا ثبت أن تصريحات المسؤول صحيحة فالقاضي هو الذي يصدر الحكم المناسب تجاه الحكم لأنه خان الأمانة، أما إذا كان الاتهام مجرد تنفيس عن غضب بدائي فالقاضي أيضاً هو الذي يتخذ الإجراء المناسب حسب ما يمليه الشرع عليه ليوقف هذا الشخص عند حده.. الاستعانة بالحكم الأجنبي في الوقت الذي تتفاقم فيه هذه الاتهامات هو قرار كأنه مع الأسف يقر بهذه الاتهامات ويشرعها.
فاكس 4702164
|