*حلقات أعدها/ حسين بالحارث:
الساحل الشرقي -البحر والخير -4/3
في هذه الحلقة نتناول بالحديث جبل الظهران.. ولعل التاريخ يسجل لهذا المكان ذكرى للعالم أجمع.. فالخير انطلق من هنا من البئر 7 وهو بداية تدفق نهر البترول.. في السطور التالية نقارن بين الماضي والحاضر ونرصد معالم النهضة الحديثة في الظهران.
شهرة عالمية
إنها إحدى المدن السعودية الشهيرة المعروفة عالمياً كمقر لأكبر منتج للبترول في العالم وهذه فقط إحدى الصفات التي تميز الظهران ذات الخصوصية من عدة جوانب وتجمع عدداً من التناقضات فقد عرفها الناس قبيل اكتشاف النفط مجرد جبل يسمى الظهران غير ان بعض البحاثة يعتقدون انه أكثر من المناطق المحيطة به علاقة بالتاريخ واكتشافاتهم تؤكد ان الظهران يضم مواقع أثرية قديمة جدا وقد وصف جبل الظهران بأنه ذو عيون ونخيل وسكنته بعض الأقوام الموغلة في التاريخ أما الخصوصية الأخرى فإنه مدينة ولكنه أقل مدن المنطقة الشرقية اكتظاظاً بالسكان ويكاد يقتصر السكن فيه على بعض موظفي شركة أرامكو وهنا تأتي الخصوصية الثالثة وهي ان هذا الجبل أصبح يضم ثلاث مؤسسات لها وزنها العلمي والعسكري والاقتصادي وهي جامعة الملك فهد للبترول والمعادن أحد أبرز الجامعات العلمية في العالم بسبب مكانتها العلمية التي جاءت نتيجة تخصصها في المجالات العلمية وهي تضم معهداً للبحوث يعد من المراكز العالمية في مجال البحث العلمي.
أما المؤسسة الثانية فهي قاعدة الملك عبد العزيز الجوية التي تضم معهداً للدراسات الفنية وعدداً من القطاعات العسكرية الأخرى وهي من أهم القواعد العسكرية في المملكة وهي أقدم قاعدة عسكرية بالمنطقة الشرقية.
ثم تأتي شركة أرامكو السعودية كواحدة من أعظم المؤسسات الاقتصادية على مستوى العالم.
موقعها وحدودها
تقع مدينة الظهران إلى الجنوب من مدينة الدمام ويحدها من الجنوب شاطئ نصف القمر التابع للخليج العربي ومن الشمال مدينة الدمام ومن الشرق الخبر والثقبة أما من الغرب فيحدها الخليج العربي ومدينة الدمام الصناعية.
لمحة تاريخية
يعتقد بعض الباحثين ان منطقة الظهران تعتبر أهم المواقع الأثرية في منطقة الخليج العربي وعلى رأس هؤلاء المستشرق بيتربروس كورونوال وهو بحسب الأستاذ عبد الله الشباط أول باحث يلقي الضوء على حفائر الخليج العربي بشكل موسع ويذكر فقد استخرج العديد من الآثار ووقف على كثير من المواقع الأثرية وقد خص الظهران بجزء كبير من بحوثه ويضيف حيث عثر ذلك الباحث على أثر بناء حجري على شكل دائري تعلو منحدراته الخارجية التي تظهر على شكل آكام من الحجارة- آلاف المدافن من النمط الذي ينتمي إلى العصر البرونزي- وهي تشبه مجموعة من الاستحكامات الترابية بعضها خلف بعض ولكل مدفن رصيف وجدران تحيط بأطرافه بطول 60 قدماً متجهة إلى الشمال.. وتزدحم بالمدافن بشكل يشبه المقابر.. وفي كل مدفن تابوت منحوت من الحجارة.. وبعض المدافن الكبيرة تضم أكثر من تابوت.. وأحياناً تحتوي على عدد من القاعات الخاصة بالدفن وقد عثر كورونوال على قطع من الفخار والحجارة والأخشاب وبعض الكتابات التي أعطته دليلاً بأن أصحاب هذه المدافن هم الدلمونيون الذين كانوا يحكمون المنطقة وكان الدلمونيون يعاصرون السومريين والآشوريين فيتاجرون معهم ويحاربون أحياناً. وكانت تجارتهم في النحاس واللبان وخشب الساج والعاج والحجر الأشهب والأحجار الكريمة. وعندما نزحت قبائل عبد القيس إلى الخليج العربي توزعت قبائل وأفخاذاً نزل كل فخذ منها في مكان.. فقد ذكر في (معجم ما استعجم) ان حرباً وقعت بين القبائل من ربيعة بن بكر بن وائل.. فرحلت عبدالقيس وشن بن أفصي واختارت البحرين لمقامها.. فنزلت جذيمة العدان ونزلت نكرة الستار والظهران.. ونزلت بنو عامر- العمور الجوف والعيون وهجر. ويحدد ابو على الهجري المتوفىسنة 288هـ الظهرانه بقوله:
قطن العشيرة.. جبل أحمر عن يمينه الظهران.. وحبشي جبل أسود إلى جانبه الفنان أسود أيضاً.
وبعد دخول البحرين في الإسلام تتركز الحركة السياسية والتجارية بهجر فتنزوي الظهران ولم يعد لها ذكر.. اللهم إلا ما ورد على لسان ابن مقرب المتوفى سنة 631هـ حيث يقول:
والخط من صفوا حازوها فما
أبقوا بها شبرا إلى (الظهران) |
و(الخط) هنا هو اسم قديم ل(القطيف) ويقول شارح ديوان بن مقرب ان (ابو منصور سليم بن مفرج) لما قدم إلى القطيف وافداً على أبي علي الحسن بن شكر تلقاه ماشياً قبل بلوغه القصر وأقطعه بلداً تسمى الظهران على ساحل البحر.. ذات نخيل وأشجار وزروع كثيرة ومداخل من بر وبحر فنزل بقصرها وحرم ان توقد بها ناراً للضيافة سوى ناره.
الظهران والعهد الجديد
كانت الظهران حتى ظهور البترول عبارة عن جبل محاط من جميع جهاته بالرمال، وتتجه سفوحه منحدرة نحو البحر من الشرق إلى الجنوب ولكن هذا الجبل ومنذ تدفق النفط من بئر رقم 7 في الثالث من مارس 1938م بكميات تجارية حيث بدأ التحول الجذري في ذلك الجبل وفي تاريخ المملكة وإيماناً بهذه الحقيقة الجميلة فقد أطلق صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز اسم بئر الخير على بئر رقم 7.
وفي مذكرات كتبها (سوك هوفر) وهو جيولوجي حضر إلى المنطقة في عام 1935م للمشاركة في أعمال التنقيب والحفر قبل تدفق البترول بقليل قال: إن الدمام مجمع سكني صغير للحفر يتكون من منزلين من الحجر ومكتب ومصنع ثلج ومطبخ ومستشفى وأضاف: (تلك كانت كلمات تبدو اليوم ساذجة بل انها أصبحت كذلك في وقت ليس ببعيد من تاريخ كتابتها فقد بدأت عملية الإنشاء للمساكن والطرقات والمصانع اعتبارا من عام 1936م ولكن في الظهران هذه المرة ولاتزال بعض تلك المساكن وخصوصا الحجرية منها قائمة إلى اليوم داخل الأحياء السكنية لشركة أرامكو. ومنذ ذلك التاريخ كانت شركة أرامكو تتوسع في أعمال التنقيب والإنتاج وكان جبل الظهران بمثابة قاعدة الانطلاق نحو ماهي فيه اليوم وهذا الانطلاق لم يكن مقتصراً على جوانب التنقيب والانتاج بل ترتب على ذلك العديد من الجوانب الاجتماعية والعلمية وجوانب أخرى فقد ساهمت أرامكو في خلق مجتمع جديد عبر عدة محاور فقد كانت تبعث النابهين من موظفيها إلى الخارج للتعليم وتطوير قدراتهم وكانت تنشئ المدراس وتوفر وسائل النقل للتلاميذ الذين توظفهم وتبعثهم لدراسة التخصصات التي تحتاج إليها كما كانت تقيم المساكن وتقدم القروض للموظفين السعوديين الذين توافدوا من مختلف مناطق المملكة للفوز بفرص العمل التي توفرها الشركة كما نشأت شركات للعمل بعقود مع شركة أرامكو وكذلك مؤسسات تجارية توفر سبل الحياة الجديدة في هذا العالم الجديد.
جامعة الملك فهد
أما على الصعيد العلمي فليس غريباً ان نقول ان جامعة الملك فهد للبترول والمعادن لم تنشأ في جبل الظهران وبتخصصات علمية بحتة لولا وجود أرامكو وإلى حد ما قاعدة الملك عبد العزيز الجوية في الظهران.
تطور الظهران
لقد تطورت الظهران بشكل مذهل وهي تضم مجمعات سكنية مميزة للموظفين من السعوديين والأجانب بالإضافة إلى حي سكني خاص بالقياديين في الشركة وهذه الأحياء تعتبر عالماً آخر والدخول إليها من غير الموظفين يتطلب وجود الداعي في الداخل وبعض الإجراءات الخاصة. وهي مبنية على الطراز الغربي في مساكنها ومنشآتها، وقد قامت أرامكو بتصميم جميع الأحياء الموجودة بقربها مثل حي الدوحة والدانة حيث يقطنهما أغلبية من موظفي الشركة.
وتوجد في الظهران جميع المرافق والخدمات المتطورة التي بنتها شركة أرامكو كشاطئ نصف القمر والمستشفى الضخم وخدمات الترفيه المختلفة. وتتميز الظهران حالياً بوجود مقرات شركة أرامكو السعودية ممثلة في إدارتها التنفيذية العليا وكذلك العديد المنشآت والمرافق الصناعية التي يصعب الحديث عنها بصورة عابرة.
أبرز معالم الظهران
تضم الظهران العديد من المعالم البارزة والمتميزة التي يمكن تلخيصها في عدة عناوين وهي:
شركة أرامكو السعودية:
وهي عبارة عن العديد من المباني الإدارية والتشغيلية التي أنشأتها شركة أرامكو لأعمالها وهي بلاشك منشآت ومرافق ضخمة لأنها تعود لأكبر شركة نفط في العالم.
معرض الزيت
أنشأته شركة أرامكو ويقع غرب منشآتها عند مدخل الظهران ويضم قاعة عروض سينمائية وبالابعاد الثلاثية تعرض في المناسبات قصة اكتشاف البترول في المملكة ومرحلة الانتاج وبعض الأفلام عن الشركة كما يحتوي المعرض على العديد من الأجنحة المفيدة والمعرض مفتوح للزوار يومياً كما يستقبل طلبة المدارس أيضاً بالإضافة إلى استقبال شخصيات عالمية من ضيوف المملكة،على سبيل المثال: الرئيس الصيني السابق جيانج زيمين والفنزولي هوجو شافيز والإيراني سيد محمد خاتمي.
جامعة الملك فهد للبترول والمعادن
وتقع شرقي الظهران بالقرب من القنصلية الأمريكية وكانت كلية صغيرة تحولت إلى جامعة متميزة في مختلف التخصصات التقنية والإدارية وهي تضم أيضا معهداً للبحوث يعد مركزاً علمياً مرموقاً بما يضمه من كفاءات سعودية متميزة في مجال البحث العلمي.
قاعدة الظهران العسكرية
وهي من أقدم القواعد العسكرية في المنطقة وأهمها وتضم معهداً للدراسات الفنية وقاعدة جوية وتقيم برامج تثقيفية للجمهور في المناسبات الوطنية كالذكرى المئوية حيث أحيت استعراضات جوية جماهيرية.
بعض القطاعات الحكومية
ومنها بلدية الظهران وقسم للشرطة ومركز تدريب تابع لشرطة المنطقة الشرقية بالإضافة إلى مجمع سكني تابع لوزارة الداخلية.
مدافن جنوب الظهران
تقع جنوبي مطار الظهران السابق وبها مايزيد على 900 مدفن وقد كشف عن 50 مدفناً فقط وتعود للفترة الدلمونية (2500 سنة قبل الميلاد).
عين السيح
تقع حوالي 10كم جنوب الظهران وبالقرب من ساحل الخليج العربي وعلى ساحل ذوات السيح من الشمال وهي من المواقع التي ترجع إلى أقدم حضارة عرفتها المنطقة قبل 400 إلى 500 سنة قبل الميلاد.
|