* الرياض - صالح العيد:
صدر مؤخراً عن وزارة الاقتصاد والتخطيط التقرير الأول حول التنمية البشرية، وبين معالي وزير الاقتصاد والتخطيط الدكتور خالد بن محمد القصيبي أن تقرير التنمية البشرية الأول يلقي نظرة شاملة على التقدم الذي حققته التنمية البشرية في المملكة العربية السعودية ويقدم تقويماً له عبر مسيرة التنمية الاقتصادية والاجتماعية خلال العقود الثلاثة الماضية، مبرزاً ما حققته المملكة من منجزات وما واجهته من معوقات وما تتوقعه من تحديات مستقبلية لتحقيق تنمية بشرية مستدامة.
وأكد معاليه ان التنمية البشرية ظلت المحور الرئيسي والهدف النهائي للتنمية الاجتماعية والاقتصادية في المملكة كما يتضح جلياً في سياق التقرير مبيناً معاليه ان حكومة المملكة حرصت من أجل التعجيل بتحقيق التنمية البشرية على زيادة الإنفاق المخصص للخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية على مدار خطط التنمية المتعاقبة من عام 1370هـ إلى عام 1422هـ حيث ارتفعت نسبة الإنفاق على هذه الخدمات إلى إجمالي النفقات العامة من (20.6%) خلال خطة التنمية الأولى إلى (51.5%) في خطة التنمية السادسة وظل تقديم خدمات صحية وتعليمية ذات جودة عالية في مقدمة أولويات خطط التنمية المتعاقبة، فخلال المدة من 1390هـ إلى 1422هـ ازداد الإنفاق على الخدمات التعليمية والصحية والاجتماعية بأكثر من الضعف.
ويتكون تقرير التنمية البشرية من عشرة فصول، يعرض الفصل الأول منه موجزاً تنفيذياً لموضوعات التقرير حسب الفصول المتعاقبة، ويتناول الفصل الثاني من هذا التقرير مفهوم التنمية البشرية وقياسها، إضافة إلى البعد البشري في سياق التنمية المستدامة بالمملكة، ويوفر المؤشرات الرئيسية المتعلقة بمعالم التنمية البشرية. ويستعرض الفصل الثالث الوضع الصحي في المملكة والتقدم المتحقق فيه، إلى جانب القضايا الأساسية التي تواجه القطاع الصحي.
ويقدم التقرير في فصله الرابع تحليلاً للتقدم المتحقق في مجال التعليم مع إبراز معدلات القيد، والزيادة المطردة في الإنفاق عليه، والدور المتنامي للقطاع الخاص في تقديم الخدمات التعليمية، وكفاءة النظام التعليمي، إضافة إلى إبراز القضايا والسياسات ذات العلاقة بقطاع التعليم.
أما الفصل الخامس فيحلل قضايا العمالة والموارد البشرية مع التركيز على العلاقة بين السكان والقوى العاملة، والهيكل المهني والتوزيع القطاعي للتوظيف، إضافة إلى تحليل قضايا العمل والتوظيف.
ويستعرض الفصل السادس الرعاية الاجتماعية والخدمات الثقافية والقضائية والدينية، انطلاقاً من أهمية دورها في تفعيل جهود التنمية البشرية بالمملكة. ويتناول الفصل السابع التنمية الحضرية والإقليمية والإسكان بالمملكة، مع إبراز الجهود المبذولة لتوفير المساكن الملائمة للمواطنين في إطار متطلبات التنمية البشرية، إضافة إلى إلقاء الضوء على أنماط التنمية في المناطق المختلفة.
ويعالج التقرير في فصله الثامن قضايا المرأة في إطار التنمية البشرية من جانبين رئيسين: التعليم والتوظيف، مع إبراز أهمية السياسات المتعلقة بتذليل المعوقات التي تواجه المرأة في مجالات التوظيف والمشاركة في النشاط الاقتصادي.
في حين يهتم الفصل التاسع من هذا التقرير، بعلاقة التفاعل والتأثير المتبادل بين حماية البيئة والتنمية البشرية، مع التركيز على الأوضاع البيئية الراهنة ومشكلاتها وقضاياها والسياسيات التنموية ذات العلاقة.
وأخيراً يعرض التقرير في الفصل العاشر التوجهات العالمية الحالية نحو اقتصاد عالمي يستند إلى المعلومات والمعرفة المتكاملة متجسدة في التقدم المتسارع في مجالات العلوم والتقنية وانعكاساتها على سياسات التنمية البشرية في المملكة.
وتجدر الإشارة في هذا السياق إلى ان (تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي) يركز على تطوير نطاق مفهوم التنمية البشرية وتوسيع مقوماته وتحديدها في إطار دولي، إضافة إلى تحديد المقاييس والمؤشرات والمنهجيات التي يتم استخدامها لقياس مدى التقدم المتحقق في هذا الصدد.
وعلى الرغم من اعتماد (تقرير التنمية البشرية بالمملكة العربية السعودية) على المقاييس والمؤشرات المحددة في (تقرير التنمية البشرية لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي)، إلا أنه يركز على تقييم سجل التنمية البشرية بالمملكة، مع الالتزام بالموضوعية، من أجل تكوين رؤية واضحة ومتكاملة بشأن المسيرة التنموية للمملكة.
ويهدف هذا التقرير إلى:
- إبراز التطورات الجوهرية التي شهدتها المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية، وتقويم انعكاساتها الإيجابية على التنمية البشرية والمجتمع، مع التأكيد على ان عملية التنمية بالمملكة لم تقتصر على بناء الطرق والمطارات والموانئ ومحطات التحلية والكهرباء وشبكات الاتصالات، وإنما حرصت أيضا على تحسين رفاهية المواطن السعودي من خلال توفير أفضل الخدمات التعليمية والصحية والبيئة النظيفة وغيرها.
- استعراض الوضع الراهن للتنمية البشرية بالمملكة، من خلال إلقاء الضوء بإيجاز على المسيرة التنموية لمتابعة تطور سياسات التنمية البشرية خلال العقود الثلاثة الماضية وأثرها في نشر الوعي التنموي، وحشد الموارد، وتشجيع المواطنين على الإسهام في العملية التنموية، علماً بان هذا التقرير موجه أساساً للمواطنين والقائمين على بلورة السياسات انطلاقاً من أهمية نشر الوعي بالتنمية البشرية ومضامينها ومتطلباتها لضمان استمرار هذا الزخم.
ويوفر التقرير أيضا قاعدة معلوماتية لمقارنة أوضاع التنمية البشرية في المملكة مع تلك السائدة في الدول الأخرى أو مع المعايير المقترحة في مختلف المؤتمرات الدولية ذات العلاقة، حيث تتمثل فعالية مثل هذه المقارنات ومزاياها في تبني السياسات اللازمة لتحسين فرص تخصيص الموارد المالية المتعلقة بأولويات التنمية البشرية.
ومن أهداف هذا التقرير ايضا تكوين رؤية واضحة لصياغة السياسات والإجراءات اللازمة للمحافظة على فعالية التنمية البشرية في المملكة ورصد الفجوات في البيانات والمعلومات من أجل تحديد المجالات التي يتعين التركيز عليها مستقبلاً إضافة إلى تقويم تكلفة السياسات البديلة وفاعليتها.
مفهوم التنمية البشرية وقياسها
يضع مفهوم التنمية البشرية المواطنين في مركز اهتمام عملية التنمية بوصفهم المستفيدين من ثمارها فضلاً عن كونهم يشكلون عناصر التغيير الأساسية، بالإضافة إلى كون رفاهية المواطنين هي الهدف النهائي للمسيرة التنموية. ويمثل ذلك تحولاً جوهرياً عن الفكرة السائدة منذ وقت طويل، المتمثلة في ان النمو الاقتصادي هو العنصر المركزي والقوة المحركة في المسيرة التنموية. ورغم ان هذا المفهوم الجديد، يقر بأهمية النمو الاقتصادي وضرورته في تحقيق رفاهية المواطنين، إلا ان النمو ليس كافياً بحد ذاته لتحقيق التنمية البشرية.
وفي هذا السياق يشير تقرير التنمية البشرية الأول الصادر عن برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى التنمية البشرية على أنها عملية لتوسيع نطاق خيارات البشر. ويشكل ذلك تحولاً جوهرياً عن مناهج النمو الاقتصادي، حيث يركز منهج التنمية البشرية على نوعية النمو بقدر تركيزه على الكم، ويعني ذلك بعبارة أخرى ضرورة إيجاد ارتباط على نحو حصيف بين زيادة الدخل وتوسيع نطاق خيارات البشر عبر سياسة مدروسة، نظراً لعدم وجود مثل هذا الارتباط بصورة تلقائية.
ولهذا يصبح منهج التنمية البشرية عملية متكاملة تتضمن العناصر الأساسية التالية:
* المساواة: جعل الفرص متاحة للجميع بصورة متساوية.
* الإنتاجية: التوظيف الأمثل لقدرات الناس من خلال الاستثمار في تنمية الموارد البشرية.
* الاستدامة: الاهتمام بالأجيال المستقبلية.
* التمكين: تمكين الناس من تحقيق مستوى من التنمية الفردية التي تتيح لهم خيارات ملائمة.
كما يجب ان يؤخذ في الحسبان اختلاف مضامين سياسات التنمية البشرية من دولة إلى أخرى، حيث ان بعض الإجراءات التي قد تشكل سياسات تنمية بشرية ملائمة يمكن ان تأخذ طابعاً خاصاً اعتماداً على القيم الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والدينية لكل دولة. وينطبق ذلك على المملكة انطلاقاً من انعكاسات تعاليم الإسلام ومبادئه التي تنظم جميع مناحي الحياة.
ويعد تقرير التنمية البشرية العالمي لبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي بمثابة أول مسعى شامل لقياس منجزات التنمية من المنظور البشري من حيث المؤشرات العددية التي تتيح إجراء مقارنات بين الدول والمدد الزمنية المختلفة. ويجمع دليل التنمية البشرية، في رقم تجميعي واحد، مؤشرات الصحة والتعليم إضافة إلى الدخل. ويتمثل الهدف من دليل التنمية البشرية في إبراز المنجزات المتحققة في القدرات البشرية الأساسية وهي الحياة الصحية لفترة أطول واكتساب المعرفة والاستمتاع بمستوى معيشة كريمة.
وعلى الرغم من التعقيدات ذات العلاقة بمفهوم التنمية البشرية التي تعكس صعوبة بالغة في تمثيله برقم واحد، إلا أن دليل التنمية البشرية يتيح مقياساً مفيداً لتحديد التقدم المتحقق في عملية التنمية البشرية. ويصبح أداة عملية ومبدئية يمكن تطويرها وتحديثها بدرجة أكبر، فضلا عن كونها وسيلة لتوجيه جهود الدولة من أجل إقامة قواعد البيانات ذات العلاقة. هذا مع الأخذ في الحسبان صعوبة الاعتماد على هذا الدليل كمؤشر يعكس اختلاف مستويات التنمية البشرية بين فئات الدخل المتنوعة للمجموعات السكانية والمناطق المختلفة في الدولة الواحدة.
وإدراكاً لهذه الصعوبات ظل دليل التنمية البشرية يخضع للتطوير منذ تبنيه عام 1990م. وفي هذا السياق، جرى تبني تعريف جديد للتنمية البشرية يتمثل في كونها: (عملية لتوسيع نطاق الخيارات البشرية في بيئة اجتماعية مواتية من أجل تحقيق حياة أفضل).
ويتضمن الإطار العام للخيارات البشرية والمعايير المستخدمة في قياسها المؤشرات التالية إلى جانب دليل التنمية البشرية:
* دليل التنمية البشرية المعدل حسب توزيع الدخل.
* دليل التنمية البشرية المعدل حسب الجنس - المساواة.
* مقياس التمكين.
* دليل الفقر البشري.
ويتطلب تحسين كفاءة دليل التنمية البشرية والمؤشرات الأخرى ذات العلاقة استمرار بذل الجهود على الصعيدين الوطني والعالمي، وذلك من أجل توفير المعلومات اللازمة وتحسين نوعيتها، وتوسيع نطاق المقاييس وتسهيل إجراء المقارنات. ومن المتوقع ان تقدم تقارير التنمية البشرية الوطنية مساعدة جوهرية في هذا الصدد.
وقد ظل قياس التنمية البشرية على نحو عملي مقتصراً على ثلاثة مؤشرات هي: إمكانية الحياة لفترة أطول مقاساً بمتوسط العمر المتوقع، والتحصيل التعليمي مقاساً بتعليم الكبار، ومعدل القيد بالمرحلة الابتدائية والثانوية والجامعية، إضافة إلى مستوى المعيشة مقاساً بنصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي الحقيقي والمعدل لمستوى المعيشة المحلي وفق معيار تعادل القوة الشرائية.
البعد البشري للتنمية بالمملكة
ظلت التنمية البشرية تحظى باهتمام كبير في إطار استراتيجية التنمية بالمملكة منذ انطلاقة عملية التخطيط التنموي قبل ثلاثة عقود ونيف. ولم تقتصر الانعكاسات الإيجابية لمنجزات المسيرة التنموية للمملكة على الإسهام في عملية التحول الاقتصادي فحسب، بل أثرت أيضا، إلى حد كبير، في حياة الناس وأسهمت في الارتقاء بها نحو الأفضل. وتشير الإحصاءات إلى التقدم السريع المتحقق على نطاق واسع في مجالات الصحة والتعليم والإسكان والبيئة، بالإضافة إلى إقامة شبكات واسعة من الطرق والاتصالات الحديثة، والمطارات، ومحطات توليد الطاقة وشبكاتها، وتحلية المياه والمجمعات الصناعية الضخمة، والتمتع بأحدث المستشفيات والمدارس والجامعات والمرافق الترفيهية والسياحية.
وتعكس الزيادة المطردة في الإنفاق على تنمية الموارد البشرية والخدمات الصحية والاجتماعية، الاهتمام الذي توليه الدولة للتنمية البشرية. فقد شهدت فترة خطط التنمية الست الأول 1390-1419هـ (1970-1999م) ارتفاع الإنفاق على تنمية الموارد البشرية (التعليم العام والتعليم العالي والتعليم الفني والتدريب والعلوم والتقنية والمعلومات) من (20.6%) من إجمالي الإنفاق خلال خطة التنمية الأولى إلى (51.5%) من إجمالي الإنفاق على قطاعات التنمية خلال سنوات خطة التنمية السادسة، فيما ارتفع الإنفاق على الخدمات الصحية والاجتماعية (الرعاية الصحية، والخدمات الاجتماعية والشبابية، والدينية، والقضائية، والتطوعية) بأكثر من الضعف ليبلغ (20.8%) من إجمالي الإنفاق على قطاعات التنمية.
وعلى الرغم من ان المملكة ما زالت تصنف ضمن مجموعة الدول ذات التنمية البشرية المتوسطة وفقاً لتقارير التنمية البشرية العالمية، إلا أن حسابات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي في هذا الصدد تشير إلى تحقيق تحسن ملموس ومطرد فيما يتعلق بدليل التنمية البشرية بالمملكة، مما يعزز التوقعات بشأن إمكانية تصنيف المملكة ضمن مجموعة الدول التي تتمتع بتنمية بشرية عالية خلال المرحلة المقبلة من المسيرة التنموية.
الصحة والتنمية البشرية
لقد تحققت التطورات الملموسة في الأوضاع الصحية بالمملكة خلال العقود الثلاثة الماضية بفضل إقامة تجهيزات أساسية صحية مكثفة ذات جودة عالية، استحوذت على استثمارات كبيرة من قبل القطاعين العام والخاص، إلا ان القدر الأكبر من هذه الاستثمارات كانت من نصيب الدولة. وقد نجم عن هذه الاستثمارات توفير خدمات صحية شاملة ومجانية أسهمت في تحسين نوعية حياة المواطنين من خلال تقليل معدلات الإصابة بالأمراض وتمكينهم من عيش حياة صحية أطول.
وقد شهدت الحقبة 1390- 1422هـ (1970-2002م) من خطط التنمية ارتفاع عدد المستشفيات بالمملكة من 74 إلى 331 مستشفى، وعدد المراكز الصحية من 591 إلى 3627 مركزاً صحياً، وعدد أسرة المستشفيات من 9039 إلى 47242 سريراً. وشهد حجم القوى العاملة الصحية ارتفاعاً كبيراً حيث ارتفع عدد الأطباء خلال نفس الفترة من 1172 طبيباً إلى 32683 طبيباً، وارتفع عدد أعضاء جهاز التمريض من 3261 إلى 68097 عضواً، فيما ارتفع عدد العمالة الطبية المساعدة بما في ذلك الصيادلة من 1741 إلى 40475 عاملاً خلال الفترة نفسها.
ويعكس الانخفاض الحاد في حالات الإصابة بالأمراض السارية، ومعدلات وفيات الرضع والأطفال دون الخامسة، وتزايد عدد الولادات التي تجري بمساعدة كوادر صحية مدربة ومؤهلة، وارتفاع متوسط العمر، التحسن المرموق المتحقق في الأوضاع الصحية للمواطنين السعوديين. وعلى سبيل المثال، انخفضت معدلات الإصابة بالدفتريا وشلل الأطفال لكل 100000 من السكان من 0.1 و0.2 في عام 1405هـ (1985م) إلى الصفر لكل منهما في عام 1422هـ (2002م).
وشهدت الفترة نفسها انخفاض معدلات الإصابة بالالتهاب الكبدي (ب)، والنكاف، والحصبة لكل 100000 من السكان من 26.8 إلى 18.54 ومن 75 إلى 4.51 ومن 57.1 إلى 2.64 على التوالي. علاوة على ذلك، فإن ما يزيد عن (90%) من الولادات تجري تحت رعاية مهنيين صحيين مدربين في الوقت الراهن مقارنة بمعدل (78%) في أواسط الثمانينات. وهناك انخفاض ملحوظ في معدلات وفيات الرضع، ووفيات الأطفال دون سن الخامسة، من 118 لكل 1000 مولود حي في عام 1390هـ (1970م) إلى 19.1 في عام 1420هـ(2000م) ومن 185 إلى 21.5 على التوالي. وعلى الرغم من ان هذا الإنجاز لا يزال أقل من المعدلات المتحققة في دول منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD)، إلا أنه يفوق المنجزات المتحققة في كثير من الدول العربية والدول النامية.
وتؤكد الإحصاءات العالمية ان المملكة العربية السعودية هي من بين ثلاث دول في العالم حققت أكبر زيادة في متوسط العمر المتوقع، حيث ان ما يزيد عن (83%) من السعوديين يتوقع بلوغهم من العمر أكثر من 60 سنة. وكذلك عكست الاتجاهات المواتية في متغيرات صحة السكان في المملكة حدوث تحسن كبير في متوسط العمر المتوقع عند الميلاد الذي ارتفع من 53.9 سنة في الفترة 1390- 1395هـ(1970-1975م) إلى 70.9 سنة خلال الفترة 1415 - 1420هـ(1995-2000م) ويفوق سجل المملكة في هذا الصدد في جوانب كثيرة، الإنجازات المتحققة في كل من الدول العربية والدول النامية، ولا يقل كثيراً عن المنجزات التي حققتها دول أوروبية أعضاء في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية.
ويعد السجل الصحي للمملكة مدعى للإعجاب رغم بروز بعض التحديات التي تحرص الدولة على إيجاد حلول فاعلة لمواجهتها، من أهمها: قضية الزيادة المطردة في الطلب على الخدمات الصحية عموماً، وذات الجودة العالية على وجه الخصوص وذلك نتيجة النمو السكاني السريع والوعي الصحي المتزايد، وبروز مشكلات صحية جديدة، والمتطلبات المصاحبة للأنماط الحياتية الجديدة فضلاً عن تزايد أعداد المسنين وإصابات العمل المصاحبة لحركة التحول الصناعي.
أما القضية الثانية، فتتعلق بارتفاع تكاليف الرعاية الصحية المرتبطة بنظام الرعاية الصحية المجانية في المرافق الصحية العامة، والنمط المرضي المتغير في اتجاه علاجات أكثر كلفة مثل: السرطان، زراعة الكلى، إصابات حوادث المرور..الخ، وارتفاع تكلفة القوى العاملة غير السعودية، والتوزيع الجغرافي الواسع النطاق للسكان في ظل الالتزام بتوفير الخدمات الصحية الملائمة للمواطنين بغض النظر عن أماكن تواجدهم.
وترتبط القضية الثالثة بموضوع الإقلال من اعتماد القطاع الصحي على العمالة غير السعودية من خلال تبني سياسات سعودة ملائمة تهدف إلى تلبية الطلب المتنامي على الخدمات الصحية، فضلا عن الوفاء بمتطلبات الإحلال، وكذلك المساعي المبذولة في القطاع الصحي، لتعزيز العلاقة بين العمالة الصحية والمرضى، وتوفير الأوضاع الملائمة لضمان التشخيص السليم وصولاً إلى العلاج الناجح.
وتهتم القضية الرابعة بتحسين نوعية البيانات والمعلومات، ومراعاة اعتبارات الدقة والشفافية للإسهام في ترشيد النفقات الضخمة بالقطاع الصحين كما يجب ان توضح البيانات والمعلومات دور القطاع الخاص في توفير الخدمات الصحية، وتعكس توزيع النفقات الصحية بين الجهات الحكومية المركزية والمحلية، وبين المناطق الحضرية والقروية، وبين الرعاية الصحية العلاجية والوقائية، ومدى وصول هذه الخدمات بفعالية إلى فئات المجتمع الأكثر عرضة للأمراض، ولا سيما النساء والأطفال والمسنين والمعاقين والمواطنين الذين يعانون من أمراض مزمنة.
وفي مجال النفقات تجدر الإشارة إلى ان الإنفاق غير المركزي قد يكون وسيلة أكثر فاعلية في الاستجابة للاحتياجات الصحية العامة، مما يحقق زيادة في أعداد المستفيدين من الرعاية الوقائية. ومن ناحية أخرى، تؤدي معرفة التباينات بين المناطق في مجال توفير الرعاية الصحية إلى الإسهام في تحسين عملية تخصيص الموارد وتوزيعها استناداً إلى الاحتياجات الفعلية.
وفي إطار التعامل مع القضايا المذكورة أعلاه، تبرز أهمية تفعيل دور القطاع الخاص في توفير الخدمات الصحية، كما يجب ان يؤخذ في الحسبان ان معالجة معوقات القوى البشرية تعتمد على توفير الحوافز التي تسهم في جذب أعداد متزايدة من السعوديين للعمل في المهن الطبية والمهن الأخرى ذات العلاقة.
التعليم والتنمية البشرية
تتجلى أولوية التعليم القصوى في المملكة في زيادة أعداد الطلاب لجميع المراحل الدراسية من حوالي 547 ألف طالب في عام 1390هـ(1970م) إلى أكثر من (5) ملايين طالب وطالبة في عام 1422هـ(2002م) يتلقون تعليمهم في 4748 مدرسة للبنين والبنات و8 جامعات و78 كلية للبنات و17 كلية تقنية و18 كلية للمعلمين و68 معهداً ومركزاً للتعليم الفني والتدريب المهني. علاوة على المنجزات الجوهرية في المؤشرات والمتغيرات التعليمية الأخرى.
ويعد ارتفاع أعداد الملتحقين بالمدارس بالتزامن مع انخفاض أمية الكبار عنصرين أساسيين من عناصر تطوير التنمية البشرية في المملكة خلال العقود الثلاثة الماضية.
فقد تحسن معدل معرفة الكتابة والقراءة للسكان السعوديين من عمر 10 سنوات فأكثر من نحو (64.3%) في العام 1394هـ(1974م) إلى (80.1%) في العام 1420هـ(2000م). ويواصل هذا المعدل ارتفاعه نتيجة التأثير المزدوج لارتفاع معدل القيد والتحول الذي طرأ على صورة التحصيل التعليمي لدى السكان لصالح المتعلمين، حيث ان نسبة كبار السن الذين فاتتهم فرص التعليم في بداية النهضة التعليمية، أخذت تتلاشى بصورة تدريجية. ويظهر ذلك جلياً في صورة التحصيل التعليمي للشباب التي توضح ان متوسط معدل التعليم في الفئة العمرية 15-24 سنة قد شارف نسبة (100%) للذكور والإناث معاً.
ولقد استهدفت تنمية الموارد البشرية تحقيق كامل الانسجام بين محتوى التحصيل التعليمي - التدريبي ومتطلبات سوق العمل التي تتغير بوتيرة سريعة، وتطوير المهارات المطلوبة في عالم اليوم الذي يتسم باقتصاد قائم على المنافسة والمعلومات والمعرفة وخاصة التقنية منها. وكان الانخفاض الكبير في الأمية نتيجة طبيعية للسرعة التي توسعت بها معدلات القيد في جميع المراحل التعليمية، التي نجم عنها ارتفاع معدل إجمالي القيد بمراحل التعليم المختلفة من (33.9%) في عام 1395هـ(1975م) إلى (85.8%) في عام 1420هـ(2000م). وربما تظهر أكثر جوانب التطور بروزاً بهذا الصدد في تزايد معدلات القيد للإناث بالمرحلة الثانوية والجامعية.
إن أولوية جعل التعليم متاحاً لجميع مواطني المملكة تعكسه بوضوح حصة نفقات التعليم من الناتج المحلي الإجمالي التي ارتفعت إلى أكثر من ثلاثة أضعاف خلال العقود الثلاثة الماضية من (3.5%) في عام 1390هـ(1970م) إلى (9.5%) في عام 1422هـ(2002م). أما فيما يتعلق بمخصصات الميزانية، فقد حظي قطاع التعليم بأكثر من نصف إجمالي النفقات الفعلية على جهات التنمية خلال خطة التنمية السادسة 1415-1419هـ (1994-1999م).
وفيما يتعلق بدور القطاع الخاص في توفير الخدمات التعليمية فقد تزايد اسهامه بدرجة كبيرة خلال السنوات الأخيرة استجابة للتشجيع المتواصل من قبل الدولة. وتتوقع خطة التنمية السابعة اضطلاع القطاع الخاص بنحو (10%) من إجمالي القيد في نظام التعليم العام بنهاية فترة الخطة 1424-1425هـ (2004م). كما تتوقع الخطة، بالنسبة للتعليم العالي، إقامة كليات خاصة إضافية فضلا عن تنظيم دورات تدريبية للخريجين تمشياً مع احتياجات سوق العمل. وحتى يصبح توجه هذه السياسة مؤثراً، ينبغي العمل على تعزيز قدرات الدولة في وضع معايير تعليمية ملائمة.
|