هل يقوم العمل الدرامي على محاكاة الواقع؟ أم أنه نتاج لفكر المبدعين من الروائيين والقصاص؟ إلى أي حد يمكن لكاتب النص الدرامي أن يرتبط بالحياة اليومية, وان يقدم لها نقداً موضوعياً أو ذاتياً؟ تلك هي أهم الأسئلة التي يتعلم الإجابة عنها طلاب أقسام الإعلام, وأكاديميات الفنون حول العالم. لكن السؤال الذي يبدو غائباً إلى حد كبير عن كثير من الهيئات والمؤسسات المعنية هو: إلى أي حد يمكن ان يكون الواقع اليومي مجرد حبكة درامية؟ وهنا يتداخل الواقع المعاش مع الرؤية الخيالية للمبدعين من الروائيين والقصاص, ويعجز كثير من الناس عن فهم الواقع الذي يعيشون فيه, ليس لأنهم لا يحاولون فهم ذلك الواقع, ولكن لأن ذلك الواقع قد لا يكون سوى حبكة درامية من ورائها منتج مبدع جمع لعملية الانتاج تلك كفايات عالية التأهيل والتدريب من المخرجين, والممثلين الأبطال و(الكومبارس) وكذلك من أصحاب المهن المساعدة من عمال الأصباغ والماكياج والملابس والديكور والإضاءة, وأماكن التصوير, وغير ذلك. نظرية المؤامرة في العلاقة بين الشرق والغرب نظرية قديمة جداً, لها مؤيدون كبار, ومن دونها معارضون كثيرون, وأين هي الحقيقة بين هؤلاء وأولئك؟ ربما لا يستطيع أحد القطع بالإجابة. لكن الذي يبدو لي مستقراً اليوم على المسرح الدولي هو أن الحقيقة الواقعية, تبدو تائهة وسط الزحام المخيف من الأعمال الدرامية العالمية (الدولية) التي أتاحت لدول معينة اجادة فنون (هوليود) أن تنقل تلك الفنون إلى معظم مظاهر الحياة اليومية في مناطق مختارة من العالم, للدرجة التي بات يخيل إليّ أن ثلّة من المنتجين استلموا زمام الأمور في العلاقات الدولية, يسندهم عدد من الفنانين المهرة ومن كتاب السيناريوهات المبدعين, ومن المخرجين الكبار, الذين تهيأت لهم فرص ضخمة للإنتاج الاحترافي, بأموالهم وبأموال أخرى اقترفوها عنوة, من أجل ان يتاح لهم خروج المنتج الدرامي العالمي بالصورة التي نتلمس الواقع - اليوم - من خلاله. منذ زمن كان المثل المصري يقول (مثل الأطرش في الزفة) كناية عمن يكون في بيئة لا يمكنه فهم كل مركباتها. ربما كان كثيرون في عالمنا المعاصر, وبخاصة في مجتمعنا الذي تدور حوله فصول الرواية, بحاجة إلى الاستعانة بكبار المنتجين والمخرجين والممثلين للعمل في الدوائر الرسمية السياسية, ليس ليمارسوا الدور نفسه, في روائية المنتج السياسي - لأن هذا ليس من شيمنا - ولكن على الأقل ليمكننا فهم ما يجري على الساحة العالمية
. ربما يعوز السياسيين الشرفاء أن يستبينوا سيل الروائيين الدوليين. ولذا, فقد يلزم تسليط المنتجين الدراميين على المنتجين من باب التعامل بالمثل, لعلنا نتمكن من فك شفرة التمرد العالمي المعاصر الذي نجد أنفسنا اليوم فيه, من غير جريرة. ربما أتينا من أننا لم نستوعب كثيراً من الدروس التي جرت حولنا في الفصول الأولى للرواية الدرامية الغربية, في تعاملاتها مع بيئتنا. وقد نؤتى أكثر من ذلك إن بقينا مدة أطول في صفوف المتفرجين على بقية فصول المسرحية الدولية المعاصرة.
* عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام
|