قد لا يعني أمر النشرة اليومية (بعوضة بغداد) Baghdadës Bng إلاَّ المرتبطون بها تلك التي عمل على تشكيل لجنة لإعدادها بعد حصر مادتها من النِّكات والطُّرَف والتّعليق السّاخر والإشاعة للأخبار وللتعبير عمّا يجيش في صدور العامَّة تلك التي جُبل عليها الإنسان في ظروفه الطبيعية فكيف بظروف تماثل ما يعيشه العراقيون من قبل ومن بعد الاحتلال؟.
(فبعوضة بغداد) نشرة يومية تُجمع وتُحصى من أفواه الناس في المقاهي، والشارع ،والحلقات ،وعند أبواب المنازل ،وبجوار كلِّ حدَث ،وفي أيَّ منتدى، وعند أيَّة حادثة ممَّا يتناوله الفرد بعفوية، أو يتناقله بقصد، أو يصله ضمن ما يصل من الكلام، يوظَّف في إشاعة تتحول إلى ظاهرة صوتية لم تفت الأمريكان الأبعاد النفسية، التي وراءها، ولذا فقد عمدوا إلى تشكيل لجنة للقيام بها؟
تخيَّلوا أن تتشكّل لجنة للوقوف بين الناس، والجلوس إليهم، والإصغاء لهم, وحصد حركات ألسنتهم، وجمع حروف نطقهم، وتسجيل ما يدور في جلساتهم، ومقاهيهم، وما يصدر عن عفويتهم ذمًّا أو قدحاً، رفضاً أو صدقاً أو كذباً مع اختلاف النِّسبة في مصداقيته أو شفافيته، فما وراء هذه اللَّجنة من أهداف أبعد من الهدف الظاهر الذي أُشيع كذلك، وهو تتبعَّ الحالة النَّفسية للعراقيين بعد النظام السابق، فهناك بلا ريب لكلّ أريب نظرة أعمق وأبعد حيث سيجدها تهدف إلى تتبعَّ مقياس الرَّضا، والسَّخط، ولمعرفة ما وراء الرَّضا، أو السَّخط، للفصل بين فئتي القبول والرّفض، ليُحسن التعامل معها وفق الخطط البعيدة التي يتعامل بها الفكر الاحتلالي في صوره الخفيَّة، والفكر (الحامي) في شكله الظاهر...، ولعلَّ العرب أن يتعلَّموا أساليب التخطيط، والتثبّت، والانتشار، والتأثير، والتغلغل، تلك التي جعلت الآن من العالم ليس فقط قرية صغيرة آمنة في سلام؟ وإنّما معسكراً قائماً على نوايا الهيمنة... ولعلَّ مسمى (بعوضة) يمكن أن يوضع ليس على طاولة العرب والمسلمين النّفسانيين وحدهم، بل اللًّغويين منهم، والمفكرين، والسَّاسة، والمحلِّلين... ولسوف ينهض لديهم اتفاق جمعي على ضرورة تلافي لسع البعوض، بل قرصه، بل مصّه للدَّماء، بل نقله للأمراض، فكما يحرص هؤلاء على حصد ورصد ما يؤهِّلهم من اتَّقاء الشَّر ودرئه بالنسبة لهم، ومعرفة من معهم ومن ليس، فلا أقلّ من أن يُعيد العربُ كلّ العرب، والمسلمون النَّظر في أمر البعوض المنتشر بينهم من غير أقوامهم كي يحصدوا عليه حركته لاتَّقاء ما وراء وجود هذا البعوض وانتشاره من المساوئ والشرور التي تحاك لهم وما يمكن اتِّقاؤه بعد ذلك!.
تلك مساجلة فكرية بين المسمُّى وأبعاده، وبين ما يتمّ في الظَّهور وما يتمّ في الخفاء... في لعبة السَّاسة الكبار.
|