* دمشق - الجزيرة - عبدالكريم العفنان:
دعت وزارة الإعلام السورية مراسلي الصحف العربية والأجنبية في بادرة (غير مسبوقة) لزيارة مدينة القامشلي التي شهدت أحداث شغب وتخريب امتدت أحداثها لتصل إلى كبرى المدن السورية (دمشق وحلب) وصولاً إلى أوروبا. حيث رشق محتجون أكراد مبنى السفارة السورية في بروكسل.
ومنذ اللحظة الأولى لوصولنا جواً إلى مدينة القامشلي الحدودية مع العراق وتركيا، كان واضحاً التوتر في هذه المدينة المعروفة بتنوعها الحضاري والثقافي (عرب، أكراد، آشوريين، كلدانيين، تركمان، شركس، شيشان، أفغان) وأثنيات أخرى، حاول المسؤولون الأمنيون والسياسيون في المدينة توضيح أن ما حدث في ملعب القامشلي كان ردة فعل على مباراة كرة قدم (كثيرون شهدوا لها بالبراءة) وهذا ما لم نجد تفسيراً له حتى في البيانات الرسمية التي تحدثت عن دخول (مخربين) دون تفاصيل تذكر إلا أن محافظ الحسكة سليم كبول أوضح أن التحقيقات لا تزال جارية للتعرف على الجهات التي وقفت وراء الشغب لكن مصادر قريبة من الحدث اعتبرت الاصطلاح الرسمي (مندسين) خرافة لا يمكن القبول بها وفسرت ما حدث نتيجة لاحتقان مديد عند الأكراد تفعل أكثر داخل فئات من النخب الكردية لديها بالأصل برنامج كردستاني وليس برنامجا ديمقراطيا وطنيا لأن الشغب الكردي حسب نفس المصدر تمثل في:
- حرق الأعلام السورية ورفع الأعلام الكردية والأمريكية.
- إتلاف المال العام الذي تقدر خسائره بأكثر من خمسة ملايين دولار.
- الإساءة للرموز السياسية الكبيرة في سوريا.
- الولاء الخارجي المفاجئ لقوة معادية لسورية تاريخياً (الولايات المتحدة الأمريكية).
كل هذا يُغذي البرنامج الانفصالي الكردي لاسيما - حسب المصدر - تغيرات الوضع الدولي وجاذبية النموذج العراقي والضغوط التي يتعرض لها النظام في سوريا وهذا فهم من السلطة والمعارضة في سوريا على أنه خرق لمفهوم (السيادة). الأمر الذي قد ينعكس سلبا حتى على المطالب الوطنية في سوريا، علماً أن المعارضة السورية (العربية) تطالب بالحقوق القومية والثقافية للأكراد في إطار الوطن السوري، وإن هذه المعارضة أخذت موقفاً سلبياً من حزب البعث الحاكم في سوريا - إضافة للخلاف الإيديولوجي - الذي حاول تذويب القومية الكردية في إطار القومية العربية وهو ما سُمي (الزواج بالإكراه) واعتبرت المعارضة السورية تجنيس المكتومين (مجردي القيد) من أولوياتها.
لكن هذه الأحداث بغض النظر عمن وراءها جعلت الكثير من المتعاطفين مع الأكراد يراجعون موقفهم - حسب الكاتب السوري علي العائد - الذي قال: أجد أن كثيرا من تعاطفي مع الأكراد قد تبدد، لأنهم أحرقوا علم سوريا ما يعني عدم اعترافهم بالرمز الأكبر لسورية وقد تجاوز ما فعلوه مجرد رد فعل حتى لو كان رد فعل).
الوجود الكردي في سوريا
الأكراد جزء من النسيج الاجتماعي السوري المتنوع القوميات والأثنيات حيث يتمركز الوجود الكردي في سوريا وفقاً لمتابعي الشأن الكردي بمنطقة الحدود السياسية مع تركيا والتي تمتد من شمال حلب غرباً حتى المالكية شرقاً وبعرض يصل من ثلاثين إلى أربعين كيلومترا وهذا يتصل بمناطق تواجدهم في تركيا والعراق وبالتالي إيران. إضافة لوجودهم التاريخي في المدن الرئيسية (دمشق وحلب).
وقد شهد التاريخ السياسي الحديث في سوريا عددا من الزعامات الكردية (يوسف العظمة، وزير الدفاع) محمود الأيوبي - رئيس الوزراء) إبراهيم هنانو قائد ثورة الشمال السوري ضد الفرنسيين).
ويرى المحامي إبراهيم حسين (كردي مستقل): أن الذي يهمنا أن نوجه خطابنا للأخوة العرب السوريين لنؤكد لهم أن لدى الشعب الكردي في سوريا مطالب إنساية وثقافية وقومية يرغبون حلها ضمن الإطار الوطني ويضيف: (نأمل من المثقفين السوريين ألا ينسوا التاريخ الوطني الحافل للأكراد لمجرد أن حفنة شاذة ارتكبت أعمالا عبثية رفضها الكرد قبل العرب، الأمر الذي يكشف عن مراهقة سياسية لدى أصحاب الطروحات المتطرفة ودعاة تحرير كردستان سورية، لأن اي إسقاط للوضع الكردي في العراق على الوضع في سوريا غباء لا نظير له، وجهل لا تحده حدود).
الدرباسية لا مفر..!!
تقع الدرباسية إلى الشرق من مدينة القامشلي (80 كم) يسكنها مزيج من القوميات المتعايشة والمتزاوجة فيما بينها.
لدى زيارتنا إلى هذه المدينة تبين أن أبرز المرافق الحيوية للمدينة (المجلس البلدي، المحكمة، المركز الثقافي) حرقت ونهبت. ويصف فؤاد إفرام (عربي سرياني) ما حصل في هذه المنطقة بالجنون المبرمج، أما صديقه أبو لحدو - موظف في البلدية يقول - إن كل المتورطين في تخريب هذه المرافق من أبناء المنطقة ولم يلق القبض عليهم حتى اللحظة، وعن حرق المركز الثقافي يقول جوان (مواطن كردي): إن ما شهدته الدرباسية من حرق لمكتبتها الثقافية يشابه إلى حد كبير ما حصل في العراق من تدمير للمكتبات العامة، بينما لحاجو (كردي مكتوم) رأي مغاير في الأحداث (كان من المفترض أن تسير مظاهرات سلمية للاحتجاج على ما حصل في ملعب القامشلي لأن العنف يولد العنف والمرافق العامة هي ملك للجميع).
ما الذي يريده أكراد سوريا..؟
يعتبرسؤال - من نحن؟ - المخرج الطبيعي لأزمة مجردي القيد في سوريا وعددهم وفقاً لمحافظ الحسكة (40000) مكتوم أما بالنسبة للمصادر الكردية والمعارضة السورية فإن عددهم يتجاوز (200.000) مكتوم، وهذه القضية رغم أنها شأن داخلي كما تقول مصادر سورية رسمية فإنها تشكل عبئا على القيادة السورية التي تواجه ضغوطا سياسية واقتصادية من الجار الجديد في العراق (الولايات المتحدة الأمريكية) الذي طالبها بحسن المعاملة والمساواة بين جميع القوميات.
يقول (ص. ك، كردي سوري) أختي تزوجت من مكتوم وأنجبت ثلاثة أولاد ولا تزال مسجلة (عازبة قيداً) وهذه حالة (زنى) في الشرع الإسلامي ومرفوضة في العادات والتقاليد العربية والكردية)، أما (ف. ك) موظفة في مؤسسة الحبوب تريد أن تشعر بحقيقة الانتماء لوطنها سوريا من خلال منحها الجنسية التي تخولها رؤية أهلها وأقاربها في المهجر والتمتع بكل حقوق المواطنة السورية، وهذه أمنيتها بحلول (نيروز) الحزين كما تقول.
وهذه الحالة تنسحب على حالات إنسانية أخرى في منطقة الجزيرة السورية.
وقد أكدت مصادر وزارية سورية مؤخراً، أن الحكومة جادة في تسوية قضية المكتومين بعد الزيارة المفاجئة التي قام بها الرئيس بشار الأسد قبل عام إلى محافظة الحسكة واطلع خلالها على أوضاع المنطقة واجتمع بأعيانها واستمع إلى مطالب الناس ووعد حينها بتحسين الظروف التي تهيئ الرفاه والاستقرار لأهل المنطقة.
الجدير بالذكر أن الإحصاء الاستثنائي الذي جرى عام 1962م تم بموجبه تجريد عدد كبير من الأكراد من الجنسية السورية إثر ثورة البرزاني في العراق والتي تلاها هروب عدد كبير من أكراد العراق إلى سورية.
من هو أبو آزاد؟؟!:
ثمة مصطلحات جديدة أفرزتها أحداث القامشلي الدامية أبرزها مصطلح (أبو آزاد) وهو اسم تاريخي في الثقافة الكردية وآزاد تعني (الحرية) في اللغة الكردية، والمقصود بهذه التسمية الرئيس الأمريكي (جورج بوش) الذي رفعت صوره إضافة إلى علم بلاده خلال أحداث محافظة الحسكة الذي يقول عنه البعض الكردي إنه حرر العراق من نظامه الشمولي مما وفر لهم وضعا سياسيا جديدا في المنطقة. كما ظهر مصطلح (المستوطنين) ويقصد به العرب الذين عوضتهم الحكومة السورية بأراض في مدينة الحسكة جراء تضرر أراضيهم إثر بناء سد الفرات وعادة ما يطلق عليهم (المغمورين).
الفلوجة والبارزاني في قلب الحدث
نتيجة للقرب الجغرافي والامتداد القبلي بين القبائل العربية والكردية في سوريا مع امتدادها الطبيعي في العراق، كان هناك تعاطف كبير لهذه القبائل مع الأحداث التي شهدتها المنطقة في كل مراحلها، ولذلك عندما كان النظام السوري على خلاف مع النظام العراقي كان الأكراد هم الأقرب إلى السلطة في سوريا وهذا ما أدى إلى اختلال في تمثيل هذه الشرائح في الوظائف العليا لصالح الأكراد حسب مصادر عربية إلا أنه بعد التقارب السوري العراقي منتصف التسعينيات أصبحت القبائل العربية أكثر قبولاً للموقف الرسمي في حين تباعد الموقف الكردي شيئاً فشيئاً عن موقف السلطة. وهذا ما يفسر الولاءات المتناقضة التي رافقت أحداث ملعب القامشلي، والتي يرويها شهود عيان ل(الجزيرة): هتف مشجعو فريق الجهاد بحياة مسعود البرزاني وأبو آزاد (بوش). ونددوا بتعاطف مشجعي فريق الفتوة القادم من دير الزور (مع الوضع العراقي وفهم أنه على حساب معاناة الكرد في العراق).
لا بعثية ولا ديرية
في حين كان يردد مشجعو فريق الفتوة الذي يضم بين صفوفه لاعبا محترفا من مدينة الفلوجة العراقية بهتافات مناهضة للأكراد.
(عفية الفلوجة المّا خانت ويسقط كل كردي وبرازاني)، (فلوجة وما بينة خيانة - البيشمركة كلهم خوانة). الأمر الذي أدى إلى تدخل قوات الأمن السورية بقوة لوأد الفتنة حيث اعتقل عدد من الذين اشتبه أنهم كانوا وراء ترديد مثل هذه الشعارات التي اعتبرها الكثير من العرب والكرد محاولة جديدة للضغط على سورية واعتبروها (انسياقا أعمى وراء الأحداث وخدمة لأعداء سورية).
كردستان (الوطن) كما يراه الأكراد
وفقاً لمجلة ثقافة الشعب الكردية العدد الأول 2-9-1991م فإن الوطن الحلم (كردستان) يتمتع بحدود طبيعية عبر التاريخ وهي كالآتي:
- من الغرب: يفصلها عن الأناضول النهر (الأحمر وكوكسون) أحد روافد نهر سيحان وجبال آمانوس.
من الشمال يفصلها عن الأناضول السلسلة المحاذية للبحر الأسود.
من الشرق: يفصلها عن أرمينيا السوفيتية نهر (آراس) وسلسلة جبال القفقاس وعن إيران السفوح الشرقية لجبال زاغروس.
من الجنوب: يكوّن السكان العرب الذين يقطنون السهول المجاورة الحدود الطبيعية لكردستان.
أما أهم المدن الكردية المشهورة حسب الرؤية الكردية فهي (الحسكة، القامشلي، عامودا، عينتاب، ديار بكر، أورفه، ملاطبا، آل عزيز، مرعش، وأن، ارزنجان، ديرسم، ماكو، موصل، باطمان، آديمان، موش، بدليس، حكارى، بينغول، سننداج، رضانية، كركوك، عفرين، دهوك، ديريك، مهاباد، جزيرة بوطان).
|