*الرياض- الجزيرة :
نفذت المملكة - بحمد الله - على مدى ثلاثة عقود من الزمن خططاً وبرامج طموحة للتنمية الشاملة، كان من أهم معالمها تنمية الموارد البشرية، وإقامة التجهيزات الأساس، وتوفير الخدمات المتطورة، وإرساء قاعدة واسعة من الصناعات الوطنية المنتجة، واستشعاراً من قادة هذه البلاد بالدور الحيوي للعلوم والتقنية في تعزيز مسيرة التنمية الشاملة، واستشرافهم الصحيح لمسيرة تطور وازدهار الحضارة الإنسانية المعاصرة، فقد حقق قطاع العلوم والتقنية - بفضل من الله ثم بالدعم المتواصل والمؤازرة القوية من لدن خادم الحرمين الشريفين، حفظه الله، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، حفظهما الله - نهضة علمية وتقنية رائدة هيأت للمملكة الوسائل والإمكانيات اللازمة للحاق بركب التقدم العلمي المنشود إن شاء الله، والمملكة وهي تقف على مشارف قرن جديد، تعتمد التنمية فيه على العلوم والتقنية أكثر من أي وقت مضى، ويتسم بتحولات أساسية كبرى في الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والثقافية، ويشهد انطلاقة معرفية وتقنية هائلة ومتسارعة تشكل كل تداعياتها تحديات كبرى لمسيرتها التنموية المستقبلية، تدرك يقيناً أن تعزيز تلك المنجزات التنموية والمكتسبات الحضارية، والمحافظة على استمرارها وتعضيدها، مرهون بإرساء قاعدة وطنية صلبة للعلوم والتقنية قادرة على توطين وتطوير التقنية واستنباتها بما يخدم القطاعات التنموية المختلفة ويعزز من قدراتها التنافسية، وقادرة ايضاً على تحقيق الاستفادة المثلى من الفرص التي يتيحها الاقتصاد العالمي المعاصر سريع التغير.
شد القدرات والإمكانات
إن إيجاد قاعدة وطنية علمية وتقنية متطورة تعمل على مواجهة التحديات العلمية والتقنية الراهنة والمستقبلية والوصول بالمملكة - إن شاء الله - إلى المستوى الذي يليق بها، يتطلب حشد وتعزيز وتنمية القدرات والإمكانات العلمية والتقنية وتوجيهها نحو الأولويات والاحتياجات الوطنية، كما يتطلب تنمية وتطوير النظم والبنى المؤسسية للتعليم، والبحث العلمي، والتطوير التقني، علاوة على توفير البيئة المناسبة اللازمة للإبداع والابتكار والتطوير، وهو ما لا يتأتى إلا من خلال خطة وطنية للعلوم والتقنية تقوم على أساس التوجهات والأهداف الاستراتيجية للتنمية الوطنية، وتجسد رؤية استراتيجية واضحة وشاملة بعيدة المدى تعمل على تحديد الأولويات ورسم التوجهات المستقبلية للمنظومة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار، وتحقيق الاستثمار الأمثل للموارد المتاحة في المملكة.
من هذا المنطلق، وجه المرسوم الملكي الكريم ذو الرقم (8/م) والمؤرخ في 19-4- 1406هـ مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية في أولى مهام نظامها الأساس إلى القيام (باقتراح السياسة الوطنية لتطوير العلوم والتقنية، ووضع الاستراتيجية والخطة اللازمة لتنفيذها). كما ترسخ هذا الاتجاه الوطني في خطتي التنمية الخامسة (1410 - 1415هـ)، والسادسة (1415 - 1420هـ) اللتين دعتا إلى التعجيل بإعداد خطة وطنية شاملة، وبعيدة المدى للعلوم والتقنية في المملكة العربية السعودية.
ولما كان من الضروري لسياسات واستراتيجيات هذه الخطة أن تنسجم مع توجهات وأهداف واستراتيجيات خطط التنمية الاقتصادية والاجتماعية الوطنية، فقد وجه المقام السامي الكريم مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية أن تقوم مع وزارة التخطيط بإعداد الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية بعيدة المدى واعتبار الوزارة الشريك الرئيس والأساس في جميع مراحل إعدادها ومتابعة تنفيذها، وهو الأمر الذي اقتضى تشكيل لجنة أولية من المدينة والوزارة عملت على وضع تصورات مبدئية لآليات إعداد هذه الخطة ومتطلباتها المختلفة.
ولقد اشتملت تلك التصورات على تشكيل لجنة عليا للخطة برئاسة معالي وزير التخطيط ومعالي رئيس المدينة تتولى الإشراف العام على إعدادها، والمصادقة على مكوناتها المختلفة وخطوات عملها ومراحل تنفيذها. وهذه اللجنة شكلت بدورها لجنة عامة لإعداد الخطة تضم في عضويتها ممثلين عن المدينة ووزارة التخطيط، ويرأسها نائب رئيس المدينة لدعم البحث العلمي ووكيل وزارة التخطيط المساعد للتخطيط، وتتولى الإشراف الإداري والفني المباشر ومتابعة مهام الخطة واحتياجاتها، واقتراح اللجان الفرعية وفرق العمل الوطنية المختلفة.
وفي سبيل تحقيق مهمة إعداد مشروع الخطة اضطلعت المدينة والوزارة بدراسات تحضيرية واسعة لتحديد المناهج، واختيار الأساليب والوسائل المثلى لإنجار مراحلها المختلفة، اشتملت على مسوحات أولية متعددة وتحليلات لعدد كبير من التقارير والخطط والبيانات العلمية والتقنية والاقتصادية المتعلقة بالقطاعات التنموية المختلفة في المملكة، علاوة على دراسة تجارب الدول المشابهة للمملكة، وبعض الدول المتقدمة علمياً وتقنياً، لتشكل مضامينها النظرية والعملية اسساً استند عليها في وضع (دليل إعداد الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية بعيدة المدى) الذي اشتمل على تصورات متكاملة لمناهج إعداد الخطة، والجهات التي ستشارك في وضعها، وطريقة متابعتها وتنفيذها.
وفي ضوء ذلك تم التوصل إلى أن السبيل الأمثل لإنجاز مشروع الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية بعيدة المدى للملكة، هو أن تكون مدتها الزمنية عشرين عاماً (من 1420-1421هـ الى 1440-1441هـ الموافق 2001-2020م), وتحوي الإطار الاستراتيجي العام بما يشتمل عليه من أهداف وسياسات واستراتيجيات بعيدة المدى للعلوم والتقنية, وينبثق عن هذا الإطار برامج ومشروعات العلوم والتقنية التي يتم إدراجها في الخطط التشغيلية للجهات الحكومية والتي يتم إعدادها وفقاً لمناهج إعداد خطط التنمية وضمن إطارها ومواردها.
كما تم التوصل إلى أن مناهج إعداد هذه الخطة لابد أن يستند على جملة من الأنشطة والمراحل بدءاً من التعرف على الوضع الراهن للعلوم والتقنية، فاستشراف مستقبلها محلياً وعالمياً، ومروراً باستنباط الغايات، فبناء المشاهد ورسم السياسة الموصلة لتلك الغايات، وانتهاء بصياغة الأهداف المحددة، ووضع البدائل والخيارات للاستراتيجيات الفرعية، ومن ثم وضع البرامج التنفيذية والمشروعات.
ولما كانت الخطة تهم قطاعات واسعة حكومية وخاصة، وكانت مشاركة تلك القطاعات في إعدادها وتنفيذها امراً ضرورياً لتحقيق التكامل المنشود بينها وبين خطط التنمية لتلك القطاعات، فقد حرصت المدينة والوزارة - منذ وقت مبكر - على مشاركة كل المؤسسات المعنية في القطاعين الحكومي والخاص في مختلف مراحل هذا المشروع الوطني، كما عملت على تسخير جميع الجهود والسبل المتاحة لضمان الاستفادة القصوى من كافة القدرات والخبرات الوطنية في المملكة بمختلف أنواعها.
انطلاقة المشروع
بدأت الانطلاقة الفعلية لهذا المشروع الوطني في منتصف عام 1417هـ، ببدء العمل في تنفيذ المرحلة الأولى والخاصة (بدراسة الوضع الراهن للعلوم والتقنية في المملكة) التي استهدفت التعرف على واقع العلوم والتقنية في المملكة، واتجاهات تطورها والعوامل المؤثرة في مسيرتها، ومدى تناسق مكوناتها وتفاعلها مع بيئتها الاقتصادية والاجتماعية، فضلاً عن التحقق من نواحي القوة ومواطن الضعف فيها والتحديات التي تواجهها، وذلك من خلال دراسة شاملة وتحليل دقيق لكل البيانات والمعلومات والإحصاءات والدراسات والخطط والاستراتيجيات ذات العلاقة بالعلوم والتقنية المتوفرة لدى الجهات والقطاعات المختلفة في المملكة، أو في المنظمات الدولية، وكذلك من خلال إجراء مسح علمي تقني اقتصادي شمل (48) وزارة ومؤسسة حكومية، ونحو (271) شركة خاصة في قطاعي الإنتاج والخدمات في مناطق المملكة المختلفة.
أعقب ذلك تنفيذ المرحلة الثانية من الخطة، والخاصة (بالاستشراف المستقبلي للعلوم والتقنية وآفاقها في المملكة العربية السعودية والعالم خلال العقدين القادمين).
حيث تم في هذه المرحلة إعداد (18) دراسة استشرافية في قطاعات ومجالات علمية وتقنية مختلفة ذات أولوية للمملكة، شارك فيها (110) من المتخصصين في مختلف المجالات رشحوا من (45) وزارة ومؤسسة معنية بالعلوم والتقنية في القطاعين الحكومي والخاص.
وقادت نتائج تلك الدراسات إلى التعرف على الاتجاهات المستقبلية العالمية الكبرى للعلوم والتقنية وخصائصها الرئيسة، وما يمكن احتمال نشوئه عنها من صور في المستقبل، وما يمكن أن تتركه من آثار إيجابية على منظومة العلوم والتقنية والابتكار في المملكة.
وتمت بلورة نتائج تلك الدراسات الاستشرافية في رؤى ومشاهد مستقبلية للعلوم والتقنية في المملكة خلال العشرين عاماً القادمة، وذلك في ضوء الإمكانات المتاحة والتوجهات والطموحات المنشودة، كما شكلت استنتاجاتها مع نتائج دراسات الوضع الراهن المختلفة منطلقاً أساساً لرسم السياسات ووضع الاستراتيجيات والبرامج الملائمة لتنمية العلوم والتقنية في المملكة خلال العقدين القادمين.
أما المرحلة الثالثة من الخطة والخاصة باقتراح (السياسة الوطنية للعلوم والتقنية للمملكة العربية السعودية) فقد تمت صياغتها واستكمال عناصرها من خلال عمل وطني مشترك، شاركت فيه مجموعة كبيرة من المسؤولين والخبراء والمتخصصين الوطنيين، بلغ عددهم (79) مشاركاً من مختلف وزارات ومؤسسات القطاع الحكومي، ومؤسسات القطاع الخاص المعنية بالعلوم والتقنية. ثم شارك في تقويم مسوداتها وإبداء المرئيات حيال مضامينها (35) جهة حكومية وخاصة، و (41) خبيراً ومتخصصاً في رسم وتخطيط سياسات العلوم والتقنية.
ونتيجة لتلك الجهود، يصبح مشروع (الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية بعيدة المدى في المملكة العربية السعودية) عملاً فريداً، في أساليبه ومنهجيته، وفي عدد المؤسسات والخبرات الوطنية التي شاركت في إعداد مراحله المختلفة فهو أول جهد علمي وطني جماعي كبير يشارك في إعداده نخبة واسعة من العلماء والخبراء والمفكرين الوطنيين، إضافة إلى مجموعة من الخبرات العربية والدولية، من أجل التعرف على إمكانات المملكة ومسيرتها العلمية والتقنية ماضياً وحاضراً، ورسم مسارات تطورها مستقبلاً، وذلك في إطار المستجدات المحلية والمتغيرات المتسارعة الإقليمية والدولية.
التحديات العلمية والتقنية
تواجه المملكة في سعيها لتحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية الشاملة كثيراً من التحديات التي يعد البعض منها ناتجاً عن ظروف ومستجدات محلية، ويعود بعضها الآخر الى المتغيرات الإقليمية والدولية والتطورات العلمية والتقنية المعاصرة، الأمر الذي يتطلب التعامل مع تلك التحديات بإيجابية وفعالية من أجل التعرف على الفرص الواعدة التي تتيحها، ومن ثم استثمارها وتوظيفها، وتدارك المخاطر المترتبة عليها واستنفار القدرات والإمكانات الوطنية لمواجهتها والتعامل مع معطياتها.
فعلى المستوى المحلي، تمثل الزيادة الكبيرة في أعداد القوى العاملة السعودية نتيجة لارتفاع النمو السكاني بمعدل سنوي متوسط قدره (3.1%) خلال العقدين القادمين، والتزايد المستمر في نسبة الباحثات عن فرص العمل، واحداً من أهم التحديات التي ستواجهها المملكة خلال العقدين القادمين، والتي تستوجب معالجات خاصة نظراً لانعكاساتها المؤثرة على سياسات العرض والطلب على القوى البشرية العلمية والتقنية، وبالتالي على التوجهات المستقبلية للخطة.
وتشير تقديرات وزارة التخطيط إلى أن حجم العرض من العمالة السعودية سيزداد من (3.17) ملايين عامل عام 1419- 1420هـ (1999م) إلى (8.26) ملايين عام 1440-1441هـ (2020م)، يمثل العاملون في الإنتاج والمهن العلمية والفنية منها (29%) وبذلك يتوقع أن يصل العدد الإجمالي للداخلين الجدد إلى سوق العمل من العمالة السعودية ذات العلاقة بالقوى البشرية العلمية والتقنية إلى نحو (2.4) مليون عامل خلال العقدين القادمين.
كما تشير تلك التقديرات إلى تزايد احتياجات المملكة من العمالة عامة خلال نفس الفترة لتصل بحلول عام 1440- 1441هـ (2020م) إلى (10.75) ملايين. يمثل العاملون بالإنتاج والمهن العلمية والفنية منها (44.5%)، أي أن إجمالي الطلب المتوقع على العمالة ذات العلاقة بالقوى البشرية العلمية والتقنية تقدر بنحو (4.78) ملايين عامل خلال العقدين القادمين.
وفي ظل تلك المعطيات، يتضح جلياً ما سيواجهه قطاع التعليم والتدريب خلال العقدين القادمين من تحديات مهمة تتمثل في العجز المتوقع لمخرجاتها عن تلبية نحو (2.38) مليون من فرص العمل الجديدة أو المشغولة بعاملين غير سعوديين. ومن المتوقع إذا لم تتخذ الإجراءات الكفيلة بتلبية تلك الاحتياجات، أن يزداد هذا العجز اتساعاً في ضوء التوسع في نشاطات الإنتاج والخدمات الأكثر اعتماداً على كثافة رأس المال المعرفي كالإلكترونيات والاتصالات والمعلومات، والأقل اعتماداً على العمالة غير السعودية متدنية المهارة والأجر.
أما على المستوى الدولي، فستشكل العديد من المتغيرات والمستجدات خلال العقدين القادمين تحديات أخرى للمملكة، فالتوجه العلمي نحو عولمة بعض نشاطات العلوم والتقنية، من خلال تبني وتنفيذ برامج ومشروعات مشتركة في العلوم والتقنية بين الدول والمؤسسات والأفراد، او بالاستثمار المباشر في الدول الأخرى (مثل إنشاء مراكز البحث والتطوير)، أو من خلال نقل بعض نشاطات البحث والتطوير التابعة للشركات متعددة الجنسيات إلى مناطق من العالم تتمتع بمزايا نسبية. كل هذه الأمور تستدعي المسارعة في وضع السبل الكفيلة للاستفادة البشرية والمادية المثلى من تلك الاتجاهات واستغلالها بما يدعم التطور العلمي والتقني المنشود للمملكة.
كما أن الانطلاقة التقنية الهائلة التي انتقلت باقتصاديات الدول المتقدمة من الاقتصاد الصناعي التقليدي القائم على صناعات المواد الخام، إلى اقتصاديات المعرفة والمتمثل في تقنيات المعلومات والاتصالات - التي تعد ذات قيمة مضافة عالية للاقتصاد، ومورداً متجدداً ومتزايد الأهمية، على عكس الموارد الطبيعية القابلة للنضوب - تشكل تحدياً جديداً للمنظومة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار. فقد أتاحت تلك التقنيات في الماضي القريب وستتيح مستقبلاً فرصاً متعددة للانطلاق السريع غير المتدرج لبعض الدول النامية مما يجعل منها فرصاً واعدة حقيقية للمملكة لإرساء قاعدة صناعية معلوماتية وطنية، وبناء المجتمع المعلوماتي المنشود.
ومن المتغيرات الدولية الأخرى التي ستبرز خلال العقدين القادمين زيادة حدة التنافس الصناعي والتجاري الدولي بعد بدء العمل بمنظمة التجارة العالمية، وعولمة الاقتصاد، وهو ما يضع القطاعات الإنتاجية والخدمية في المملكة امام تحد تنافسي كبير، لا يمكن تجنبه الا بتنمية وتطوير القدرات الذاتية للعلوم والتقنية على وجه التحديد، في ظل تراجع أهمية المزايا النسبية لتوفر المواد الأولية.
البحث العلمي والتطوير التقني
أشارت دراسة الوضع الراهن للعلوم والتقنية في المملكة التي اجرتها مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية عام 1418هـ - 1998م إلى أن اجمالي الإنفاق المحلي على البحث والتطوير في المملكة قد وصل في عام 1416هـ (1996) إلى نحو (1.3) ألف مليون ريال أو (345) مليون دولار، وهو ما يعادل (0.25%) من الناتج المحلي الإجمالي في المملكة، أي أن نصيب الفرد من الإنفاق على البحث والتطوير في المملكة قد بلغ (19) دولاراً في العام. ويعد هذا الإنفاق منخفضاً، مما يتطلب العمل على رفعه في الخطة بحلول عام 1440- 1441هـ (2020م)إلى ما يقارب (1.6%) من الناتج المحلي الإجمالي، وإن البحث العلمي في المملكة حديث نسبياً، حيث إن العدد الإجمالي للعاملين في البحث والتطوير بلغ في عام 1416هـ (1996م) نحو (5914) فرداً، منهم نحو (40) من الباحثين (علميون ومهندسون)، و (60%) من الفنيين والمساعدين. ويتوزع العاملون في البحث والتطوير في المملكة على المجالات التالية:(24%) في العلوم الأساس والطبية، و (34%) في الزراعة والمياه، و (32%) في الصناعة والهندسة، و (10%) في العلوم الاجتماعية والإنسانية. ولا شك أن قلة أعداد الباحثين والفنيين والمساعدين في البحث والتطوير في المملكة، تعد معوقاً أساساً لتنمية وتطوير المنظومة في المملكة، الأمر الذي يستدعي بذل جهود كبيرة في هذا المجال. فخلال عام 1416هـ (1996) بلغ معدل عدد الباحثين من العلميين والمهندسين لكل مائة ألف من السكان في المملكة (13) وعدة الفنيين والمساعدين (10). وهذا يتطلب من الخطة الوطنية الشاملة للعلوم والتقنية العمل على رفع تلك النسب بحلول عام 1440-1441هـ (2020م) إلى مستوى المعدلات العالمية والمقدر بما يقارب (140) لكل من الباحثين والفنيين على التوالي.
ومع أن جهود المملكة خلال الفترة الماضية كانت مسخرة لتجاوز العتبة الحرجة من القوى البشرية العلمية والتقنية اللازمة للانطلاق في البحث والتطوير، فإن نسبة السعوديين لم تتجاوز (54%) من مجموعة العاملين في البحث والتطوير. ولقد بات من الضروري العمل على زيادة هذه النسبة بشكل سريع مع التركيز في السنوات القادمة على الاستفادة المثلى من القوى البشرية العلمية والتقنية والتجهيزات الأساس المتوفرة في المملكة، وذلك باتباع سياسات تم تبنيها من قبل كثير من الدول المتقدمة مثل تشجيع برامج البحث والتطوير ذات الأغراض المزدوجة للأمن الوطني والتنمية الشاملة، وتشجيع البحث التعاوني لتأمين التفاعل بين المؤسسات الصناعية والجامعات ومراكز البحوث، وإنشاء مؤسسات ابتكارية في مجالات استراتيجية مثل الإلكترونيات والاتصالات والمواد الجديدة.
الأسس الاستراتيجية
ترسم السياسة الوطنية للعلوم والتقنية الخطوط العريضة المحددة للتوجهات المستقبلية العامة لمنظومة العلوم والتقنية والابتكار في المملكة العربية السعودية، لترسي بذلك إطاراً إرشادياً متكاملاً يكون أساساً مرجعياً يضمن تواصل جهود تنمية المنظومة وتعزيز ادائها نحو بلوغ الغايات التي تصبو إليها المملكة على المدى البعيد.
ويتكون اطار السياسة هذه من مبادئ وأسس تنطلق منها في رسم توجهاتها، ومن غايات وأهداف عامة وأسس استراتيجية تشكل الأجزاء الرئيسة لها، وتنسجم مع توجهات وأهداف خطط التنمية الوطنية والخطط والسياسات القطاعية المختلفة في المملكة، وفيما يلي ملخصها:
* العمل على تبني رؤية شمولية في تطوير منظومة العلوم والتقنية والابتكار تؤدي إلى تآزر مكونات هذه المنظومة، وتناسق خططها، وتوثيق روابطها، وتفاعلها مع الأنشطة الاقتصادية والاجتماعية والثقافية.
* تفعيل دور التعليم والتدريب ورفع كفاءتهما اتساعاً وتنوعاً بما يتفق واحتياجات التقدم العلمي والتقني المنشود، والتأكيد على استمرار مواكبتهما للتطورات العلمية والمستجدات التقنية العالمية وتحدياتها.
* تهيئة السبل الكفيلة بتعزيز وتطوير القدرات الوطنية في البحث العلمي والتطوير التقني وتنسيق جهودها، وضمان تلبيتها وتكاملها مع احتياجات المجتمع ومتطلبات التنمية المستدامة.
* العمل على تبني اتجاهات رئيسة للبحث العلمي والتطوير التقني تلبي متطلبات أولويات الأمن الوطني الشامل والتنمية المستدامة.
* العمل على تعزيز وتطوير وتنويع مصادر الدعم المالي المخصصة لأنشطة المنظومة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار بما يضمن قيامها بأداء مهامها على الوجه المطلوب.
* الاستمرار في نقل وتوطين واستنبات وتطوير التقنية الملائمة لرفع الكفاءة الإنتاجية، وتعزيز القدرات التنافسية للقطاعات الإنتاجية والخدمية.
* دعم ورعاية وتشجيع القدرات البشرية الوطنية للإبداع والابتكار.
* تطوير الأنظمة التي تحكم أداء المنظومة الوطنية للعلوم والتقنية والابتكار، ورفع كفاءة التنظيم والإدارة في المؤسسات العلمية والتقنية لتتلاءم مع المتطلبات الحالية والمستقبلية للتنمية الشاملة والمستدامة.
* تطوير مختلف أوجه التعاون العلمي والتقني على المستوى الخليجي والعربي والإسلامي والدولي مع تركيز التعاون مع البلدان والمؤسسات المتقدمة في المجالات التي تسعى فيها المملكة للريادة العلمية والتقنية.
* إتاحة المعلومات العلمية والتقنية وتيسير كافة السبل للوصول إليها في إطار نظم تتفق مع أهداف وظروف المملكة.
|