أنت ما زلت هنا أيها الشيخ الوقور.. تثير فينا ألف شعور وشعور... وترسم ألف دائرة عبور... إيه أيها الشيخ الشهيد.. لا شكوى تجدي.. ولا حزن يفيد.. كم رأيناك أيها البطل.. تزرع أغصان الأمل.. علمتنا معنى الكرامة.. ومنحتنا مفردات الصمود.. فليس ثمة قعود.. صوتك الشجي يكتب حكاية بطولة فذة.. وبسالة نادرة في زمن الترهل والاسترخاء..
عذراً أيها الشيخ الشهيد.. أتيت أحمل آلامي.. أتهجى ذلك الحزن الراكض في أعماقنا عند سماعنا بما ارتكبته أيدي الغدر والخيانة.. ذوو القلوب الجبانة.. مضيت أهدهد الجمل المثقلة بالشجن.. وأفتش عن لغة بحجم الجريمة النكراء.. وعن سياق يصور الموقف الملطخ بدماء الإثم والإجرام.
أفطروك بقذائف العدوان.. طعنوك بخنجر مسموم.. أرادوا اغتيال ضوء الفجر القادم من أحشاء الليل.. أرادوا طمس الهوية.. واجتثاث بذور الصمود.. وما علموا بأنك ما زلت هنا.. جسمك النحيل... رمز للصبر الجميل... يا مَن حركت دموعنا الخرساء التي خدرها صخب العصر.. يا من علمتنا كيف يكون الصمود.. أمام ظلم اليهود.. يا من زرعت أشجار المقاومة.. ونقشت الملحمة.. على جذوع الزيتون.. عفواً شيخنا الشهيد صوتك الأبي ما زال يملأ آفاق نابلس.. يلامس هضاب يافا.. وحيفا.. يطوف ساحات القدس.. يقدم للأمة درساً في مقاومة الاحتلال وكسر طوق الظلم والاستبداد..
إيه .. أيها الشيخ الشهيد.. أنامل التاريخ رصدت عطاء هامتك الشماء.. دونت تفاصيل كفاح السنين.. على الأرض المباركة.. أرض فلسطين.. منذ تفجرت ينابيع الحقد الدفين.. عذراً لهاتيك المساءات المتَّشحة.. بعبق بطولتك يا ابن ياسين.. حقَّ لها أن تزهو بطلعتك لشامخة.. وهمتك المعبأة بتفاصيل الكرامة والحرية.. هكذا أراد اليهود تفريغ أرضنا المباركة من رموز التضحية والإباء.. يا من منحتَ هذا الزمن شيئاً من أحرف تاريخه المفقود.. وظللتَ سامقاً كنخلة تهزأ بالرياح.. وتتعالى على الجراح..
عذراً يا ابن ياسين... أنت هنا في كل شبر من فلسطين.. فقد كنت دوماً توقّع نقوش الصمود على جبينك الحرِّ.. تحت ثرثرة القذائف وقهقهة الرصاص وأزيز المروحيات.. في ليالٍ حبلى بالاعتداء.. من بني صهيون...
سرقوا الأرض.. وانتهكوا العرض.. لكنهم عجزوا أمام النفوس الأبية.. وما سرقوا الرمال التي ارتوت بدماء الشهداء.. والإرادة التي جسَّدت هذا الإباء...
إيه يا فلسطين أيها الثغر الجريح.. ما زالت الفتاة البكر التي تعض على عباءة الإيمان... وتمسك بالهوية.. ترفض الخنوع.. وتأبى الخضوع.. وتملأ القنديل بالزيت في مشاريع الصمود.. ما زلت تعزفين صهيل الظفر.. أمام دوائر الظلم والقهر.. وتنجبين فرسان الشهادة.. فما عقمت الأمة... حتى لو جفَّ الحبر... وتاه القلم.. وتنوعت آثار الألم...
أنت يا فلسطين.. أرضنا الجريحة.. مسرحنا الحر الذي قدم أروع مشاهد الجهاد وحمل أعظم مواقف البطولة والفداء.. في زمن الشجب والاستنكار!!
عذراً يا شيخنا الشهيد.. يا من ملأت قلوبنا بنبض جهادك... حرّكت ملامح عروبتنا وأثرت شذا عقيدتنا.. أنت ملأت النفوس العطشى.. وعلّقت على أهدابنا وميض نورك.. وبريق جهادك...
إيه منذ سنين.. وسنين.. كنت أنت حادينا يا ابن ياسين... كنت صوت المقاومة.. ورمز الجهاد.. والعلامة الفارقة للصمود.. كنت أنت المعادلة الفريدة والرقم الصعب الذي حيّر أعداءك من بني صهيون.. كنت يا ابن ياسين المداد الذي يسجل وقوف الشعب الأصيل.. على متن صبر طويل.. وما زلت يا شيخنا رمزنا الذي يختزل جهاد أمة.. حتى ولو غاب جسدك الطاهر...
لله درّ أرض حملتك يا ابن ياسين... ولله در عقيدة أنجبتك يا ابن ياسين.. وسنظل نرسمك نقشاً مضيئاً في أحداقنا.. ونكتبك قصة خالدة... كأنموذج فريد لمواقف الأمة... وستبقى يا شيخنا الشهيد صهيلاً عذباً لدروب المقاومة... فأنتَ ما زلتَ هنا... تراسلنا بنداءات صمود لها...
|