لم يكن دافعي للكتابة في هذا الموضوع هو تكرار ما سبق أن كتبه الكثيرون عن جدوى السعودة، وما يقابلها من عقبات، والخطط التي يجب أن تُعدَّ لذلك الغرض. ما دفعني للكتابة في هذا الموضوع على وجه الخصوص هو تكريم سمو وزير الداخلية الأمير نايف بن عبدالعزيز لمواطن يعمل سائق أجرة (تاكسي)، قام بالتبليغ عن راكب رافقه من جدة إلى الطائف بسيارته؛ حيث لاحظ السائق أن ذلك الشخص يرسم (كروكي) للطريق وما يقع عليه من منشآت حكومية ومدنية ومراكز ونقاط تفتيش، إضافة إلى حديثه غير المنقطع خلال الرحلة عن الإشادة ببعض قادة الأعمال الإرهابية.
نعلم جيداً أن الدولة اتخذت السعودة خياراً استراتيجياً، وكان المسؤولون جادين في هذا الجانب -رغم ما يقابل ذلك من عقبات- وهو ما تجسد في قرار سعودة سائقي سيارات الليموزين، والتوجيه بإعطاء قرض لكل مواطن يرغب في تملك سيارة أجرة، وتحديد فترة معينة لإتمام سعودة هذا القطاع، روعي فيها مصلحة المواطن وأصحاب شركات الليموزين، على أن لا تمنح خلالها تأشيرة جديدة أو تجديد إقامة انتهت لسائق ليموزين. لكن الملاحظ -خلال مدة التمديد التي شارفت على الانتهاء- أن سائقي الليموزينات في الشارع لا يزالون من غير السعوديين، الأمر الذي يجعل ذلك السعودي الذي حصل على قرض لشراء سيارة أجرة لتكون مصدر رزقه يواجه بعض العقبات، منها كثرة سيارات الليموزين المنتشرة، والتي قد تكون أكثر من منازل المدينة في بعض الأحيان، وهو ما يجعل العرض أكثر من الطلب، إضافة إلى انصراف المواطن عن الركوب مع السعودي في ظل وجود غيره، غير مبالٍ بالمصلحة العامة.
نعم، لقد حلَّت شركات الليموزين في فترة ماضية كثيراً من المشاكل الخاصة بالنقل، وغطَّت النقص الذي لم تستطع أن تلبيه شركة النقل الجماعي، وخصوصاً في داخل المدن، لكنها في الوقت نفسه أفرزت كثيراً من المشاكل الاجتماعية والاقتصادية التي لا يتَّسع المقام لسردها، الأمر الذي يجعل سعودتها من الأولويات، خصوصاً أنها من المهن التي لا تحتاج إلى تدريب أو جهد يُذكر لتعلمها وإتقانها.
هناك مثل يقول: (ما حكَّ جلدك مثل ظفرك). وهذا يعني أنه ليس لنا خيار -مهما طال الزمن- إلا إلى سعودة جادة يتبناها المواطن قبل الدولة. نعم، هناك مهن تحتاج إلى وقت ليس بالطويل ليتم سعودتها، لكن سعودة الليموزين -في نظري- لا تحتاج إلى وقت أو مهلة زمنية أكثر مما سُمح لها به، ولكنها تحتاج إلى تعاون من جميع المواطنين على مختلف المستويات، سواء من قِبَل أصحاب شركات الليموزين أو من قِبَل المواطنين على مختلف الأصعدة والمستويات لإتمام هذا الأمر في أسرع وقت ممكن، تلافياً للسلبيات الاجتماعية والاقتصادية والأمنية المترتبة على التباطؤ في إنجاز سعودة هذا القطاع.
وعوداً على بدء، ما رأيكم لو لم يكن ذلك السائق -الذي بلَّغ عن المشبوه- سعودياً؟ هل تعتقدون أنه كان يبلغ رجال الأمن عمَّا دار خلال الطريق؟ هل سيكون فطناً إلى درجة ملاحظة ما يصبو إليه ذلك الراكب، أم أنه سيعتبر ما قام به مجرد ذكريات أراد أن يسجلها قبل مغادرته لهذا الوطن، أو أمراً خاصاً به لا ينبغي التدخل فيه أو الانشغال بشأنه حتى ولو كان ما يفعله يثير لدى ذلك السائق الأجنبي شكاً أو ارتياباً؟
إن تكريم سمو وزير الداخلية لذلك السائق يقف شاهداً على تثمين قيادتنا لوعي المخلصين من أبناء الوطن من ذوي الحس الأمني، الذي ينبغي أن يكون محور اهتمام كل مواطن منا، وبخاصة خلال هذه المرحلة التي يتعرض فيها وطننا الغالي لمحاولات خلخلة أمنه واستقراره.
وأخيراً، تحية وفاء وتقدير من الجميع إلى أخينا صاحب سيارة الأجرة الذي أثبت بحق أنه رجل أمن في موقعه.
|