يا صاحب السمو.. هذه المشاعر الصادقة الفياضة، وما تحمله من أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان.. مهداة لمقامك السامي الرفيع بمناسبة تفضلكم بإعلان قيام جامعة البنات بالرياض.
إن هذه الكلمات التي تعبر عن مشاعر كافة منسوبي ومنسوبات كليات البنات تقترب أن تتحول على ألسنتهم إلى نشيد جماعي عذبة ألحانه، رقيقة معانيه، دفاقة عواطفه.
يا صاحب السمو..
بينما كنت استمع لنطقك السامي الكريم معلناً قيام جامعة البنات في الرياض، كان لساني يردد قول الشاعر العربي الكبير:
على قَدْرِ أًهْلِ العَزْمِ تأتي العَزائمُ
وتأتي على قَدْرِ الكرامِ المكارمُ
بل كأني بالشاعر يهتف بي.. نعم.. لمثل هذه العزائم يُدخر شعري، وفي مثل هذه المكرمات يُنشد، فالعزائم إنما تكون على قدر أهل العزم والمكرمات إنما تكون على قدر الكرام من الرجال.
يا صاحب السمو.. أدخلت الفرحة على قلوب أهل الرياض، كل أهل الرياض بل كل أهل البلاد.. بينما تضاعفت هذه الفرحة أضعافاً كثيرة في نفوس بناتكم الطالبات، بل وكافة منسوبي ومنسوبات كليات البنات. فبين عشية وضحاها صار الجميع إلى جامعةٍ ينسبون وكانوا من قبل إلى كلية ينسبون والفرق بينهما كبير جداً.
يا صاحب السمو.. كنا نقف بفرحتنا عند حدود المناسبة التي جئت متفضلاً برعايتها، وهي افتتاح مبنى كلية الآداب للبنات، وإعطاء الإذن بالعمل في المرحلة الثانية من المجمع الأكاديمي، فإذ بإعلانكم عن قيام جامعة البنات ينقل فرحتنا إلى آفاق أوسع وأرحب، والى آمال وطموحات أكبر وأشمل. كان الحلم بقيام جامعة للبنات قد بدأ مع بداية قيام أول كلية جامعية للبنات عام 1390هـ، وظل هذا الحلم يبدو لنا قريباً تارة، وبعيداً تارة أخرى. لكننا كنا نعمل عليه دون كلل أو ملل، وكنا على ثقة بأنه سيأتي يوم بإذن الله يصير فيه الحلم حقيقة، وتصير الآمال والطموحات واقعاً ملموساً، وكنا ندرك في الوقت نفسه أن علينا أن نأخذ بالأسباب، ومن أهمها أن يُؤسس لهذه الكليات الجامعية بكل ما في الجامعات المتميزة من مستويات بحيث تماثلها في مستواها من كافة جوانبه، وبخاصة في المستوى الأكاديمي، وما يتصل به من بناء الخطط والبرامج الأكاديمية لمرحلتي البكالوريوس والدراسات العليا. ثم كان علينا أن نطوّر كافة آليات العمل الأكاديمي فأنشأنا في كليات البنات المجالس العلمية المتخصصة، ومجالس الكليات على اختلاف مسمياتها ودرجاتها، ثم أقمنا جسوراً من التعاون مع الجامعات السعودية والمؤسسات العلمية مثل مدينة الملك عبد العزيز للعلوم والتقنية، واتسعت آفاق التعاون لتشمل تبادل الخبرات مع هذه الجامعات والمؤسسات في كافة المجالات العلمية والإدارية والمالية، وهكذا أخذت كليات البنات ترتقي في مستواها الأكاديمي وآليات عمل مجالسها العلمية المتخصصة، وآليات عملها الإداري والمالي حتى صارت بحمد الله وتوفيقه تماثل أفضل ما في جامعاتنا من هذه المستويات، فجاءت إنجازاتها على قدر هذا المستوى، وجاء عطاؤها للوطن على قدر الطموحات والآمال، فتحققت بفضل الله، ثم بفضل ما كانت تلقاه من الرعاية والدعم والتشجيع من لدن رائد التعليم الأول خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله وأيده بنصره وتوفيقه - وسموكم الكريم وسمو النائب الثاني - حفظكم الله - تحققت جُلَّ أهدافها الكبرى، حيث حققت أول ما حققت نشر التعليم الجامعي للفتاة السعودية في كافة مناطق المملكة ومحافظاتها، وذلك بالانتشار الجغرافي لكلياتها، حيث وصلت بالتعليم الجامعي للفتاة في أماكن إقامتها مراعاة لخصوصية المرأة في بلادنا، فانتشرت في ربوع الوطن (102) كلية تغطي كل المناطق والمحافظات على قدم المساواة.. يدرس بها اليوم قرابة ثلاثمائة ألف طالبة ما بين منتظمة ومنتسبة.
ثم حققت فيما حققت أهدافها الكبيرة، وبفضل أفواج المتخرجات من طالباتها في مرحلة البكالوريوس في كافة التخصصات سعودة وظائف التعليم العام سعودة تامة تصل اليوم إلى 100%، بينما حققت أفواج خريجات الدراسات العليا من حاملات درجتي الماجستير والدكتوراه اللواتي بلغ عددهن اليوم إلى (2163) منهن (1444) درجة الماجستير و(719) درجة الدكتوراه سعودة وظائف أعضاء الهيئة التعليمية ومن في حكمهن بنسبة تصل إلى 50%، وإذا سارت وتيرة الدراسات العليا على ما هي عليه اليوم والتي من المؤكد أنها ستزيد بإذن الله مع قيام جامعة البنات فإن سعودة وظائف أعضاء هيئة التدريس في كليات البنات وجامعاتها سيصل خلال عشر سنوات إلى 100%، حيث تشهد كليات البنات التي توجد فيها برامج للدراسات العليا تزايداً في أعداد طالبات الماجستير والدكتوراه اللواتي يبلغ عددهن اليوم (1891)، وسوف يتصاعد هذا العدد بالتدريج بعد فتح المسارات الجديدة في الدراسات العليا.
يا صاحب السمو.. لقد كنت تقف على أرض صلبة وقوية وأنت تعلن عن قيام جامعة البنات.. فكل شيء بفضل دعمكم المستمر ورعايتكم الكريمة كان مهيئاً في كليات البنات لمثل هذا الإعلان الكريم.. كنا ندرك طموحاتكم وتطلعاتكم في بناء صروح العلم في هذا الوطن لتماثل نظيراتها في أرقى البلاد، فكنا على قدر عزمكم وعند حُسن ظنكم نعمل بعزائم نستمد من عزمكم العزم نفسه، ومن رعايتكم ودعمكم وتشجيعكم القوة والثبات.
لقد كان الحلم بالجامعة يتجدد فينا يوماً بعد يوم، وعاماً بعد عام، ومن حيث كان غيرنا يراه بعيداً كنا نراه في كليات البنات قريباً قريباً.. كنّا على ثقة، بل على يقين أن سموكم الكريم حين وضع حجر الأساس للمجمع الأكاديمي لكليات البنات بالرياض في 9-11-1418هـ كان في الحقيقة يضع حجر أساس الجامعة، لكنه أراد للثمرة مزيداً من النضج وأراد لأرضها أن تكون أكثر صلابة وقوة، وأكثر تهيئة للأخذ بأسباب الجامعات، فكنت - حفظك الله - طوال هذه الفترة الزمنية على اطلاع دائم ومستمر بما وصلت إليه كليات البنات في كافة المستويات التي تؤهلها لتكون جامعة، فلما اطمأنت نفسك الكريمة إلى ذلك كله جاء إعلانك السامي الكريم بقيام جامعة البنات موفقاً في زمانه وموفقاً في مكانه يزف لأهل الرياض ولبنات الرياض خاصة أجمل وأبهى هدية عرفتها الرياض، وهي قيام جامعة للبنات، جامعة فيها تُعد أول جامعة من نوعها في البلاد، لا بل في كل البلاد قريبها وبعيدها.. جامعة ستكون مقدمة لأفراح بناتنا في كل المناطق والمحافظات، وهن اللواتي يتطلعن لمثل هذه المكرمة بقيام مثل هذه الجامعة في مناطقهن بإذن الله.
يا صاحب السمو.. عاشت الرياض وبنات الرياض وكليات الرياض ومنسوبوها ومنسوباتها فرحة كبرى قد أعجز عن وصف مداها، فجزاك الله الخير كل الخير بما أدخلت على قلوبنا من أسباب الفرح والسرور، ورفع الله قدرك وأعلى شأنك بما رفعت من قدر كليات البنات وشأنها فأقمتها جامعة للبنات صار بها الحلم واقعاً ملموساً وتحققت بها الطموحات والآمال.
يا صاحب السمو.. إلى مقامك السامي الكريم يرفع منسوبو ومنسوبات كليات البنات أسمى آيات الشكر والتقدير والعرفان مؤكدين لسموكم الكريم أننا سوف نرعى هذه المكرمة حق رعايتها، ولعل من أهم أسباب رعايتها أن نجعل منها بإذن الله وبفضل رعايتكم ودعمكم وتشجيعكم الجامعة النموذج للبنات التي تماثل في مستواها أرقى الجامعات، وأن نحقق بها إن شاء الله طموحات وأهداف حكومتنا الرشيدة بقيادة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز - حفظه الله وأيده بنصره وتوفيقه -، وسموكم الكريم وسمو النائب الثاني - حفظكم الله جميعاً-، وبارك في جهودكم، وأيدكم بكل أسباب النصر والتمكين، إنه ولي ذلك والقادر عليه.
* وكيل كليات البنات |