* تبوك - ماجد العنزي:
تابعت (الجزيرة) اللحظات المثيرة والحاسمة التي سبقت العفو عن قاتل أحد المواطنين في منطقة تبوك بعد أن صدر حكم شرعي بتنفيذ حكم القصاص بالمدعو عبدالكريم بن عناد الغريض 21 سنة، فقد كان يوم الجمعة 5 صفر 1425هـ يوما مشهودا في منطقة تبوك، وفي ساحة جامع الملك عبدالعزيز بمدينة تبوك، في ضحى ذلك اليوم التم جمع غفير من المواطنين والمقيمين، وقفوا وأعينهم ترقب عن كثب لحظة تنفيذ حكم القصاص في أحد المواطنين لارتكابه جريمة القتل.
وفي لحظات الترقب والانتظار والازدحام المشحون بالزفرات الساخنة يُعلن ما لم يكن متوقعاً أبداً!! والد المقتول (عبدالله) اللواء متقاعد الشيخ عايض بن محمد بن صبر رجل الأعمال، ورجل ستيني يتسم بالوقار، يعفو عن قاتل ابنه الشاب عبدالله بن عايض ذي التسعة عشر ربيعا - رحمه الله - والذي قتل أثناء خلاف مع زميله (عبدالكريم عناد الغريض) 21 سنة وهما يلعبان كرة القدم في إحدى ساحات اللعب.. ليكسر حاجز الحزن والصمت بالتهليل والتكبير والدموع، وتتحول ساحة القصاص المشهودة بمدينة تبوك إلى فرح وابتهاج.
لقد فعلها اللواء الشيخ عايض بن صبر أبو عبدالرحمن الذي يقيم في مدينة أبها في منطقة عسير، حيث قرر العفو لوجه الله تعالى قبل تنفيذ الحكم بدقائق، ضارباً بكل المحاولات التي جرت قبل هذه اللحظة من محاولات جرت حسب الأعراف والتقاليد السائدة بمنطقة الجنوب ومنطقة تبوك، وليعلن في اللحظة الحاسمة القرار الذي جعله ينسى كل شيء، مخترقا جدار الجمهور ليفك الرباط من على عيني الجاني عبدالكريم بن عناد الغريض وسط ذهول الجميع، ويقول بالحرف الواحد: اذهب فقد عفوت عنك لوجه الله تعالى.. وما كاد يحدث هذا المشهد حتى تعالت الأصوات بالتهليل والتكبير، وضجت الساحة بالتصفيق المصحوب بالنشيج والبكاء، وارتماءات الأحضان بين هذا وذاك. واحتفى الجمهور بالشيخ عايض وجماعته من آل صبر من منطقة عسير يقبلونهم ويهنئونهم بعظيم الأجر والثواب، إن شاء الله، وعلى الفور قامت الجهات المعنية من المحكمة الكبرى ومدير شرطة منطقة تبوك اللواء ناصر بن سعود العرفج باستلام ملف القضية وعمل التنازلات شرعاً، مقدمين الشكر الجزيل ومبدين اعجابهم حيال هذا التصرف المشرف الذي لا يليق إلا بمؤمن صبور.
أما المعفو عنه (عبدالكريم الغريض) فقد تم نقله وهو في حالة ذهول وغير مصدق لما جرى، فبعد ان كان يتحين صوت السيف إذ هو طليق حر من جديد.
(الجزيرة) تزور المعفو عنه
وقد اتجهت (الجزيرة) في زيارة للمعفو عنه (عبدالكريم) والذي يمكث مؤقتا في دار الملاحظة الاجتماعية بتبوك ريثما تتم اجراءات اطلاق سراحه لتبارك له هذا العفو، حيث استقبلنا في بشاشة واثر الدموع لا يزال يحيط بعينيه قائلاً: أولا اشكر الله تعالى، وثانيا اشكر الله تعالى، وثالثا اشكر الله تعالى، وما حدث لي هو فضل من الله تعالى، انعم الله سبحانه وتعالى به علي في آخر الدقائق من تنفيذ الحكم، ان لم تكن الدقيقة الأخيرة في لحظة تخلى فيها البشر عني، كما اتقدم بالشكر الجزيل والدعاء الوفير الذي أسأل الله تعالى ان يعينني عليه ما حييت لوالدي الشيخ عايض بن صبر أبو عبدالرحمن وجميع عائلته وجماعته أهل المروءة والشهامة والتقوى، وأسأل الله تعالى أن يثيبهم على صنيعهم بجنة الفردوس، وأما بالنسبة لي فإنني سأعمل بكل ما أوتيت من قوة وطاقة ان احسن إليهم ما حييت، ولا تعلم ان حبي لهم في الله لا يعادله شيء أبدا.
وسألت (الجزيرة) عبدالكريم عن أول عمل يمكن أن يقوم به فور اطلاق سراحه، فأجاب بأن شغله الشاغل الآن أداء عمرة شكرا لله تعالى.
أحد نزلاء دار الملاحظة الاجتماعية بتبوك التقته (الجزيرة) أثناء زيارة عبدالكريم (المعفو عنه) وقد ذكر ان المعفو عنه عبدالكريم كان محافظا على الصلوات الخمس جماعة في المسجد طيلة مكوثه في الدار، كما انه كثير الدعاء، إضافة إلى انه محافظ على حضور المحاضرات الدينية التي يلقيها بعض الدعاة في الدار، مؤكدا ان عبدالكريم كان متوترا خلال اللحظات التي سبقت العفو، وتلقى نبأ تطبيق حكم الله فيه بايمانه وسلم امره لله متوكلا عليه، غير انه خلال تلك الفترة التي تلت حكم القصاص كان كثير الدعاء إلى الله حتى كانت استجابة الله تعالى..
وفي جانب آخر من هذا الفرح الذي عاشته منطقة تبوك ومنطقة عسير التقت (الجزيرة) بوالد المجني عليه الشيخ عايض بن صبر الذي استقبل (الجزيرة) بالشكر والعرفان لحكومة خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبدالعزيز وسمو ولي عهده الأمين وسمو النائب الثاني وسمو وزير الداخلية، وكل من زارهم وعمل معهم لاتمام العفو وقصد الصلح، وخص بالشكر صاحب السمو الملكي الأمير خالد الفيصل بن عبدالعزيز أمير منطقة عسير وصاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك وصاحب السمو الملكي الأمير خالد بن بندر بن عبدالعزيز قائد معهد سلاح المدرعات وجميع أعيان ومشايخ منطقة عسير ومنطقة تبوك، كما قدم شكره لزملائه الضباط المتقاعدين وأصدقائه، مقدرا اتصالاتهم الاخوية التي ساهمت في عقد الصلح والعفو عن الجاني بعد توفيق الله تعالى.مؤكدا ان هذا هو ديدن شعب المملكة العربية السعودية في كل بقاعها.
من جهة أخرى التقت (الجزيرة) بشقيق المعفو عنه عبدالعزيز بن عناد الغريض رجل الأعمال بمنطقة تبوك الذي قدم شكره وعرفانه للموقف الشهم النبيل الذي قام به الشيخ عايض وجماعته في العفو عن شقيقه في اللحظات الحاسمة، مؤكدا ان هذا يدل على كرمهم وحسن سجيتهم وشهامتهم وأضاف: إن مواقفهم لن تنسى أبداً، وستظل تاجا على رؤوسنا، داعين الله ان يجعل ذلك العمل في موازين حسناتهم يوم القيامة.
من جهته أكد الدكتور بشير بن محمد الغريض عضو مجلس الشورى ابن عم المعفو عنه شكره وامتنانه لهذا الموقف البطولي للشيخ عايض، مشيرا إلى ان الكلمات تعجز ان تصف هذا الحدث، مقدما شكره لكل من ساهم في الصلح من اصحاب السمو الملكي الامراء والمشايخ والعلماء والمواطنين.وفي السياق نفسه قدّم صاحب السمو الملكي الأمير فهد بن سلطان بن عبدالعزيز أمير منطقة تبوك شكره وتقديره للأخ عايض بن صبر تجاه عفوه عن قاتل ابنه، ذاكرا ان مثل هذا العمل والصنع الحسن والذي ابتغى به وجه الله تعالى لهو عمل جليل ونبيل، ويحتسب عند الله تعالى، وان ما قام به والد المقتول يعد موقفا رجوليا، وينم عن شهامة عربية اصيلة، مضيفا ان هذا التصرف ينم عن وعيه وقربه ومحبته لله تعالى، وبأن قلبه عامر بالإيمان والتقوى إن شاء الله، وبأن سريرته طيبة خالصة من أي ضغينة أو حسد، وانه بتصرفه هذا كسب الأجر والثواب من الله تعالى، كما كسب الدعاء واحترام المجتمع له وكذلك التقدير والتعاطف من عامة الناس.
|