من أبجديات العمل الإعلامي أن يتعامل صانعوه مع المجريات والأحداث، وألا يكونوا في منأى عن ذلك عند طرحهم لأفكارهم، أو تصميمهم لبرامجهم، أو عقدهم لحواراتهم، أو تمثيلهم لآرائهم فيما يقدمونه من نماذج تؤطر في واحدة من أنماط أو في شكل من أشكال الأوعية (الأساليب) التعبيرية...
وغالباً ما يتوخَّى رؤساء التحرير سواء ممن يرأسون الأقنية المطبوعة ورقياً أو المذاعة مرئية أو مسموعة ذلك فيمن يتعامل مع قناتهم ضمن أوعيتها المنمَّطة أو المتغيَّرة...
وتتفاوت الأساليب في تناول المجريات، بتفاوت المواهب، والقدرات، والإمكانات، والأدوات التي تخضع للثقافة، والمعرفة، والدُّرْبة، والمدارك، بل اللَّغة، بما فيها لغة الفكر إلى جانب لغة التعبير، أضف إلى ذلك الشخصية وسماتها الممتزجة بفكرها وأسلوبها.
فهناك من يتناول أفكاره وموضوعاته مباشرة، وهناك من يتناولها مبطّنة، كما هناك من يتناولها في جدّية وهناك من يلبسها ثوباً من الدّعابة والهزلية، وهناك من يحسن الوصول إلى متناوِلها وهناك من تتعسَّر به مركبته إلى مريديه، هناك من ينتخب من المجريات ما يراه مهمّاً وهناك من يهمّش بعض الأحداث لتكرارها أو لعدم بلوغها عنده مرتبة الأولوية...، هناك من يعنى بالأمور الاجتماعية منها، وهناك من يعنى بالأمور الاقتصادية، وهناك من تجذبه اللعبة السياسية، وهناك من يهرب إلى واحات الفكر الإنساني فيعنى بها، هناك من تشدّه الأنباء العلمية بتطوراتها بالغة السرعة، وهناك من تبهره فلا يكاد يلاحقها فيأتي على سواها...، وهناك... وهناك، وفي المحصلة النهائية فإنَّ المجريات جميعها في حياة الإنسان هي المادة التي يستقي وينهل منها كلّ من له يد أو أصبع يحرك حروف صناعة الإعلام، أو يفتح أزرة ضوئها.
وتبقى مجريات بالغة البعد، عالية مستوى الأولوية والضرورة، تبقى مجالاً خصباً كي يغور في بحورها ولن ينضب له معين الإعلامي، في جميع أدواره وبكل صفاته: صحفياً، كاتباً، محرراً، إخبارياً، معداً لبرامج، إذاعياً، مؤلفاً، مفكراً، صانع قرار، صاحب قلم الرَّقيب، صانع سياسة المطبوعة أو المذياع، أو التلفاز أو... هذه المجريات هي (أخلاقيات التَّعامل) التي يتحرك بها الإنسان فوق الأرض تعامله في تفكيره، في قوله، في أدائه، في ممارساته اليومية مع الآخر في البيت والشارع والعمل، منفرداً بذاته أو في جماعة، تخصه هذه الجماعة أو تعمَّ على منبر، أو خلف مقعد، أو مقود، في منصة أدب، أو منصة قضاء، خلف ملفات قضايا، أو عند حقوق، أو مع واجبات، فقد تبدَّلت من القيم القويمة جذور، وتفتَّت، وجيء على أسس في الأخلاق فقُضي عليها؟ وهُزَّ عرش المُثُل، وأٌضرمت النيران في أشجار الفضيلة، وكثر الغشّ والنفاق، والكذب، والتَّدليس، والخوف، والرذيلة، وسوء الظن، والاعتداء على المشاعر، وكثر الظّلم، وفسدت مركبة الأخلاق...
أولاً يطالب صانعو الإعلام، والمترئسُّون مقاعد القرار، والمشرفون على التخطيط، والتَّهديف، والتَّنفيذ، بأن يواكب ذلك المتعاملون مع هذه الوسائل المنتشرة والمؤثّرة كي يعاد للإنسان توازن الصّمود في وجه النور، حين يكون لمُدن الفضيلة، والأخلاق، الأبواب المشرعة، ولأشجارها الوقوف المثمر، ولثمارها الرّواء المطفىء لعطش الإحساس بسيادة الأخلاق؟ ألا فإنَّ المجريات والأحداث تؤكد ازدياد العطش منها وتفاقم الجوع عنها!!.
|