سبق الحديث في هذه الزاوية عن العطاء غير المقبول الذي تقدمه وزارة التعليم العالي فيما يتعلق بتوافر مؤسسات للتعليم العالي، والذي لا يحدث إلا بدرجة محدودة للغاية في البلاد، وبعطاء لا يتوافق مع الاحتياج الكبير والمنقطع النظير تجاه الرغبة الشديدة والملحة من لدن أبناء الوطن للالتحاق بالدراسة الجامعية، كما انها أيضا لم تقم في العقد الأخير بأي تحرك جاد نحو التوسع في خدماتها التعليمية الأكاديمية، في هذا العقد الذي شهد ويشهد نمواً مطرداً في النمو السكاني والثقافي في البلاد، وان ما جرى من قبلها أخيراً في ضم بعض من فروعها الجامعية في بعض المناطق والذي اعتبر معه بمثابة تأسيس جامعات، فقد كان المأمول منها أكبر من ذلك، وزارة التعليم العالي بدت وكأنها لا تحرك ساكناً أمام الطرح والنقد البنَّاء الذي يكتب عنها، في ظل محدودية بل تدن كبير في مسألة القبول في جامعاتها، حتى ان التخصصات العلمية التي يقابلها ندرة وظيفية لأعمال يتربع عليها أبناء الوطن بأعداد قليلة جداً ويكثر تربع الوافدين عليها، تزامناً مع الرغبة الشديدة لدى أبنائنا وبناتنا في الالتحاق بها كمثل العلوم الطبية والفنية، هو أنه لم تسع الوزارة حيالها حتى الآن نحو مضاعفة القبول فيها، وبغض النظر عن المطالبة بفتح كليات أو أقسام إضافية من عدمه، حيث من الممكن التوسع في القبول عبر عدة آليات تدرك كيفيتها وآليتها الوزارة استناداً إلى خبرتها الأكاديمية، والانتظار الطويل الممل الذي لا نزال نعيشه من هذه الوزارة، لم نفهم له أسباباً تجبرها في المضي قدماً بهذه السياسة غير واضحة المعالم، وإن تعذرت لنا حول مسألة الأمور المالية فلن يقبل منها ذلك، لأن الاعتماد المالي المحقق لها سنوياً يفوق موازنات وزارات التعليم العالي في بلدان مجاورة، حتى أننا لم نعد نقدر ولو على التخمين أو التصور بما يدور في خلد مسؤوليها، وبما سوف يقومون به مستقبلاً من توسع في التعليم العالي أو حتى بما لديهم من خطط علها تكون ولو شبه استراتيجية تخدم بلادنا من الناحيتين التعليمية والثقافية، وقياساً للمرحلة العمرية لهذه الوزارة منذ تأسيسها وذلك حينما نضعها في مقارنة بين نظرائها من الوزارات في دول مجاورة، لم نلحظ أنها تفكر ولو بأخذ جزء من تجارب الغير، عل في ذلك ما يسهم في تقليل معاناة التحاق أبنائنا وبناتنا من القبول في الدراسة الجامعية، وإذا تطرقنا هنا بنبذة مختصرة تجاه الوضع الأكاديمي في بلاد مجاورة لنا، مثل لبنان والأردن على سبيل المثال، لذهلنا من ذلك التوسع التعليمي المأمول، فذلكما البلدان تتوافر فيهما جامعات وكليات عديدة، وأنشئت بمبالغ بسيطة، ولا يحتاج الأمر معها إلى اعتمادات مالية ضخمة كما تنظر إليها وزارة التعليم العالي في بلادنا، التي تعتقد ان أي جامعة لا يمكن لها القيام إلا ان تكون من تحتها عشرات الكليات، ويكون هناك عميد لكل كلية، ووكيل لكل كلية، ورئيس قسم لكل قسم علمي ووو....، كما ان إنشاء الجامعة العربية المفتوحة وسرعة افتتاح فروع لها في عدد من الدول العربية، وتعدد الفروع داخل السعودية، نهج أذهل الجميع بسرعة اتخاذ مثل هذا القرار الجريء الحكيم، وهنا يمكن لنا القول : ان مثل هذا التوجه يعد تجربة ناجحة وناجعة في أكثر من مقياس، كان يفترض ان تستفيد منها وزارة التعليم العالي في برامجها وخططها الآنية على الأقل، إذن أين تكمن المشكلة لدى هذه الوزارة التي طال صبرنا عليها؟ ، ولماذا هذا التعقيد يحدث في بلادنا، ولا يحدث في بلدان أخرى؟ ، في الوقت الذي نرى فيه أننا نمتلك من الإمكانات المتعددة ما لم تتوافر لدى تلك البلدان، ونحن لا نطالب بتأسيس جامعات عديدة لأجل ان يكون لدينا جامعات فحسب، ولا نطالب بإيجاد جامعات هشة أيضا، ولكن لعل الجامعة الصغيرة اليوم تصبح غداً كبيرة، وهذا ما حدث لكافة جامعاتنا الحالية منذ تأسيسها، إلا إذا كانت الوزارة ترى خلاف ذلك، وتعتقد ان المضي قدماً في هذه السياسة غيرواضحة المعالم والخطط هو توجه مقبول، وأبناؤنا وبناتنا يغادرون سنوياً لأجل التحصيل العلمي، والذي نرى معه أن بلادنا هي أولى باحتضانهم ورعايتهم واستغلال ما ينفقونه هناك من أموال بأن ينفق هنا في بلادنا، ونسعى مع ذلك جاهدين للحفاظ نحو تحصين سلوكياتهم وأخلاقياتهم الحميدة إذا ما كانوا بين أهليهم وذويهم، تلك الأخلاق التي توارثوها عن آبائهم وأجدادهم، إنها مطالب وطنية طالما انتظرها ابن الوطن الغالي، فهلاّ حققتها له الوزارة، نأمل ذلك؟!!
الباحث في شؤون الموارد البشرية
|