ظهر في سوق الاستثمارات تعامل جديد ملخصه أن تقوم الدولة مثلا ببيع مرفق من المرافق العامة كالمطار أو الميناء أو إحدى الجامعات أو أحد المستشفيات وذلك على إحدى المؤسسات المالية التجارية بمبلغ معين يجري قبضه في الحال وبشرط ان تقوم المؤسسة المشترية بتأجيره على الدولة بأجرة سنوية ثابتة أو متغيرة حسب تغير المؤشرات المالية وذلك لمدة سنوات يجري تعيينها وعلى ان تعيد المؤسسة المرفق إلى الدولة ببيعه عليها بثمن مشتراها من الدولة ثم تقوم المؤسسة بتقسيم المرفق المشترى إلى وحدات استثمارية يجري تصكيكها ليتم تداولها على سبيل البيع والشراء ويقولون عن هذه الطريقة الاستثمارية بانها تصلح ان تكون بديلاً شرعياً عن إصدار السندات وتداولها فما حكم هذا النوع من التعامل؟
فهد الصالح - الرياض
- الحمد لله .. الذي يظهر لي ان هذا النوع من البيوع غير صحيح فهو بيع صوري لم تقصد منه حقيقته ولا الحقوق المترتبة على حصوله ونفاذه ولولا ان الدولة ضمنت بقاء المرفق بيدها وعودة المرفق إليها بالثمن الذي باعته به لولا ان الدولة ضمنت ذلك لما باعته على هذه المؤسسة فهو بيع صوري لم يغير من أمر المرفق شيئاً ويدل على الصورية كذلك انه بعد تمام بيع الدولة على المؤسسة وقبل إبرام عقد تأجيره على الدولة البائعة لا تستطيع هذه المؤسسة ان تتصرف في هذا المرفق الذي اشترته بأي وجه من وجوه تصرف الملاك في أملاكهم فهذا البيع الصوري وما تلاه من تأجير مصحوب بوعد التمليك هو حيلة لحصول الدولة على السيولة ودفع فوائدها المغلفة بلباس التأجير. ولئن نازعنا من ينفي الصورية في هذا البيع - وهي منازعة مرفوضة - فعلى فرض التسليم بهذه المنازعة فان العملية من قبيل بيع الوفاء وبيع الوفاء تحيُّل على استغلال الرهن لصالح المرتهن خلافاً لما عليه جمهور أهل العلم قديماً وحديثاً في منع المرتهن من استغلال الرهن وإذا حصل للرهن عائد فانه حق متمحض للراهن فهو بيع باطل وصدر القول ببطلانه قرار مجمع الفقه الإسلامي بجدة. ووجه اعتباره بيع وفاء أن الدولة باعت على المؤسسة هذا المرفق بالمبلغ الذي هي محتاجة إليه على ان تعيده المؤسسة للدولة في الوقت الذي يجري تحديده بينهما فيعود المرفق للدولة وتعيد الدولة المبلغ الذي قبضته من المؤسسة بدعوى انه ثمن شراء المرفق على ان تتقاضى المؤسسة من الدولة فائدة دورية ترتبط في الغالب بمؤشر معين مستورة تلك الفائدة باسم الأجرة فإذا انتهت المدة المحددة أعادت المؤسسة هذا المرفق إلى الدولة وأعادت الدولة للمؤسسة المبلغ الذي تسلمته من المؤسسة بدعوى انه ثمن المرفق وهو في الواقع قرض من المؤسسة للدولة بفائدة ربوية في شكل أجرة لهذا المرفق.
ولئن نازعنا من ينازعنا في اعتبار ذلك من بيوع الوفاء - وهي منازعة مرفوضة - وعلى افتراض التسليم بهذه المنازعة فان المعاملة من بيوع العينة التي قام جمهور أهل العلم بتحريمها ووجه اعتبارها بيع عينة ان المؤسسة المالية اشترت المرفق من الدولة بثمن معجل جرى تسليمه إلى الدولة وأصبح المرفق ملكاً للمؤسسة وهو في واقع الأمر ملك صوري بدليل عدم تمكن المؤسسة المشترية من التصرف في المرفق وإنما هي ملزمة بتأجيره على الدولة تأجيراً و في الواقع تأجير صوري بأجرة هي في حقيقة الأمر فائدة ربوية للمبلغ الذي دفعته المؤسسة للدولة ثمناً للمرفق وبعد انتهاء مدة الإجارة تعيد المؤسسة المرفق للدولة بالثمن الذي دفعته المؤسسة عند بدء عملية البيع من الدولة على المؤسسة فالمرفق باعته الدولة ثم استعادته شراءً بثمن ما باعته به ولم يتغير المبيع - المرفق - لا من حيث وضعه وصفته ولا من حيث سعره ولا من أي وجه يتغير به المبيع.
والعينة رجوع العين إلى بائعها من مشتريها على سبيل الإلزام والالتزام.
وقد جاء في المعيار الشرعي للإجارة والإجارة المنتهية بالتمليك الصادر من هيئة المحاسبة والمراجعة للمؤسسات المالية الإسلامية ما نصه:
إذا كانت العين المؤجرة مشتراة من المستأجر قبل إجارتها إليه إجارة منتهية بالتمليك فلا بد لتجنب عقد العينة من مضي مدة تتغير فيها العين المؤجرة أو قيمتها بين عقد الإجارة وموعد بيعها إلى المستأجر. أهـ انظر المعيار ص152 من الإصدار (المعايير الشرعية سنة 1423هـ2002م) ومن المعلوم ان المرفق لم يتغير سعره ولا صفته ولا حقيقته من وقت الإيجار إلى وقت إعادة المبيع - المرفق - على الدولة. فنص المعيار منطبق على ان هذا من بيوع العينة والله أعلم.
وخلاصة الجواب ان هذه العملية غير صحيحة وهي تحيُّل على الربا فلها وجه قوي بانها بيع صوري لم تقصد حقيقته ولا آثاره كما ان لها وجهاً قوياً بأنها بيع وفاء ولها وجه بأنها من بيوع العينة فلن تخرج هذه العملية عن واحدة من هذه المسائل الثلاث ونظراً إلى ان هذه العملية قد عرضت عليّ وأنا وبعض الزملاء من مؤسسة نقد البحرين وجرى منا إجازتها والفتوى بصحتها واتضح لي فيما بعد بانها غير صحيحة فرجعت عن القول بصحتها وأعلنت رجوعي في مجموعة من الملتقيات الفقهية والرجوع إلى الحق فضيلة نسأل الله تعالى ان يعصمنا من الخطأ والزلل وان يهدينا سواء السبيل.
ونظراً إلى أن هذه العملية قد استحسنها بعض الزملاء وأشاروا بها على بعض الدول والمؤسسات المالية كبديل عن السندات وقد قيل لنا بان بعض الدول تعمل الآن على الأخذ بها فقد كان مني الإسهاب في الإجابة عن هذه المسألة توضيحاً وإنكاراً ونصحاً والله المستعان.
|