Monday 29th March,200411505العددالأثنين 8 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

المؤسسات الخيرية الأمريكية لدعم إسرائيل المؤسسات الخيرية الأمريكية لدعم إسرائيل
عبدالله الماجد

تتبنى حكومة الولايات المتحدة الأمريكية حملة مسعورة تجاه أي عمل إسلامي خيري، خلطت فيها بين ما هو عمل خيري موجه لاعمال البر والخير الإنساني، وما قد يتكشف أنه موجه لمحاربتها وفق قناعات وفتاوى يعتنقها أصحاب تلك الأعمال التي يعتبرون أنها من أعمال الخير.
الخطورة في هذه المواقف هو اختلاط الأمور وضياع الحقيقة، والخاسر هو العمل الإسلامي من أجل الخير والبر. وأصبحت كثير من صناديق البر والخير تواجه بأنها من أعمال الارهاب، وأصبح كثيرون يخشون على أموالهم من خطر المصادرة الأمريكية أو الزج بأسمائهم في قوائم الملاحقة والتجفيف كما يحلو لهم التعبير بذلك. ولأن المشكلة تقع فينا كعرب ومسلمين لعدم كفايتنا وقدرتنا على إدارة مواردنا وانتقال أموالنا في مصارفنا، وهذه قضية يطول شرحها ومعالجتها الآن بعد مضي أكثر من نصف قرن كافٍ لإنشاء قوام اقتصادي عربي إسلامي.
الحملة التي تقودها الولايات المتحدة لتجفيف مصادر الأعمال الخيرية تطال الآن التبرعات من مواطنين في شكل أعمال ومؤسسات خيرية لأبناء فلسطين الذين تهدم إسرائيل بيوتهم وتشردهم بدعم أمريكي، والتبرع هو حق من أبسط الحقوق الوطنية.
في حين تمنح أمريكا لمواطنيها حق الإعفاء الضريبي للأشخاص الذين يتبرعون بالأموال لإسرائيل، وبهذه الأموال يقتلون الأطفال الفلسطينيين. أما المساعدات الحكومية الرسمية التي تقدمها الولايات المتحدة لإسرائيل، فإن لها وضعها الخاص؛ حيث لا تخضع للقوانين الأمريكية التي تنظم المساعدات الخارجية الأمريكية، فهي تسدد منها ديونها، وتستخدم قسماً كبيراً منها يصل إلى 93% في شراء الوقود والطعام. بل ذهب الأمر بكثير من الشركات الإسرائيلية إلى أن تفتح فروعاً في الولايات المتحدة متحايلة على القانون الأمريكي، ومنها شركات منتجة للأسلحة والمعدات العسكرية، وتعقد من خلالها الصفقات. أما قضية الديون الأمريكية فكانت تحوَّل إلى قروض طويلة الأمد، كما حولت قروضها على إسرائيل كمنح لا ترد. ولا تزال الولايات المتحدة غير راغبة في الضغط على إسرائيل من أجل التعرف على قدراتها النووية التي بنتها منذ أكثر من ثلاثين سنة. ولم يُطلب من منظمة الطاقة النووية التفتيش على المؤسسات الإسرائيلية، كما تسعى الولايات المتحدة بشكل محموم بالمطالبة بهذا العمل تجاه دول أخرى؛ كإيران وكوريا الشمالية، فضلاً عن دواعي غزو العراق التي تكشفت عن كذبة كبرى هي كذبة العصر.
أما المنظمات الأمريكية، الداعمة (علناً) لإسرائيل داخل الولايات المتحدة، فهي أكثر من ثلاثين منظمة. ومن أهم تلك المنظمات وأشهرها هي منظمة (إيباك) المعروفة باسم (اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشؤون العامة)، وهي من أهم منظمات اللوبي الصهيوني اليهودي في أمريكا، وهي منظمة أمريكية تعمل بموجب القانون الأمريكي، واسمها بالكامل: اللجنة الأمريكية الإسرائيلية لشؤون العلاقات. وسوف أقتطف حيزاً من الدراسة القيمة والمهمة التي أعدتها (كريمة كيرلس) رئيس قسم الشؤون الإسرائيلية بجريدة الأخبار المصرية، تحت عنوان (الولايات المتحدة وإسرائيل، وعلاقات من نوع خاص جداً) عن (إيباك)، جاء فيه:
(ترجع خطورة هذا اللوبي في تشعبه داخل الإدارة الأمريكية في الولايات المتحدة في السنوات الأخيرة، فالرجل الثاني في السفارة الإسرائيلية بواشنطن، وهو اختيار نتنياهو شخصياً، كان موظفاً في إيباك لمدة خمسة وعشرين عاماً.. وقد حصل على الجنسية الإسرائيلية لهذا الغرض، وهو يدعى (ليني بن دافيد)، كما أن مدير الشؤون الخارجية في إيباك -ستيفن روزن- والذي كان يدرس العلاقات الدولية في إحدى جامعات استراليا، وكان له تلميذ يدعى -مارتن إنديك- هو نفسه الذي يشغل منصب مساعد وزير الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى. وكان لستيفن روزن قطب إيباك تلميذ آخر هو (دينيس روس) الذي اصبح يهيمن على شؤون علمية السلام منذ أيام الرئيس جورج بوش (الأب) حتى أيام الرئيس كلينتون.. وقد ترك روزن العمل في مؤسسة تحمل اسم -راند- عام 1982م والتحق باللوبي الإسرائيلي- إيباك.. واستطاع فيما بعد أن يتذكر تلميذه القديم ويقنعه بالحصول على إجازة من جامعة ماكاري في سيدني باستراليا ويحضر إلى واشنطن ليعمل في أحد مراكز الأبحاث والدراسات التابعة لإيباك.. وهو معهد واشنطن لدراسات الشرق الأدنى..
وبعد ذلك بنحو عامين بدأت أيام حكم إدارة كلينتون، وتم اختيار -مارتن إنديك- ليكون احد مساعدي مستشار الأمن القومي، فكان لزاماً عليه أن يؤدي اليمين ما بين يوم وليلة ويتحول إلى مواطن أمريكي ليتولى المنصب الجديد.. وقد عُيِّن بعد ذلك سفيراً للولايات المتحدة في إسرائيل، ثم انتقل إلى وزارة الخارجية الأمريكية في أكبر منصب مختص بالشرق الأدنى والأوسط والصراع الإسرائيلي- العربي. ويبدو أن خريجي اللوبي يتمتعون بمواهب خارقة، فهم يتولون مناصب مهمة؛ مثل منصب رئيس اللجنة القومية للحزب الديمقراطي الذي يتولاه ستيف جروسمان، وهو رئيس سابق لإيباك، و(مل سمبلر) الذي ترك إيباك ليصبح الرئيس الحالي للجنة القومية للحزب الجمهوري.. وهناك أيضا (أرني كريستنسون) وكان مديراً للشئون القانونية في إيباك وأصبح رئيساً لطاقم مكتب رئيس مجلس النواب السابق نيوت جينجريتش. وحتى كبير مندوبي (سي.إن.إن) في البيت الأبيض، ولف بليتزر، هو الآخر من خريجي وظائف لوبي إيباك. ولا ننسى أيضا شخصيات أخرى تولت مهام كبيرة في إدارة كلينتون؛ مثل وزيرة الخارجية مادلين أولبرايت.. وويليام كوهين وزير الدفاع، وصمويل برجر مستشار الرئيس للأمن القومي، وراحم عمانيل مستشار الرئيس كلينتون للشئون السياسية والاستراتيجية، وهو من أقوى رجال الرئيس في البيت الابيض. ويوجد للوبي إيباك ثمانية مراكز في أنحاء الولايات المتحدة غير العاصمة واشنطن، ويبلغ عدد موظفيه 115 موظفاً بالأجر. ومن مهام اللوبي الأخرى ترتيب ورعاية زيارات أعضاء الكونجرس الأمريكي إلى إسرائيل، وتتبع الاتصالات بجميع أفرع الحكومة الأمريكية.
(الإمبراطورية الأمريكية، ح2، ص 290، 291، القاهرة 2001).
أما المنظمات الداعمة لإسرائيل داخل الولايات المتحدة الأمريكية، فهي أكثر من ثلاثين منظمة، معترف بها رسمياً بموجب القوانين الأمريكية، ولا يقتصر عمل هذه المنظمات على جمع الأموال والتبرعات لإسرائيل فقط، وإنما يتعدى ذلك إلى التأثير وممارسة الضغوط على صانعي القرار في البيت الأبيض والاجهزة الحكومية الأخرى كما رأينا في حالة (إيباك). وهذه المنظمات هي:
1 - عصبة مناهضة الافتراء. 2- الأمريكيون المناصرون لإسرائيل آمنة.
3 - عصبة الصداقة الإسرائيلية الأمريكية. 4 - اللجنة اليهودية الأمريكية.
5- اللجنة الإسرائيلية الأمريكية للشئون العامة (إيباك).
6 - الكونجرس اليهودي الأمريكي. 7 - الشركة الإسرائيلية الأمريكية.
8 - الأساتذة الجامعيون الأمريكيون من أجل السلام في الشرق الأوسط.
9 - رابطة الصهيونيين الإصلاحيين في أمريكا. 10- الاتحاد الصيهوني الأمريكي.
11- مجلس اتحاد العمال الأمريكي للهستدروت. 12- مجلس الاتحادات اليهودية.
13 - هداسا.. المنظمة الصهيونية النسائية في أمريكا. 14- منظمة سندات دولة إسرائيل.
15 - الوكالة اليهودية. 16- الوكالة اليهودية - القسم الأمريكي.
17 - اللجنة اليهودية الأمريكية للتوزيع المشترك.
18 - المؤسسة اليهودية لشؤون الأمن القومي. 19 - الصندوق القومي اليهودي.
20 - اللجنة القومية للعمل السياسي. 21 - اللجنة القومية للعمال في إسرائيل.
22 - صندوق إسرائيل الجديد.
23- المجلس الاستشاري لعلاقات الطائفة اليهودية القومية.
24- الشركة الاقتصادية الإسرائيلية. 25 - صندوق وقفية إسرائيل.
26 - مؤتمر رؤساء المنظمات اليهودية الأمريكية الكبرى.
27- النداء الإسرائيلي المتحد. 28- النداء اليهودي المتحد.
29 - المنظمة الصهيونية العالمية.
30 - المنظمة الصهيونية العالمية- القسم الأمريكي.
31- مؤسسة الشباب للسلام في الشرق الأوسط.
32- المنظمة الصهيونية في أمريكا.
ويحق لنا -بمبدأ المعاملة بالمثل- أن نطالب حكومة الولايات المتحدة بحل تلك المنظمات، وبمنعها من جمع التبرعات وتحويلها إلى إسرائيل؛ لأن كل سنت وكل دولار يقتل طفلاً فلسطينياً ويهدم بيتاً فلسطينياً. يقول (نوح فيلدمان) أحد المنظرين للتوجهات الأمريكية الحالية لما يجب أن تقوم به حيال دول المنطقة في الوقت الراهن في كتابه (ما بعد الجهاد) المكلف الآن بصياغة الدستور العراقي: إن (الأمر الملح الآن على الولايات المتحدة أن تتخلى عن حساسيتها المفرطة إزاء بعض الدول البترولية؛ مثل السعودية، والدول غير البترولية؛ كمصر وباكستان، لمجرد أن هذه الدول صديقة لها). وبالمثل فإننا ندعو من جانبنا - كأصحاب رأي- أن نتخلى عن حساسيتنا المفرطة في معاملة هذا (الصديق)، وأن نتحاسب معه وفق ما أسديناه له، وما أسداه لنا. يعلم هذا الصديق أن وقوفنا معه طيلة أكثر من سبعين عاماً قد جرَّ علينا الكثير من المصائب، أكثر مما أغدق علينا من النعم، بعد أن انحاز إلى الطرف المعادي لهذه الأمة واتجاهه إلى فرض هيمنته على شعوب هذه الأمة، وفق مبادئ يؤمن بها، عامداً إلى تسويقها وفرضها بالقوة، وهو يتناسى أننا بمثل ما يراه عن نفسه أنه الأكبر في العالم، وأن دواعي (الشرف الأمريكي) تستدعيه إلى بسط الحرية والنعم على العالم، فإن بلادنا هي مركز للعالم الإسلامي، ومبعث هذه الديانة، وموئل قبلة أكثر من مليارين من البشر. وإذا كانت تريد أن تكون حكما عادلا في هذا العالم، فإن الحكم يجب ألا ينحاز لطرف على حساب الطرف الآخر، وألا يبحث عن بناء مجد له على أنقاض حرق المدن وتدمير حياة البشر.
وبحساب المصالح المشتركة في التبادل التجاري، فضلا عن المصالح الاستراتيجية ومجالها، فإن الاستثمارات العربية في الولايات المتحدة في بداية النصف الأول من التسعينيات الماضية بلغ 3.3 بلايين دولار، تأتي المملكة في مقدمة هذه الاستثمارات؛ حيث بلغت 1.7 بليون دولار، ولا يدخل في ذلك الحسابات الجارية والأسهم وسندات الخزانة. أما الاستثمارات الأمريكية في المملكة فقد بلغت 4.209 مقابل 3.067 مليارات في إسرائيل حسب المصادر الأمريكية.
وتبلغ مبيعات السلاح الأمريكي للمملكة في الفترة من 1994م إلى 1998م بحسب معهد استكهولم لأبحاث السلام 6.867 مليارات دولار، مقابل ما اشترته إسرائيل وهو مبلغ 2.391 في نفس الفترة.
إنها ساعة الحساب مع الصديق، الذي يأخذ ولا يعطي، وإذا أعطى فلكي يأخذ، ثم يتبرم حيث يضيق بأخطائه التي تداهمه، وحينما تداهمه أخطاؤه يبحث عن مبررات لحدوث هذه الاخطاء عند حلفائه. وها هو (الشرف الأمريكي) يوصد أبواب جامعاته أمام الألوف من الطلاب العرب الذين يتلقون التعليم في جامعات أمريكية، يدفعون ألوف الدولارات مقابل ذلك، ومعظم هؤلاء كانوا على مشارف التخرج، منعوا بعد احداث سبتمبر 2001م من مواصلة دراستهم.
لقد ظل المفاوض العربي، في غضون القرن الماضي، حسن الظن بالقوى الخارجية التي تتعامل معه وتتفاعل في الحصول على امتيازات الوطن العربي، موقعاً وثروات، وإرثاً تاريخياً حضارياً. لقد تم نهب قراره وقوة تأثيره على مدى قرن من الصحوة الحضارية، حيث تم تقسيم الغنائم في أهم بقعة مؤثرة في المحيط الجغرافي المؤثر. ولا يزال هذا العالم العربي خاضعاً لهذه الحالة المؤسسية، التي تنم عن أن هذه الاحوال كما هي عليه منذ قرن، لا حول ولا قوة لها. لقد جرى اختيارها على مدى قرن فاصل بين عصر وعصر، وها هي كما كانت، لقد أغرى هذا الهوان القوى المحيطة بنا إلى التمادي، حتى استباحت لنفسها أن تفكر في تغيير نمط حياتنا وطريقة الحكم، واحتلال الأقاليم ونهب الثروات. وإذا كان تقسيم العالم العربي هو الدالة على هذا الهوان، وكارثته استلاب فلسطين، وفاجعته احتلال العراق، فإن فرض الهيمنة على هذا العالم العربي هو المنطق لهذا الهوان، وخريطة اسرائيل القادمة هي حاصل الضرب لتفاعلات ما يجري الآن.
قبل سقوط الاتحاد السوفياتي، وأثناء المقاومة الأفغانستانية للوجود السوفياتي في أفغانستان، كانت أمريكا تدعم المنظمات الجهادية الإسلامية في مناصرة شعب أفغانستان - كما هو معروف- وتسهل تدفق الأموال والتبرعات وفتح صناديق التبرعات عبر البنوك الأمريكية لدعم جهاد الشعب الأفغاني، وهو ما لم يكن مسموحاً به الآن، ليس من أجل أبناء فلسطين، وإنما من أجل اعمال البر والمساعدة الإنسانية لأعمال لا صلة لها بالحروب.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved