Monday 29th March,200411505العددالأثنين 8 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

الرئة الثالثة الرئة الثالثة
(أرْضةُ) البيروقراطية (تنخر) في أوعية التنمية !
عبدالرحمن بن محمد السدحان

يبدو ان فتنة (التطرّف) لم تعد قاصرة على بعض الأطياف الفكرية المعاصرة، بل باتت تشترك فيها البيروقراطية الحكومية في العالم النامي بوجه عام.. وفي وطننا العربي بوجه خاص، وفي بعض الدول غير البعيدة عنا أكثر تخصيصاً! وستظلُّ هذه الفتنة (تعوقُ) طموحات شعوب هذه البلدان.. وتصادر منها الحلم بالتحول إلى حالٍ أفضل.
***
- لكنّ المشكلة الأعتى والألدَّ أنّ هذه الفتنة تتنامى مع الزمن حجماً وأثراً وتأثيراً، وتجتزئ من أرصدة الإنفاق العام قدراً يعكس ذلك النمو السلبيّ، على حساب طموحات المواطن (المستهلك للتنمية) وحاجاته المتصاعدة في قطاعات عدة، أهمها الصحة والتعليم والتدريب والمواصلات، وغير ذلك كثير !
***
- وما أشبه البيروقراطية سلباً بدودة (الأرْضَةِ).. حين تنخر في جسد البنية الإدارية والإجرائية، فتفسدها من الداخل.. قبل ان تمتدّ (أعراضها) المدمّرة إلى الخارج، وهي ان لم تكتشف في وقت مبكر، ويؤتى عليها، فستتحول إلى ما يشبه (الخلايا السرطانية) الخبيثة التي تكتسح كل ما أمامها، قبل ان تودع صاحبها القبر !
***
كان لا بد من هذا التذكير القصير والمخيف لأقدّم به حديث اليوم، مستعيناً بقراءة لدراسة إحصائية ميدانية حديثة اطلعت على نتائجها مؤخراً تتعلق ب(البيروقراطية) في بلد عربي شقيق، أسوقها لا شماتة بأحدٍ، ولكن عبرة لمن اعتبر!
تقول أبرز نتائج تلك الدراسة ما يلي:
- تتراوح تكلفة الوقت الضائع في أداء الأجهزة الحكومية في ذلك البلد الشقيق ما بين 7.5 مليار الى 8.00 مليار دولار أمريكي سنوياً، أو ما يعادل ذلك بعملة ذلك البلد!
***
- وفي موضع آخر، تؤكد الدراسة الميدانية ان الوقت الضائع المرتّب لذلك الهدر المالي يتراوح ما بين 120 إلى 180 دقيقة يومياً من الوقت المخصص للدوام الرسمي في ذلك البلد الشقيق، وان الوقت الذي ينفقه الموظف الحكومي هناك في العمل الفعلي يتراوح ما بين 7 إلى 8 في المائة من إجمالي الدوام الرسمي!
***
- من جهة أخرى، تشير الدراسة إلى أن تكاليف الوقت الضائع من الرواتب والأجور في مختلف المستويات تبلغ ما بين مائة إلى مائة وخمسة وثلاثين مليون دولار أمريكي سنوياً، أو ما يعادل ذلك بالعملة المحلية لذلك البلد الشقيق !
***
- وبعد،
فقد كانت الغاية من إيراد هذه المعلومات، كما أسلفت، ليس الشماتة بأي بلد، كائناً ما كان، بل الاعتبار والتأمل فيما نحن فيه هنا في بلادنا الغالية، وزيادة مساحة الوعي به، لأن الوعي هو الخطوة الأولى في درب الإصلاح والصلاح.
***
وبمعنى آخر، دعونا نمارس (وعيَ الشجعان) إن صح التعبير، فنقول:
1 - إننا معشر الموظفين، نمارس قدراً غير هين من الهدر، ممثلاً في الوقت الضائع من الدوام اليومي الرسمية، وان التكلفة المالية المترتبة على ذلك.. تصعق ذهن الحليم منا، إذا أخذنا في الاعتبار حجمَ الجهاز الوظيفي ومبالغ الإنفاق عليه!
***
2 - ان لدينا (ترهّلاً) وظيفياً في بعض القطاعات الإدارية يخل بطموحنا ابتغاء الأداء الأفضل، ناهيك عن الخسارة المادية المترتبة على ذلك التي تقتطع من الميزانية العامة للدولة أرقاماً فلكية على حساب الطموحات الملحة للتنمية، بدءاً بالصحة، مروراً بالتعليم والتدريب، والطرق والمواصلات بأنواعها وانتهاءً بالرعاية الاجتماعية لمن يستحق الرعاية.
***
- وبعد.. أيضا:
- أتمنى على معهد الإدارة العامة، ومدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية.. أن تخصص جزءاً من الوقت والموارد والبرامج لدراسة ظاهرة (الترهل والهدر الإداري) في وزاراتنا ومؤسساتنا العامة، دراسة ميدانية، تعتمد على العيّنة العشوائية العادلة الممثلة لتلك القطاعات، وان تحدث نتائج تلك الدراسة، من وقت إلى آخر، فليس كافياً ان تعقد دراسة لأداء الجهاز الحكومي قبل عشر أو خمس عشرة سنة مثلاً، ثم يظنّ ان نتائجها لم تزل قائمة حتى الآن، لأنه ليس في هذه الظاهرة (ثابتٌ) بل كل ما فيها (متحولٌ) تبعا لما يطرأ على المجتمع من (تحولات) سكانية وحضارية وثقافية واجتماعية ونحو ذلك.
***
وفي هذا السياق، لا بد لي من الإشادة بالجهد الذي تبذله لجنة التطوير الإداري في هذا السبيل برئاسة سمو النائب الثاني، حفظه الله، وهناك من الشواهد ما يدل على ان جزءاً كبيراً من اهتمام اللجنة الموقرة منصبٌّ الآن على محاولة (تقليم أظافر) البيروقراطية ترشيداً للأداء وتوفيراً للإنفاق.. ويتوقع ان تثمر هذه الجهود الكثير عبر الطريق الطويل للإصلاح الإداري المنشود!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved