تخيم منذ بعض الوقت على العالم غيمة إرهابية قاتمة، توشك أن تطبق على العالم، وتكتم أنفاسه، وتقضي على أمنه واستقراره..
ضمن ممارسات عبثية، وفعل فاعل غير حكيم لتقويض أمن الشعوب، وإشاعة الفوضى بين الدول، مما يهيئ مناخاً للإرهابيين بأفضل مما هو موجود الآن..
يحدث هذا من خلال عدوان سافر يمارس عن عمد وسابق ترصُّد لنهش جسم الوئام فيما بين أمم الكون لتحويله إلى جسم منهك ومريض..
فيما تُحيّد الأمم المتحدة ومجلس الأمن، وتفرغ قراراتهما من أي مضمون فاعل أو صلاحية لمعالجة الوضع من وحي ما يُعطي نظامهما لهما من حق واضح وصريح في التعامل مع مثل هذه التطورات..
وهو شيء واضح - فاضح - ولا يحتاج منا إلى استنتاج، أو استحضار لوثيقة أو قرار لدعم هذا الرأي أو ذاك عن مواقف المنظمات الدولية مما يجري على الساحة الدولية من دماء ودمار..
هذا إذاً هو حال العالم اليوم..
بدوله ومناطقه..
وعلى مستوى شعوبه..
بما لا مبرر له..
أو فهم لمراميه وأهدافه ومعانيه..
ولي بعد ذلك أن أسأل: كيف لنا أن نستوعب مثل هذه المشاهد الدامية، ونغض الطرف عنها، فضلا عن أن نباركها، ونقدِّم الدعم والمساندة لها؟
لقد طال بنا الانتظار..
وامتد بنا الترقب زمناً طويلاً..
في ظل أمل يائس بإيقاف هذا النزيف من الدماء..
وعلى إيقاع أصوات وَجِفَة تتباهى بالقضاء على الإرهاب..
فيما يتحدث الواقع عن أن ما يقال لا يعدو أن يكون وهماً والهاءً للخيِّرين عن دور يمكن أن يقوموا به للمساهمة في الحد من هذه الكوارث الموجعة..
وأن سعير الإرهاب والإرهاب المضاد يزداد بأكثر ممّا يتصوّر المخططون والمنفذون، وبما يوحي بأنه لا قدرة لأحد - بعد هذا التمادي - على وضع حدٍّ له إلاّ أن يريد الله ذلك رحمة بعباده..
ما العمل إذاً ؟
وكل المعطيات والمؤشرات تقول لنا بغير ما تتحدث به الولايات المتحدة الأمريكية عن التطورات والمستجدات للقضاء على الإرهاب..
ما العمل إذاً؟
وجميع النتائج وحصاد العمليات والحروب الإرهابية تؤكد ما يخالف القول الأمريكي من آراء وقراءات لمستقبل العالم..
وبخاصة مع تنامي الإرهاب والإرهاب المضاد على مستوى الدول والمنظمات والأفراد..
ودون أن تفلح القوة مع غياب التصرف الحكيم في إعادة الأمن والاستقرار إلى المناطق الملتهبة في العالم..
لقد حان الوقت لتعيد الولايات المتحدة الأمريكية النظر في سياساتها ومواقفها من الصراع في منطقة الشرق الأوسط..
وآن الأوان لتتوقف عن دعمها غير المبرر لإسرائيل، والشروع في إيجاد حل عادل للمشكلة الفلسطينية..
وبالتخلي عن إملاءات سياساتها على الدول..
وبعدم تهميشها للمنظمة الدولية..
وبتنظيف مواقفها من هذا الغرور والتعالي والغطرسة في تعاملها مع الدول..
فأمريكا تدفع الثمن اليوم غالياً من دماء أبنائها باسم محاربة الإرهاب، فيما هي من ساهم ضمن لاعبين آخرين في تأجيجه بمواقفها وقراراتها المتسرعة..
وها هي - أمريكا - إذ تعيد إلى العالم المتحضر مبدأ استعمار الشعوب، واحتلال الدول من جديد، والتدخل في شؤونها الداخلية، إنما تحرك بمثل هذا الفعل كوامن الكرامة والعزة في نفوس الأمم، وبالتالي الكراهية بفعل ما أصاب هذه الأمم من ذل وظلم ومسّ بحقوقها وكرامتها..
ومن المؤسف أن يمتد ويتمدد الإرهاب والإرهاب المضاد إلى مناطق ودول وبين شعوب لا ذنب ولا علاقة لها بهذه الممارسات الإرهابية البغيضة..
ومرة أخرى، ما العمل ؟
إنه سؤال مهم بأهمية أن يقال للمستعمرين الجدد: كفُّوا عن هذه الممارسات..
واعدلوا في مواقفكم..
ولا تؤذوا غيركم..
بل ولا تؤذوا أنفسكم..
وكونوا أمناء في استثماركم للقوة التي تتمتعون بها..
وحكماء في الإفادة من الكلمة المسموعة التي تنفردون بها..
لأن مثل هذه السياسات التي تمارس اليوم باسم القضاء على الإرهاب لن تقتصر آثارها التدميرية على الأمم الضعيفة..
ولن تكون الدول الكبرى بكل ما تملكه من ترسانة مليئة بالأسلحة المدمرة في مأمن من هذا المصير المجهول..
ولن تكونوا حالة خاصة تختلف عن غيرها..
فالعالم سيكون في نهاية المطاف ضمن وقود النار المحرقة والمميتة التي تحتاج إلى مَن يطفئ لهيبها ويخمد أوارها..
وما لم يتم ذلك عاجلاً وسريعاً، فما من أحد في هذا الكون سوف ينجو من هذه الكارثة المدمّرة إلاّ أن يشاء الله..
وباختصار شديد، فإن الأمم والدول هي الآن في منعطف خطير يحتاج من الجميع إلى وقفة تأمل عاقلة وحكيمة وشجاعة للمراجعة والتراجع، وإعادة النظر من جديد بما يمر به عالمنا اليوم من مآسٍ وآلام..
وإن هذا هو كل ما نتمناه..
أهم ما نتمناه ونتطلع إليه..
في ظل الصراع المرير والقاتل الذي ربما قاد العالم -إن استمر وتواصل- إلى ما هو أسوأ..
|