دعيت لإحياء أمسية شعرية في إمارة عجمان ضمن أيام مهرجان عجمان السنوي، وسعدتُ بلقاء حاكمها سمو الشيخ حميد، وعدد من رجال الأدب والفكر، وعدد من أطباء القلب الذين كانوا يديرون لقاءات مؤتمر جراحة القلب في عجمان. ولم يخطر ببالي أن أزور تلك المكتبة التي أسهم الملك عبدالعزيز -رحمه الله- في إنشائها منذ زمن بعيد؛ فقد كان من ضمن برنامج الزيارة زيارة مكتبة الشيخ عبدالله بن محمد الشيبة التي يشرف عليها ابنه الشيخ محمد الشيبة. ولم يكن يخطر ببالي أن أجد تلك العناية الخاصة بهذه المكتبة الخاصة التي حوَّلها صاحبها إلى مكتبة عامة مفتوحة الأبواب لمن يريد الاطلاع والبحث والدراسة.
حينما جلستُ مع الشيخ محمد الذي كان له الدور الكبير في جمع كتب والده الشيخ عبدالله الشيبة -رحمه الله- وترتيبها وتخصيص بيت من بيوته لها، استمعتُ منه إلى قصة إنشاء هذه المكتبة، وإلى بداياتها الأولى. كان الرجل يتحدَّث عن عمل يسعد به كل السعادة، وعن ثمرة يستمتع بمذاقها الجميل كل المتعة.
يقول: ذهب والدي مع مجموعة من أعيان عجمان إلى الحج عام 1369هـ، وكانوا في ضيافة الملك عبدالعزيز؛ حيث قضوا أياماً لا تُنْسَى مع عددٍ من العلماء والمفكرين في المشاعر المقدَّسة، وسعدوا بما وجدوه من كرم الضيافة وحسن الرعاية. وقبل عودتهم سألهم الملك عبدالعزيز عن حاجاتهم، فذكر كل واحد حاجته, وقال الشيخ عبدالله: حاجتي هي الكتب، أريد أن أكوِّن مكتبة تنفعني وتنفع الناس. وكان لطلبه هذا وقع جميل في نفس الملك، وعاد مع رفقاء رحلته إلى عجمان؛ لتصل إليه الكتب بعد أسابيع مهداة من الملك عبدالعزيز، مراجع متعددة في الحديث والتفسير والفقه، وبعض كتب الأدب. وقد استقبلها صاحبها استقبالاً حافلاً، فرحاً بها مستبشراً، وأصبحت مصدر إضاءة علمية وثقافية في إمارة عجمان، وصار منزله ميدان لقاءٍ بمحبي العلم والمعرفة، وظلت المكتبة تنمو نمواً بطيئاً تفرضه الأوضاع المادية التي كانت تعيشها المنطقة في تلك الفترة.
ليست المكتبة كبيرة الحجم، وليس عدد الكتب فيها كبيراً، ولكن همة القائم عليها كبيرة، وتقديره للعلم كبير، وعشقه للكتاب أكبر من ذلك كله.
لقد حظيت المكتبة بعدد من المراجع الشرعية المهمة بعد ذلك؛ حيث أرسل صاحبها الشيخ عبدالله خطاباً إلى الشيخ عبدالعزيز بن باز -رحمه الله- يعرفه فيه بالمكتبة، وبطلبه منه تزويدها بالكتب، فكان ذلك رافداً من روافد نمو هذه المكتبة؛ حيث أرسل إليه الشيخ عبدالعزيز عدداً جيداً من أمهات الكتب.
يقول الشيخ محمد: إن رفقاء والده في رحلة الحج تلك عاتبوه على طلب الكتب من الملك عبدالعزيز، وقالوا له: هلا طلبت شيئاً ينفعك في أمور دنياك؟
فقال لهم: لقد طلبتُ ما ينفعي وينفعكم وينفع غيرنا من الناس في أمور الدنيا والآخرة. وكان بعد أن وصلت إليه الكتب، كلما التقى برفاقه أولئك في مكتبته المنزلية وشعر بالمتعة التي يجدونها في المدارسة والمذاكرة يقول لهم:
ألم أقل لكم إنها ستنفعنا جميعاً؟!
مكتبة منزلية مفتوحة الأبواب، ليست كبيرة الحجم، ولكنها كبيرة القيمة، فهي رسالة جميلة من رجل قدَّم ما يستطيع، ولو قدَّم كل منا لمجتمعه ووطنه وأمته ما يستطيع لكانت أمتنا في منزلة أسمى، وموقف أقوى.
إشارة:
مسلم أنتَ وفي القرآن زاد
لحيارى الأرض، فابذلْ خير زاد |
|