* من يكون (سعد بن معاذ) هل صح في حقه أنه اُستشهد في غزوة الخندق..؟ وهل طرد سعد مصعب بن عمير مما تسبب في أزمات نفسية بينه وبين (رسول) سعد إلى: مصعب؟
عبدالله النخلي - حسين النخلي المدينة المنورة
ج - ممن ترجم لسعد بن معاذ جلة من كبار العلماء منهم ابن سعد في: الطبقات وابن عبد البر في: الاستيعاب وابن حجر في الإصابة وكذا: محمد بن إسحاق في: في السيرة وابن هشام في السيرة ايضاً وقد تمت الترجمة هناك خلال نواحٍ كثيرة مهمة (نفسية - وعقلية - وفكرية يتبين للمطلع من ذلك حياة المترجم له وكيف برز وساد بعيداً عن: الذات والمركزية والادعاء واستغلال الحياة بصورة ما وسعد بن معاذ جهبذ موهوب وهو كذلك لان من اكتشفه وحافظ عليه موهوب كذلك فمصعب عظيم قدير وسعد مثله فتلاقحت العقول وتآخذت في ذات الله فكان نبل سعد يوماً مشهوداً وفضله في زيادة جاهد في الله حفاظاً على دينه وامانته وحماية لبلاده من كل هوج وسوء وشر.
جاء في: ( البلاغ) 24-12- 1424هـ من السنة 34 ترجمة جيدة لسعد كتبت المجلة مقدمة لطيفة ثم ترجمت له تفي بالغرض أحسب ذلك كافياً في إجابة السؤال جاء هناك:
مواقف خالدة
شهيد السماء
سعد بن معاذ
ختم الله رسالات السماء بالرسالة المحمدية، بعد أن نضجت الإنسانية وارتقت الى شبابها. واوجز الله تعالى مهمة الرسول والرسالة في إعجاز قرآنه. فقال تعالى: {وَلَقَدْ كَتَبْنَا فِي الزَّبُورِ مِن بَعْدِ الذِّكْرِ أَنَّ الْأَرْضَ يَرِثُهَا عِبَادِيَ الصَّالِحُونَ {105} إِنَّ فِي هَذَا لَبَلَاغاً لِّقَوْمٍ عَابِدِينَ {106} وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِّلْعَالَمِينَ {107} قُلْ إِنَّمَا يُوحَى إِلَيَّ أَنَّمَا إِلَهُكُمْ إِلَهٌ وَاحِدٌ فَهَلْ أَنتُم مُّسْلِمُونَ}؟، وقال تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا كَافَّةً لِّلنَّاسِ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ} ، وقال:{وَمَا أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ إِلَّا نُوحِي إِلَيْهِ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدُونِ} وأقسم الله فقال: {وَالنَّجْمِ إِذَا هَوَى {1} مَا ضَلَّ صَاحِبُكُمْ وَمَا غَوَى {2} وَمَا يَنطِقُ عَنِ الْهَوَى {3} إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى {4} عَلَّمَهُ شَدِيدُ الْقُوَى} فكل الوجود ينادي الرسول صلى الله عليه وسلم ويؤمن بالرسالة {وَإِن مِّن شَيْءٍ إِلاَّ يُسَبِّحُ بِحَمْدَهِ وَلَكِن لاَّ تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ } يا رسول الله.. يا حبيب الرحمن.. يا سيد الأنام.. ويا شفيعنا يوم الفرقان.. يامن اختارك الله من جوف الصحراء لحكمة بالغة، واصطفاك من بين قوم يعبدون الأصنام، لتكون هادياً واستاذاً للبشرية وكرمك الله افضل التكريم، فقال:{وَإِنَّكَ لَعَلى خُلُقٍ عَظِيمٍ} وصلى الله عليك وملائكته، ودعا كل مؤمن ومؤمنة للصلاة عليك، فقال تعالى:{إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا} كما كرم امتك بالصلاة عليهم. فقال تعالى: {هُوَ الَّذِي يُصَلِّي عَلَيْكُمْ وَمَلَائِكَتُهُ لِيُخْرِجَكُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ وَكَانَ بِالْمُؤْمِنِينَ رَحِيمًا}.
معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في تربيته لأصحابه
وتتجلى معجزة الرسول صلى الله عليه وسلم في القرآن الكريم وسنة رسول الله ثم في تربيته لاصحابه، فقد بث الرسول صلى الله عليه وسلم في اصحابه ذوب نفسه ومكارم أخلاقه وطاعته لربه، فالرسول صلى الله عليه وسلم يمثل النموذج المتكامل للتكامل الإنساني في الدين ومكارم الأخلاق، فيروي جبير بن مطعم عندما قدم إلى المدينة، فسمع الرسول صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن في صلاة المغرب، فكاد ينخلع قلبه من الرهبة والرغبة، فأعلن إسلامه.
موكب الإسلام بالمدينة المنورة
قاوم أهل مكة الإسلام، لأنهم كانوا أهل وثنية يعبدون الأصنام التي اقاموها حول الكعبة 360 صنماً، أما أهل يثرب فكانوا حنفاء لم تلوثهم عبادة الأصنام، فاستجابوا للدعوة الإسلامية، وتوالت وفودهم على مكة لمبايعة رسول الله صلى الله عليه وسلم في موسم الحج سنة 11 من تاريخ بعثة النبي صلى الله عليه وسلم في بيعة العقبة الأولى من قبيلتي الأوس والخزرج، وأرسل الرسول صلى الله عليه وسلم معهم داعية الإسلام مصعب بن عمير ليعلمهم شرائع الإسلام، الذي نجح نجاحاً عظيماً، حيث لم يمر سوى وقت قصير حتى عمت دعوة الإسلام كل أهل المدينة وبيوتها والبوادي من حولها مما هيأ للهجرة النبوية، وكان من ابرز اقطاب الإسلام بالمدينة قبيل هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إليها ويسميها (المدينة المنورة) السعدين وهما:
1- سعد بن معاذ وهو زعيم قبيلة الأوس.
2- سعد بن عبادة، وهو زعيم قبيلة الخزرج، ويوم إسلامهما أسلم معهما كل افراد قبيلتيهما، وإذا صدق القول بأن للبعض الفأل الحسن من أسمائهم فإنه كان للسعدين الحظ الوافر.
قبيلتا الأوس والخزرج
قبيل ظهور الإسلام كانت (يثرب) هي ثاني مدن الجزيرة بعد مكة، وكان من ابرز سكانها قبيلتا الأوس والخزرج كانت اصول القبيلتين قد هاجرتا اليها من جنوب الجزيرة، وذلك بعد انهيار سد مأرب باليمن. وكان يجاورهم ب(يثرب ) اليهود، الذين كانوا يبشرون بقرب بعثة نبي يدعو إلى التوحيد، وكانوا يروجون انه سيكون من اليهود، وانهم سيقتلون به العرب قتلاً، فلما ظهر من العرب تنكروا له وحاربوه بكل حقدهم، وكان اليهود بخبثهم وفسادهم وتآمرهم، قد استطاعوا الوقيعة بين ابناء القبيلتين، وهما أبناء العم والدم حتى وقعت بينهما حروب طالت كان أخطرها موقعة (يوم بعاث)، حيث انتصرت الأوس على الخزرج، ولما ظهر الإسلام اتجه زعماء الخزرج إلى مكة لينشدوا حليفاً لهم، ليساعدهم على الأوس، أو ليصلح بين القبيلتين، وأخذ الإسلام ينتشر بسرعة فائقة بجهود داعية الإسلام مصعب بن عمير و اسعد بن زرارة، ابن خالة سعد بن معاذ، مما أقلق سعداً على زعامته لقبيلة الأوس، كما أن كفار مكة أرسلوا إليه احتجاجاً لقبولهم مبعوث الإسلام مصعب وفتح بيوتهم له واستماعهم لدعوته.
رسول (سعد) لطرد (مصعب)
كان (مصعب) ومعه (أسعد) يدعوان للإسلام في بستان لبني عبد الأشهل في حي من أحياء الأوس، فأرسل سعد نائبه في زعامة الأوس (اسيد بن الخضير) لطرد مصعب، فذهب اسيد يحمل سيفه لفض الاجتماع وطرد الداعية، ولما وصل وجه كلاماً شديداً اللهجة الى مصعب، فقال مصعب: يا سيداً في قومه هل لك أن تسمع مني؟ فإن اعجبك قوليي والا خرجت من حيكم، وبدأ يفيض من آيات القرآن ويشرح دعوة الإسلام، فتهلل وجه أسيد وبدأ عليه نور الإسلام، ثم قال: ما أحسن هذا الكلام وما أطيبه، فكيف أدخل دينكم؟ فعلموه كيف يتوضأ، ثم لقنوه الشهادة، وبعد إسلامه واستنارته، قال لمصعب، لا تقم من مكانك حتى آتيك بشيخ القبيلة لتعرض عليه ما عرضته عليّ، وسيلحق بدعوتك.
إسلام (سعد بن معاذ)
بعد إسلام اسيد عاد إلى مجلس مصعب بأن قريبه أسعد بن زرارة في مأزق شديد، وهو في اشد الحاجة إليه الآن، لانقاذه مما هو فيه ونجح في مصاحبته إلى مجلس مصعب، وطلب معاذ من مصعب أن يعيد ما قاله له من قبل، وقرأ من آيات القرآن ما أزال غبار الجاهلية عن قلب معاذ، فتحرك قلبه لآيات القرآن كما حدث مع عمر بن الخطاب وعشرات الآلاف ممن أسلموا من السلف، فأسلم سعد كما أسلم اسيد نائبه بحلاوة القرآن من قبله، ولم يأت مغرب ذلك اليوم حتى أسلم جميع ابناء قبيلة الأوس رجالاً ونساء، وعلت راية لا إله إلا الله محمد رسول الله.
جهاد (سعد) في الإسلام
كان (سعد بن معاذ) قبل إسلامه طيب الأخلاق جميل الشيم كريم العطاء طيب النفس، وقد حباه الله بجمال الخلقة والأخلاق معاً، كما كان عملاق الجسم قوي البنية، وقد اضيف الى تلك المحاسن حلاوة الإيمان ونور القرآن، فترقى سريعاً في سلم الإسلام، حتى أصبح في وقت قصير عملاقاً من عمالقة الإسلام ومنارة من منارات الانصار، كما ترقى مثله (سعد بن عبادة). وبعد إسلام الرجلين ومعهما ابناء قبيلتيهما رجالاً ونساء، وقد استنارت كل بيوت المدينة بنور القرآن وحلاوة الإيمان، واستحقت (يثرب) ان تصبح (المدينة المنورة) فقال الشاعر:
فإن يسلم السعدان يصبح محمد
بيثرب لا يخشى خلاف مخالف
فقد قام الرجلان بدوريهما في الدعوة للإسلام، وتفوق (سعد) حتى أصبح زعيماً لجميع الأنصار، فكان أفضلهم رأياً واكثرهم وانشطهم في نصرة الإسلام، وكان ينهل من تعاليمه، وقد أكب على حفظ القرآن حتى حفظه في وقت قصير جداً، كما شهد مع النبي صلى الله عليه وسلم كل المشاهد بدراً، وأحداً، والخندق. وقد أبلى بلاء حسناً منذ إسلامه، كما أبلى في جهاده وفي دعوته للإسلام كل بلاء.
من بطولات (سعد
وصدق إيمانه)
كانت هجرة الرسول صلى الله عليه وسلم إلى يثرب من أعظم الأحداث في تاريخ الإسلام، مما جعل عمر بن الخطاب يؤرخ للإسلام بالتاريخ الهجري، حيث انتقلت الدعوة من بيئة وثنية يعبدون الأصنام والاحجار الى الأنصار بقيادة أكبر قبائل (يثرب) الذين ناصروا الإسلام بالنفس والمال. وعندما قرر المسلمون لقاء عدوهم في غزوة بدر جمع النبي صلى الله عليه وسلم اصحابه من المهاجرين والانصار، فأيد المهاجرون الحرب والجهاد، وعبر عن رأي الانصار زعيم يثرب (سعد بن معاذ)، فقال يا رسول الله: لقد آمنا بك وصدقناك، وشهدنا أن ما جئت به هو الحق وإنا معك ونفديك بأرواحنا ولو استعرضت بنا البحر خضنها معك وانا لنصبر في الحرب صادقين عند اللقاء. وسيريك الله منا ما يقر به عينك فسر بنا على بركة الله، فاستبشر الرسول صلى الله عليه وسلم واذن بالخروج للمعركة وكان ما توقع الرسول صلى الله عليه وسلم وتم النصر في معركة بدر، وكان (سعد بن معاذ) المجاهد الذي يقدم نفسه لله ولرسوله، وكانت دائماً عيناه لا تغفلان عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في يوم أحد.
غزوة الخندق وخيانة اليهود
في رحاب المدينة أحس الرسول صلى الله عليه وسلم والمهاجرون بالاستقرار وأداء صلواتهم وعبادتهم في حرية وفي حب وإخاء، وعقد الرسول صلى الله عليه وسلم عهوداً ومواثيق مع اليهود بحسن الجوار، ولكنهم دائماً اصحاب تآمر وفساد اينما وجدوا، حيث قام وفد من زعماء اليهود بالمدينة الى كفار مكة وإلى جميع قبائل الجزيرة وغطفان، ليحاصروا المدينة وليضربوا الإسلام قبل أن يستفحل امره. وقد نجحت وفود اليهود في جمع عشرة آلاف مقاتل أكثر من سكان المدينة بما فيهم الشيوخ والنساء والأطفال، على أن يقوم اليهود بدورهم التخريبي ومساعدة الأعداء من الداخل، وارسل الرسول صلى الله عليه وسلم سعد بن معاذ وسعد بن عبادة إلى زعماء اليهود ليتعرف موقفهم والعهود والمواثيق التي عقدها معهم، ولكن زعماء اليهود تنكروا لكل عهودهم وما اتفقوا عليه!! واظهروا العداء والحقد للإسلام ولرسول الإسلام وهكذا اليهود دائماً، واخذ الرسول صلى الله عليه وسلم بمشورة سلمان الفارسي بحفر الخندق، وقد ساهم الرسول بنفسه في حفره وحاصر المشركون المدينة شهراً
ولما اشتد الامر على المسلمين دعا الرسول صلى الله عليه وسلم ربه: (اللهم منزل الكتاب سريع الحساب اهزم الاحزاب وزلزلهم)، فاستجاب الله لرسوله عاجلاً، حيث دبت الخلافات والفرقة بينهم، وأرسل الله من جنوده الريح العاتية، فقوضت خيامهم وأكفأت قدروهم وشتت خيولهم وجمالهم في الصحراء الواسعة، وقذف الله الرعب في قلوبهم، ولم تكن غزوة الاحزاب معركة حرب وكر وفر، ولكنها كانت معركة اعصاب وتحمل وصبر وجهد، وقد ركب ابو سفيان زعيم المشكرين ناقته، وقال: من اراد النجاة فعليه ان يتبعني، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم:( لن يغزونا بعد اليوم وانما نحن الذين نغزوهم)، وقد تم بعدها صلح الحديبية، ثم تم فتح مكة الفتح الأكبر).
إصابة (سعد) واستشهاده
متأثراً بجراحه
هناك من الرجال من هو ناقص الرجولة وهناك من يساوي آلاف الرجال كسعد بن معاذ، فقد كان وسيم الطلعة عملاق الطول مشرق الوجه، وقد أسلم وحمل تبعات إسلامه في بطولة وعمق إيمانه، وبإسلامه اشرقت المدينة بنور شمس جديدة دارت في فلكها قلوب كثيرة اسلمت مع (سعد) لله رب العالمين وابلى سعد البلاء الحسن في جهاده، فشهد بدراً واحداً والخندق التي جاهد فيها جهاد الابطال، حيث تحالف اليهود مع كفار قريش ومشركي قبائل الجزيرة، وكان نشاط سعد على طول خط مواجهة الاعداء، حتى اصيب بسهم وحمل الى المسجد واستشهد بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، واثر عنه انه عمل بكل ما امر الله به في كتابه وبكل ما اوصى به النبي صلى الله عليه وسلم. وقال عنه سعيد بن المسيب: كانت خصاله ما احسبها الا في نبي، رضي الله عن سعد في جنة ربه ورضاه.
غزو بني قريظة
ما أن انتهى الرسول صلى الله عليه وسلم من غزوة الاحزاب، حتى نزل الوحي بغزو بني قريظة، فذهب المسلمون الى بني قريظة وحاصروهم حتى استسلموا، ونفذوا فيهم ما امر الله به في محكم القرآن الكريم.
اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ
اسلم (سعد بن معاذ) وعمره (31) عاماً، واستشهد بجرحه وعمره (37) عاماً، وقضى من عمره في الإسلام ست سنوات ملأها ايماناً وجهاداً في خدمة الإسلامة وفي حفظ القرآن، حتى صار معجزة من معجزت الإسلام، وله كرامة من كرامات الصالحين، يقول ابو سعيد الخدري: كنت ممن حفروا القبر لدفن سعد، وكلما حفرنا التراب شممنا رائحة المسك، وقال النبي عليه الصلاة والسلام ( لقد اهتز عرش الرحمن لموت سعد بن معاذ رضي الله عنه في جنته).
|