هنالك عدد من المقومات للتنمية البشرية في أي مكان، وهذه المقومات تعتمد على أمور أهمها العنصر البشري المؤهل، وكذلك المادة التي هي عصب الحياة لهذا العصر، ووجود النية الصادقة والتوجه الصالح للتنمية من قبل الناس لتنمية أنفسهم.
هذه المقدمة المتواضعة أردت أن أبدأ فيها موضوعي عن أحد أهم المعوقات الجديدة التي تواجه مجتمعنا في مجال تنميته، وهذا المعوق للتنمية الجديد هو هذه المشاكل الإرهابية التي يواجهها مجتمعنا مؤخرا.
المتتبع لقضايا التنمية البشرية في المملكة يلاحظ أننا نتطور بصورة طيبة وطبيعية ومنتظمة، وقد قطعنا شوطا طيبا في هذا المجال، ومن أمثلة ذلك التنمية في مجال الإنسان السعودي، فلقد حصل المواطن السعودي على عدة أمور أو مؤشرات إيجابية مهمة في العقدين الأخيرين، من أهمها اضمحلال الأمية للمواطن بنسبة عالية جدا، ومن المتوقع القضاء على الأمية في حدود سنوات قليلة. كذلك وجود عدد من الجامعات التي تخرج الشباب السعودي المؤهل والمتخصص في كافة المجالات الحيوية لتنمية المجتمع، وهذا خفف من اعتمادنا على العمالة الأجنبية المؤهلة أمثال الأطباء والمهندسين والمعلمين والباحثين وغيرهم. ومن المؤشرات المهمة للتنمية البشرية الرعاية الطبية المتطورة والمجانية التي يجدها المواطن، والتي كان من آثارها انخفاض معدلات وفيات الأطفال وتحصينهم ضد الأمراض المعدية والمزمنة، ووفيات النساء الحوامل، وانخفاض أعداد المرضى المحولين للمستشفيات في الخارج لوجود المستشفيات المتخصصة التي تماثل إن لم تتفوق على مثيلتها في الغرب.
وكان من أهم ثمار هذا التوجه الطيب المبارك أن ارتفع متوسط عمر المواطن السعودي من 54 سنة قبل أربعة عقود إلى 72 سنة في وقتنا الحاضر، وهذا يعادل متوسط العمر في بعض الدول المتقدمة، ويزيد بكثير عن متوسط الدول النامية.
كذلك من نتاج هذه التنمية في مجال التنمية الاجتماعية الاهتمام بالأسر الفقيرة وإنشاء مؤسسات حكومية وخيرية وأهلية هدفها خدمة هذه الفئة العزيزة، مثل الضمان الاجتماعي الذي ضاعف المبالغ المقدمة لكل أسرة أكثر من 18 ضعفا منذ تأسيسه، هذا بالإضافة إلى ما تقدمه الجمعيات الخيرية وغيرها. وتتوجت هذه الجهود الخيرية بالخطوة الأخيرة نحو محاربة الفقر وإيجاد استراتيجيات للقضاء على الفقر، وهذا يشعرنا بكل فخر واعتزاز في المجتمع المتراحم المترابط.
ومن نتاج هذه التنمية النهضة الزراعية التي تعيشها بلادنا، فمن أرض قاحلة (كان يمنّ علينا مَن يساعدنا) تحولت بلدنا إلى بلد زراعي منتج لأهم الثروات الزراعية التي يحتاج لها المواطن، وأصبحنا نصدر بعض هذه المنتجات، وأصبحت كثير من منتجاتنا تتفوق على المستورد بمراحل.
ومن نتاج هذه التنمية، التنمية الصناعية التي جعلت عبارة (صنع في السعودية) تشاهد في أكثر من 120 دولة حول العالم، وهذا بل شك مصدر فخر واعتزاز لنا جميعا كمواطنين سعوديين. ومن مظاهر التنمية أن بلدنا التي عرفت على مدار التاريخ بأنها صحراء قاحلة بدأت تشرب الماء العذب من البحر بعد أن يصفى ويقطع آلاف الكيلومترات إلى منازل المواطنين (للمزيد من التفاصيل في موضوع التنمية البشرية فلكاتب هذه السطور كتيب سوف يصدر قريبا).
كما ذكر في بداية المقال فالتنمية البشرية تحتاج للإنسان وللإرادة الصادقة وللمادة لتنمية أي مجتمع من المجتمعات، والمؤسف والمحزن جدا أننا بعد أن قطعنا مشوارا أكثر من رائع في مجال التنمية البشرية أتانا معوق كبير وعويص ومؤذٍ جدا، يكاد يؤخر أو يبطئ خطى هذه التنمية المباركة وهو قضية الإرهاب، وهذا الجنون الجديد الذي ظهر في فئة منحرفة خارجة عن كل فكر وعقل، وهم من بني جلدتنا ويعيشون بيننا، وهذا مصدر المصيبة.
الحاصل أن خطط التنمية بدلا من أن تركز على إنشاء مستشفى أو مدرسة أو غيرها الآن أخذت الأمور الأمنية وقتا وجهدا ومالا كثيرا من صانعي القرار في بلدنا، فكم من الوقت والجهد صرف في أمور الحراسات الأمنية والتفتيش والجولات الأمنية وغيرها، وكم من المبالغ صرفت لهذه الأمور.. من مظاهر الحزن التي أشعر بها هي أن تصرف ملايين الريالات لكل من يبلغ عن إرهابي أو أن يحبط عملية إرهابية، ومصدر الحزن أن المواطن يجب ألا ينتظر المقابل في خدمة وطنه، فيجب أن يكون دافعه حب الوطن وحب ولاة الأمر، وهذا ما أمرنا التشريع الإسلامي به، ألم يقل تعالى: {أَطِيعُواْ اللّهَ وَأَطِيعُواْ الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنكُمْ}، والأحاديث كثيرة وليس هذا مجال الذكر لها.
كنت أتمنى أن تصرف هذه الملايين، كل مليون لإنشاء مدرسة أو مستوصف أو نادٍ أو مكتبة أو غيرها، خيرا من أن نطارد الخفافيش في الظلام، ولكن للأسف لا بد من هذا الآن وقد عرفت نواياهم الشريرة وأفكارهم الحاقدة، وقد قاموا بعمليات تخريبية، ولا بد من مكافحة هذا الورم الخبيث وبتره سريعا للعودة للتنمية البشرية.
أدعو اخواني المواطنين إلى التنبه والحيطة لما يحاك ضد بلدنا، حرسها الله، فالخاسر هنا هو التنمية التي بلا شك تمس كل مواطن على هذه الأرض الطاهرة، وأدعو هذه الفئة المنحرفة فكريا إلى العودة والتوبة والابتعاد عن طريق الفساد والعنف والانحراف، فأنتم لستم ملائكة، ونحن لسنا إسرائيل، مَن أذن لكم في العنف في مجتمع مسلم مسالم هادئ؟ من أي فكر أتت هذه الأفكار القذرة؟.
للأسف الشديد ان هذه أفكار خارجة امتطاها بعض المغرر بهم من شبابنا، وهم، ولله الحمد، قلة، ولكن الشر له صوت ودوي، ولهذا لا تشعر وتحس بطعم الصحة حتى تمرض، وكذلك لم نعرف قيمة الأمن حتى حصل هذا الفساد الحالي من هذه الشرذمة الفاسدة.
كما قلت آنفا: أدعو إخواني المواطنين للتبليغ عن هذه المؤامرة الدنيئة والخسيسة على بلدنا، وفضح كل من تسول له نفسه المساس بأمن هذا الوطن، فهذا واجبنا ومسؤوليتنا جميعاً.
حفظ الله وطننا شامخا عاليا، رمزا للأمن والهدوء والحب والتفاني، في ظل شريعة رب العالمين، وسنة سيد المرسلين، في طريق التنمية الحقيقية الصالحة، يقودنا فيها ولي أمرنا خادم الحرمين الشريفين، وسمو ولي عهده الأمين، وسمو النائب الثاني، وحكومتهم الرشيدة، والله هو الهادي لكل خير، والحمد لله أولا وأخيراً.
|