Friday 26th March,200411502العددالجمعة 5 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

لما هو آت لما هو آت
لحظة أمل!
د. خيرية السقاف

كنت قد تغيبت عن مشهد نمو طفلة جميلة حلّت ضيفة على أسرة صديقة...
وفي الأسبوع الذي مرَّ، زرت أمَّها حين وجودي في مدينة جدة؛ لحضور مؤتمر تربوي...
صافحتني الصغيرة، وهي تقبل ببشاشة وسعادة، فأنكرتها حيث لم أرها منذ مدة طويلة، من؟ وهي تحمل على كتفيها حقيبة، وترتدي العباءة، ابنة الثامنة، ولمَّا عرفتها بادرتها بالحضن والتحايا، وفضفضت لها عن سعادتي بها شامخةً في وقار، له بُعد خفيّ، إذ حسبتها ترتدي العباءة لتضفي جمالاً إلى جمالها، وهي تلعب مع أقرانها..., غير أنَّها وهي تعود في التوّ لتوديعي؛ إذ ربَّما لن أراها لسنوات أخرى، إذ علمت أنَّها ذاهبة إلى المدرسة، أيُّ مدرسة في وقت ليس وقت دراسة؟...، فإذا بها تثلج صدراً مُلئ بالجروح والكُلُوم، وتعبَّأ بالأحلام والأماني، وعشَّش فيه اليأس وتوالدت الحيرة، وهي، ابنة الثامنة مظهراً ومخبراً، تُذْهب عنه الألم، وتمحو عنه الحيرة، وتسدّد له الحلم، وتروي فيه شجر الأحلام. عرفت منها أنَّها تذهب لمدرسة تحفيظ القرآن، وفيها تتلقى علومها، وهي الآن تحفظ وتجيد قراءةً وتجويداً وتفسيراً ثمانية عشر جزءاً من كتاب الله المبارك،... وتعي تماماً مفهوم الحجاب، والستر، والوقار، والاحتشام...
عرفت منها، أنَّ مدرستها تتعلم فيها ليس فقط كيف تتلو كتاب الله، بل إنَّ معلماتها يكوِّنَّ لديها الخبرات المختلفة التي جميعها تنصبّ في تكوين الاعتقاد وغرس القناعة وتنمية الإحساس، وترسيخ الانتماء إلى أنَّ جمال المرأة المسلمة في وقارها، وأن هناك حدوداً لها عليها ألا تتجاوزها، وحدوداً عليها أن تفعل. وأشدّ ما أثلج صدري أنَّ أمَّها أفهمتها أنَّ لون الحجاب ليس إلا عادةً، بينما الحجاب ذاته ضرورة مظهر للمرأة المسلمة...
ثمَّة ما قالته لي الصغيرة المباركة لم أسمعه ممَّن تخطيْنها عمراً وخبرةً ومعرفةً؛ إذ قالت: أنا مسلمة، ولا يعني إسلامي أن حجابي مسؤوليتي، إنَّ مسؤوليتي أن أكون مسلمة في كلّ ما أقول وأفعل. سألتها أن تشرح لي إضافات على ما تقول من القول: فأوجزت: عندما أفكر في أني مسلمة، عليَّ أن أعمل بكلّ ما أتعلّم من القرآن، ولا أنطق باطلاً، ولا أعمل سوءاً... وعندما طلبت إليها أن تمثّل لي، قالت: عليّ أن أبدأ الناس بالسلام، وأن أذكُرَهم مِن خلفهم بالحسنى... وعندما يبكي أخي جائعاً وبيدي ما أطعمه أو أسقيه أفضِّله على نفسي.
كلّ ذلك شرحته بلغة سليمة، وبنظام فكر واعٍ... فاق وتجاوز عمرها...
شعرت لحظتَها بما أزاح عني كدر الوهم، وزادني ثقةً في أن أؤكد للأمهات والآباء أنَّ ما يزرعونه سوف يحصدونه، وأنَّ الأبناء هم العمل الصالح في الدنيا والآخرة، وأنَّنا في حاجة ماسّة إلى مثل هذه النوعية من الوالدين، والمعلمين والمعلمات...
فبارك الله لوالديها، وثبَّتها... وجزاهم عنِّي كلَّ خير؛ إذ أفاضا عليّ الكثير من السعادة في الزمن الذي تسلبها جزئيات كثيرة منثورة في دروبنا، ولعلَّنا نتساءل: إن كانت بعض الأسر قادرة على تنشئة جيل مسلم متمكِّن واعٍ على هذا النحوّ، مع توافر المدارس التي تعينها على تحقيق أهدافها هذه، فلمَ لا يستطيع الجميع ركوب هذه الجادَّة بجدية وعزم؟!


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved