ذكر بعض الكتاب أن هناك تجنيا على دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، ونقل قول أحدهم: (فالمقاومة من خلال الانتحار هو فكر وهابي) وذكر أن جماعة الإخوان المسلمين، هي التي تتبنى ذلك في فكرها وفتواها.
فأقول وبالله التوفيق:
أولاً: دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب هي دعوة إلى دين الله تعالى ليست فكراً إذ الأفكار من صنع البشر، وتتغير حسب فكر المفكرين، وأما الدعوة إلى دين الله فليست أفكاراً وإنما هي مبنية على أصول شرعية، قال الشيخ بكر أبو زيد في كتابه معجم المناهي اللفظية، (وكيف يصح أن يكون الإسلام، ومصدره الوحي (فكراً) والفكر هو ما يفرزه العقل، والإسلام بوحي المعصوم، والفكر ليس معصوماً) وهذا الذي قاله الشيخ بكر، قاله ايضا شيخنا ابن عثيمين رحمه الله.
إذا: فوصف دعوة الإمام محمد أنها (فكر) خطأ، كما أو وصفها (بالوهابية) خطأ أيضاً.
ثانياً: اتهام دعوة الإمام محمد بالعنف، هو من غارات الجياع، الذين ليس لديهم بينات على دعاواهم ،قال الإمام محمد بن عبدالوهاب (اجلبوا علينا بخيل الشيطان ورجله، منها: اشاعة البهتان بما يستحي العاقل أن يحكيه، فضلا عن أن يفتريه) انظر مؤلفات الشيخ 6-36 وقال الشيخ عبد اللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ في كتابه (مصباح الظلام في من كذب على الشيخ الإمام) حيث قال: باب الدعاوي والقول بلا حجة أوسع من المشرق إلى المغرب، يمكن كل مبطل أن يقول في خصمه ما شاء إن لم يمنعه مانع، أو يزعه وازع من سنة أو قرآن، أو رهبة أو سلطان، وإذا خلا الرجل من ذلك، وخلع ربقة الحياء والدين فليصنع ما شاء كما في الحديث (إذا لم تستح فاصنع ما شئت).
وقال صاحب كتاب الصراع بين الإسلام والوثنية عن أولئك الذين ينتقدون دعوة الإمام محمد بدون علم، ما نصه (نطلب إليهم جميعاً أن يسندوا شيئا من هذه الاقوال عن أحد الوهابيين (قوله: الوهابيين، تنزلاً مع الخصم، لا رضا بهذا الاسم) لا نطالبهم أن يسندوه عن الشيخ محمد، ولا عن عالم من علمائهم، فالمسألة أسمى من أن نطلب إليهم ذلك بل إننا نطالبهم أن يسندوه عن جاهل من جهلائهم (أي: عامي من عوامهم) وإلا فالكذب يقدر عليه اقل الناس عقلاً وعلماً وفهماً، وأجرأ الناس على الكذب هم أقلهم ديناً وعلما وفهما وحيلة، وإذا استعان الخصم على خصمه بالكذب والاختلاق فقد لجأ إلى ركن غير وثيق) ا هـ.
وقال ايضا (ولو قبلت الدعاوى بلا بينات، لكان سهلا على كل من انقطعت الصلات بينه وبين الحياء والدين أن يتكذب، وان يتقول، وأن يزعم على الشمس بأنها جرم مظلم أسود، وعلى الليل الأسود بأنه نور مشرق، وكان سهلا عليه أن يقول للسماء: ما أسفلك؟ وللأرض: ما أرفعك) ا هـ.
ثالثاً: الحقائق الموثقة والبينات الناصعة تدل على أن الإمام محمد بن عبدالوهاب من أشد الناس إحجاما وتورعا وتوقفا واحتياطا فهو -مثلا- لم يكفر من ترك جميع أركان الإسلام عدا الشهادتين، وقال (لا نكفر إلا ما أجمع عليه العلماء كلهم وهو الشهادتان) انظر مؤلفات الشيخ 4-9 بل حتى المسلم الذي عبد الصنم، ولم يوجد من ينبهه لم يكفره كما في قوله (وإذا كنا لا نكفر من عبد الصنم الذي على قبر عبدالقادر، والصنم الذي على قبر أحمد البدوي، وأمثالهما، لأجل جهلهم، وعدم من ينبههم) انظر مؤلفات الإمام، القسم الثالث.
وقال الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ في كتابه مصباح الظلام (وشيخنا رحمه الله لم يخرج في مسألة من الأصول والفروع عما عليه أهل العلم الذين لهم لسان صدق في هذه الأمة، ويطالب هذ المفتري بتصحيح دعواه في مسألة واحدة من مسائل الدين) أ ه.
رابعاً: الإمام محمد بن عبدالوهاب وأحفاده وتلامذته وأئمة الدعوة وعلماؤها تصدوا للتيار التكفيري المبني على الغلو، والجهل بالنصوص الشرعية، ومن أمثال ذلك: ما وقع في عام 1264هـ من بعض الناس حيث كفروا أحد المخالفين، وكفروا ما لم يكفره وكفروا الحكام وتكلموا في مسائل الموالاة والمعاداة والمكاتبات مع الكفار، وخاضوا في ذلك بغير علم، وبنوا عليه أحكام التكفير عند ذلك قام أحد ائمة الدعوة- وهو الشيخ عبداللطيف بن عبدالرحمن آل الشيخ- فكشف شبهتهم، ودحض ضلالتهم وأخبرهم ببراءة- جده الإمام- منهم ومن منهجهم.
(ولولا خشية الاطالة لنقلت ذلك بالتفصيل) والمقصود أن دعوة الإمام محمد ترفض العنف، والتكفير بدون دليل والتفجير، ونحو ذلك فكيف يتجرأ بعض الناس على قلب الحقائق الموثقة ويختلق أوهاماً لا أصل لها؟
خامساً: ما ذكر: أن بعض أصحاب العنف والتفجيرات سعوديون، وبناء على ذلك فهم يمثلون دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب، هذا القول غير صحيح إطلاقا، بل لو امتثلوا دعوة الإمام محمد لكانوا أبعد الناس عن الغلو والتطرف إنما الذي يمثل دعوة الإمام محمد هم كبار علمائنا ومن سلك طريقهم.
أما أولئك الشباب التكفيريون فقد تأثروا بفكر سيد قطب وغيره من رموز جماعة الإخوان المسلمين وقد سمعنا ورأينا عبر التلفاز أحد التكفيريين يوضح أنه تأثر بكتاب في ظلال القرآن لسيد قطب، وما فيه من طوام، فكيف يقال إنهم تأثروا بدعوة الإمام، وقد نشر أحد الأساتذة بجامعة الإمام مقالا في صحيفة الجزيرة يبين فيه تغلغل فكر سيد قطب على بعض طلاب الدراسات العليا بالجامعة عن طريق بعض الاساتذة ولا ينبئك مثل خبير.
ونحن نرى بعض الدعاة المتطوعين ممن شغفهم منهج الإخوان المسلمين بعد فراغهم من المحاضرات والكلمات الرسمية التي دعوا إليها، يجتمعون مع الشباب في المكتبات والاستراحات ويوصونهم بقراءة كتب سيد قطب.
فمن المسؤول عن دعوتهم، وإطلاق العنان لهم، وما نتيجة ذلك؟ إن هذا الإهمال- الذي نرجو أن تطاله يد الاصلاح قريباً- هو سبب الغلو والعنف.
أما دعوة الإمام محمد بن عبدالوهاب فهي إحياء لما جاء به الرسول صلى الله عليه وسلم، وتسير على منهج السلف الصالح وقد خرّجت ولا تزال تخرّج علماء أجلاء نفعوا البلاد والعباد وهي بريئة من أفعال السفهاء أصحاب الفكر التكفيري، ولكن كما قيل:
غيري جنى وأنا المعاقب فيكم
فكأنني سبابة المتندم |
( * ) حائل |