عبق الرائحة ينتشر في المكان فيعطي معنى الحياة، ينبعث من تلك الزهور المغروسة بشكل منظم متنوعة في ألوانها أعطت جمالاً آخذاً بذلك التنوع الذي يجذب كل إنسان نحوه، إنه مصدر الإلهام وإرسال النفس إلى الأحلام تظل العين في حيرة وجهد لملاحقة ذلك الجمال، فلا ترويها نظرة واحدة بل تمعن وتطيل البصر بحثاً عن البهجة والسعادة إنها غريزة البشر.تتناثر الأجساد فوق مساحة الحديقة ما بين منطرح وآخر منهمك في ممارسة لعبة تجدد نشاطه وحيويته وتجعله يبدد همومه وشقاءه، ويماثل تلك الأشجار في حركتها ويستنشق رائحتها التي تجدد في داخله الإقبال على الحياة بإصرار وتغيير روتينها القاسي، جال ببصره في أنحاء الحديقة ثم توقف عند ذلك الرجل الذي يجلس وحيداً عند ممر يؤدي إلى وسطها ممسكاً عصا في يده، ويلبس نظارة سوداء لقد بدا أنه ضرير هكذا توحي جلسته تقدم إليه وفي أغوار نفسه رغبة عارمة في معرفة شعوره وبما يفكر وهو منعزل لوحده لا يرى أي شيء حوله، بادره بالتحية ثم استأذن في أن يجلس بجانبه وطرح عليه سؤالاً، حيث سأله لماذا يجلس منعزلاً في هذا الجزء من الحديقة؟.. ردَّ على الفور كمن يريد أن يسترسل لأنه وجد من يعطيه الاهتمام لكي يعبر عما يخالج نفسه: إنني أسكن بجوار هذه الحديقة منذ فترة طويلة، يحضرني بين حين وآخر أحد أبنائي ويتركني لوحدي ثم يعود إليّ مرة أخرى بعد أن أمضي بعض الوقت كانت الكلمات تخرج منه وفيها مسحة من الألم الذي يعتصره.حاول أن يبدي شيئاً من التعاطف نحوه فقال إن المكان جميل ويمكن أن تجد أي إنسان يشاركك الحديث، فرد أما في مثل حالتي يبدو أن الأمر شبه مستحيل فمنذ عهدي بهذه الحديقة لم أتحدث سوى مع رجلين أنت ثالثهما فقال لماذا؟ إنهم يعزفون عني لسبب أنت تعرفه وهو إنهم يريدون أن ينطلقوا في هذا المكان بحرية بدون أن يقيدهم شيء، يريدون أن يستمتعوا بمناظره الخلابة، أما أنا فلا أستطيع سوى شم رائحة الزهور التي تغيب عني أشكالها وألوانها، وهذا هو عزائي الوحيد، خرجت تلك العبارة بنبرة حزينة تبعث على الشفقة.. إنني أتوق إلى مشاهدة ذلك الجمال الذي هو من حولي يحيط بي من كل اتجاه ولكنني محروم منه، فأرجو منك أن تنطلق وتستمتع بوقتك وتتركني وشأني إن هذا قدري.
|