الجانب النفسي عند الطفل المعوق ذو أهمية بالغة، لأن العطاء والإنتاج في أي مجال، ومن أي كائن حي مرتبط أشد الارتباط بالعامل النفسي، ولاريب أن شعور الطفل المعوق بتفاعله مع غيره من الأطفال الأسوياء من أهم الاحتياجات التي تلزمه، وفي مقدمة هذه الاحتياجات: حقه في أن يحصل كما غيره من الأطفال على التعليم، وهذا يستدعي أول ما يستدعي ضرورة دمجه بالمدارس العامة بعد اتخاذ أسباب الحيطة والاستعداد، وتوفير كوادر الإشراف، وأدوات التأهيل، ليس في حق الطفل المعوق فحسب بل وفي حق الطفل السليم وفي حق المعلمين والإداريين الذين سيقومون بالتعامل المباشر مع الطفل المعوق، والأهمية ذاتها نجدها في العمل على تثقيف أسرة المعوق أيضاً، وتوفير المكان المناسب الذي يسهّل له تلبيه حاجاته الضرورية والتربوية بسهولة ويسر، وكل ذلك في مسعى لتأهيله نفسياً ليحب المدرسة والمدرسين والزملاء أولاً ثم ليحصل على الفائدة المرجوة، ويأخذ فيما بعد دوره الطبيعي في المجتمع مشاركاً وفاعلاً ومنتجاً، يتعايش مع واقع إعاقته من دون وجل أو تردد أو عجز.
وفي المملكة العربية السعودية مؤسسات متخصصة تقوم بعدد من الأنشطة الأخرى بجميع مناحيها العلاجية والتقويمية والتأهيلية، تلك الأنشطة تلقى كل رعاية واهتمام من جميع مسؤولي الدولة وعلى رأسهم خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز حفظه الله وسمو ولي عهده الأمين صاحب السمو الملكي الأمير عبد الله بن عبد العزيز وصاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز ثم أولئك الرجال الذين قدموا ويقدمون الجهد والتوجيه والمتابعة في مجال رعاية وتأهيل المعوقين بما يتماشى وتعاليم شريعة الإسلام السمحة، ومبادئ المساواة والرحمة والإنسانية.
(جمعية الأطفال المعوقين) من أهم وأكبر صروح الخدمات الإنسانية في مملكتنا الغالية، تحمل بكل جدارة واعتزاز تلك المسؤولية الإنسانية الجسيمة برعاية خاصة وعمل دؤوب من صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن سلمان بن عبد العزيز رئيس مجلس الإدارة، وأمين عام الهيئة العليا للسياحة، وبتوجيهاته الكريمة قدّمت الجمعية بمرافقها المتعددة وما زالت تقدم في كل يوم الصورة البهيّة المشرقة.
وعلى سبيل المثال لا الحصر نجد أن من واجب العرفان أن نذكر بعض محاسن الأعمال الجليلة التي قامت بها الجمعية في مسعى خير لدمج الأطفال المعوقين بالمدارس، وما وراء ذلك من جهد ومثابرة وصبر، فاستطاعت خلال زمن قياسي أن تنجح في دمج 500 طفل معوق إعاقات حركية وذهنية بالمدارس العامة والأهلية وهذا بذاته عمل غير مسبوق، ولنا أن نتصور صعوبة تحضير الكوادر الإدارية والفنية والتأهيلية القادرة على التعامل بمعرفة وخبرة مع هذا الشأن، وأيضاً توفير المكان المناسب من سكن وعيادات ومشافٍ ومراكز معالجة فيزيائية.... إلخ، وهي إنجازات كبيرة تحققت على أرض الواقع، وعادت بالخير على المعوق وأسرته وعلى المجتمع أيضاً، وستكون النتائج البعيدة لهذا السلوك أهم وأكثر سطوعاً مما يشجّع على مواصلة السير في هذه الطريق بدعم من ولاة الأمور وأهل الخير للوصول إلى أقصى طاقات استيعاب الأطفال المعوقين في المدارس لينالوا حق التعليم في أجواء حافزة على العطاء والإبداع، وهو المفتاح لحلول كثيرة تساعدهم على المضي في الحياة وتساعد أسرهم ومجتمعهم على تجاوز نظرة الإشفاق عليهم، إلى كونهم أعضاء فاعلين في الجهود التنموية، وكل ذلك يعكس حقيقة وصدق الرسالة ونبل الهدف والغاية التي تنطلق منها وتأمل الوصول إليها الجمعية في مواجهة مسألة الإعاقة.
وعلى هذه المدارج (العلاج والحماية والتأهيل) لم تأت النجاحات من فراغ! بل هي محصلة خمسة عشر عاماً من العمل الجاد والدؤوب في مراكز الجمعية الخمسة المنتشرة في (الرياض ومكة المكرمة والمدينة المنورة وجدّة والجوف)، ومن المفيد أن نذكر بكثير من التقدير أن نجاحات الجمعية في دمج الأطفال المعوقين بالمدارس إنما تمَّ بعد استكمال برامج علاجهم وتأهيلهم في مراكز الجمعية المتخصصة ثم التعليم حتى سن الثانية عشرة.
ولنا أيضاً أن نتابع مسيرة الدمج في مراكز الجمعية الأخرى، حيث يمر دمج الأطفال المعوقين بعدة مراحل، ومن المؤكد أن هذا العمل لا بد أن يتعرض كأي عمل وإنجاز آخر إلى عثرات أحياناً وصعوبات وتحديات أحايين أخرى، لكن عون الله سبحانه، والإصرار ونبل المقصد على النجاح في أداء المهمة وتحقيق الرسالة يبقى الأمل والحافز من أجل مستقبل أفضل لهؤلاء الأطفال، وما زالت الجمعية تمارس نشاطها في عملية دمج الأطفال المعوّقين بمدارس التعليم العام والخاص وتعتبر مراكز الجمعية هذه هي محاور الدمج الرئيسة في المملكة، ولم تأل الجمعية جهداً في إقامة أنشطة وندوات توعية وتعليم وإرشاد تصبّ كلها في مصلحة المعوق وأسرته والمجتمع، وقد كانت الندوة التي أقيمت بمقر الجمعية بالرياض في 2-3-2004م تحت عنوان (المستجدات في عالم الإعاقة ودور الأسرة في التعامل معها) والتي حاضر فيها نخبة من أطباء الأطفال وأخصائيي التربية الخاصة، وخبراء تأهيل وعلاج المعوقين، وحضرها عدد من المتخصصين والمتخصصات في مجال تأهيل المعوقين والتربويين ومشرفي التربية الخاصة، وأخصائيي العلاج الطبيعي والعلاج المهني وعلاج عيوب النطق، وكذلك الأخصائيات الاجتماعيات وأولياء الأمور، واحدة من الأنشطة التي تستحق التقدير.
ولا يقتصر دور الجمعية على دمج المعوقين بالمدارس العامّة على الرغم من أهمية هذا الأمر، بل هي متعددة الأنشطة، فالجمعية تقدم مراكز خدمات علاجية واجتماعية مجانيّة، كما تضمّ مجمعات سكنية للأطفال تستقبلهم وأمهاتهم فيها خلال فترة العلاج، وتقدم الجمعية خدمات لمراحل التعليم بدءاً من مرحلة الطفولة المبكّرة إلى التمهيدي فالابتدائي إضافة إلى التدريب داخل مراكز الجمعية والرعاية النفسية، وإن هذه الخدمات الإنسانية الجليلة التي تقدمها الجمعية بمراكزها المتعددة ما كانت لتؤتي أكلها لولا أولئك الجنود الشرفاء الممتلئة قلوبهم إيماناً وصدقاً وسموّاً، والطيّبة نفوسهم، والكريمة عطاءاتهم، الذين يبذلون كل جهد وصبر في سبيل خدمة أبناء هذا الوطن تحقيقاً لرسالة ديننا الإسلامي العظيم، وإحساساً نبيلاً بقيمة الإنسان.. وهؤلاء الجنود هم ولاة أمرنا الذين تخرجوا من جامعة صقر الجزيرة وموحد المملكة الملك المؤسس عبد العزيز آل سعود رحمه الله إلى أن تطورت الرعاية مواكبة للمستجدات في مختلف أنحاء العالم في عهد مولاي خادم الحرمين الشريفين الملك فهد بن عبد العزيز أطال الله في عمره، وسمو سيدي ولي عهده الأمين، وثالث العقد رجل الخير والإنسانية سيدي صاحب السمو الملكي الأمير سلطان بن عبد العزيز، وليس مستغرباً ماوصلت إليه الجمعية من رقي وإنجازات فالشيء من معدنه لا يستغرب.
الرياض - فاكس 014803452 |