بإمكاننا أن نرصف قائمة من الشتائم والسيئات حول برنامج (ستار أكاديمي) طولها شبران أو ربما متران. ولكن تلك القائمة الممتدة لن يكون لها علاقة بالواقع على الإطلاق، ولن يكون لها علاقة بسيل المكالمات الهاتفية التي تشارك في هذا البرنامج، ومن السعودية تحديداً (بالملايين). أطرف ما تلقيته في هذا المجال طرفة وصلتني عبر الهاتف الجوال جاء فيها (الجزائر بلد المليون شهيد، والعراق بلد المليون نخلة، وموريتانيا بلد المليون شاعر، والسعودية والكويت بلد المليون متصل في ستار أكاديمي).
ونحن ما برحنا نعالج هذه الظاهرة ضمن الأدوات القديمة المعهودة المتضمنة الزجر والنهر والتوبيخ والتهديد والمنع والعصا الملتهبة الحمراء، تلك الطريقة التي أثبتت فشلها (إلى الآن على الأقل في احتواء تلك الظاهرة والسيطرة عليها)، بدليل أن الواقع الذي أراه وأسمعه يقول بأن الفتيات التففن حول قوالب الحلوى للاحتفال بفوز المشارك السعودي في المسابقة، وما برحت الهدايا تتقاطر على المشاركين، ناهيكم عن ملايين المكالمات الهاتفية الداعمة والمؤيدة.
هذا هو الواقع، وهذا ما يحدث أمام الشاشات وفي ردهات المنازل، مهما حاولنا أن نفر بداخل كهوف اللغة وسراديب السراب، فقد استطاع هذا البرنامج أن يصنع حالة تجييش شعبي كبيرة بين الكثير من شرائح الشباب والمراهقين، حتى بات يمثل ظاهرة غريبة تحتاج إلى رصد ومتابعة وتحليل اجتماعي موضوعي ورصين من قِبَل جهات أكاديمية تمتلك الأدوات القادرة على رصد الظواهر الاجتماعية وتحليلها وتفسيرها وفق ضوابط علمية دقيقة ومدروسة. ولعل هذه الأصوات التي كانت تتحمس وتصوت للمشاركين هي أصوات الذين لم يستمع إليهم أحد، ولم يستوعب حماسهم وتوهجهم سياق، واستطاع هذا البرنامج عبر فوهات الهاتف أن يستمع لأصواتهم ويحولها إلى نتيجة (أياً كان نوع النتيجة). لقد استمدت هذه البرامج جماهيريتها الساحقة كونها سنة أولى (ديمقراطية)، شكل بدائي استهلاكي يكتشف فيه الشباب أن أصواتهم تحولت إلى فعل يتراكم ويصل إلى الفوز، أصوات تستثمر، وليست مجرد كلمات تتردد في الحلوق بلا مجيب.
|