يبدو أن الصيف - بقضه وقضيضه وقيظه- يحث الخطى قدوما لذا يتوجب اعلاميا من الآن استباق الأحداث للفت الأنظار إلى ظاهرة (الموت عطشا). إنها ظاهرة مؤسفة حقا وتنبئ عن تكيف بيئي قاصر بل إنها مؤشر من مؤشرات الخلل البيئي المتغلغل في جوهر الثقافة وما حقيقة جهل الفرد إلا جزءا من جهل المجموع ، الأمر الذي جعل ويجعل من البيئة التي نقصدها لغرض الترفيه عن ذواتنا قاتلا بلا رحمة أو هوادة.
العجيب أن تراثنا العربي - بفصيحه وعاميه - مليء بقصص (الوعي البيئي) والحث عليه كما نجد ذلك شائعا في توصيف أيام القيظ وشدة حر الصيف الذي شبهه تحذيرا بحد السيف، وقبل ذلك نهيه عليه افضل الصلوات والتسليم عن النوم في مسالك الأودية حتى في أوقات خلو السماء من السحب، علاوة على ما هنالك من عبر محورها عبور (المفازات) والصحارى القاحلة، ولنا عبرة في هذا المقام قصة اجتياز خالد بن الوليد - رضي الله عنه - بجيشه إحدى المفازات اللاهية، وما اتخذه من الأدلاء - جمع دليل - وما فعله من الاحتياطات اللازمة للحيلولة دون عطش الجُند وهلاكهم بل يكفينا من تراثنا العامي - قريب العهد - شيوع قصص الجوع في بلادنا ومع ذلك ندرة روايات الموت والهلاك عطشا وما ذلك إلا دليل على حسن تعامل أجدادنا الأمثل مع بيئتهم وتقديرهم لسطوتها الغالية بإذن الله، ومن المعلوم أن أشهر المفازات أو الصحاري القاتلة توجد في أمريكا وعلى وجه التحديد في ولاية كاليفورنيا وهي ما يعرف بوادي الموت (the death valley)، ورغم ما يحويه عبور مثل هذا الوادي من تهلكة فنادرا ما يحدث ذلك لأسباب محورها الوعي بالبيئة حقا قالت العرب:(قتلت أرض جاهلها).
|