غضب بارق على أفق ضبابي
مطر سخي على تشققات الجدار
أرواح تتوق الانعتاق
فهل آن لنا أن نميز بين المخالب وبين نعومة قفازات المصافحة أمام الكاميرات؟
هل يخلع هذا الاستشهاد المشرف للشيخ ياسين العمى السياسي عن عيوننا لنرى أبعد من انحطاط الحاضر، ونخطط لمستقبل أكثر كرامة، أوعلى الأقل أقل تدهورا؟
هل ليس لنا إلا أن نموت لنستحق الحياة؟
أليس كل البشر يموتون والقليل منهم حقا يحيا؟
بمجرد سماع الخبر وقبل أن تبلغ شمس ذلك النهار الحالك المشتعل ضحاها اندلعت جموع من الشعب الفلسطيني،وتحركت وهتفت بحياة الشيخ ياسين في يوم استشهاده فما يزيد على مليونين في غزة وحدها على أرض فلسطين شاركوا دفعة واحدة في تشييع تلك القامة الفارعة. وما يزيد على ذلك العدد من المحيط إلى الخليج خرجوا من خدورهم وصمتهم وخجلهم ولامبالاتهم ويأسهم ورجائهم أو خوفهم على حالة الشلل والكساح ولين العظام علهم يلحقون بتراب قدميه وهو ممشوق منتصب الهامة يخوض المعركة دفاعا عن الحق من تلك الصهوة العالية على الكرسي المتحرك.
من مشرق الأرض إلى مغربها وليس فقط من المغرب إلى المشرق العربي ماج الفضاء بآلاف الرسائل الصوتية والمرئية والمكتوبة عبر البث التلفزيوني والإنترنيت والبريد الإلكتروني ورسائل الجوال بذبذبات تلك الأرواح والحناجر وهي تهتف بحياة الشيخ أحمد ياسين في يوم استشهاده.
هذه ليست مجرد أخبار عن ردة الفعل على تلك القتلة الوحشية للشيخ الجليل التي هنأ العدو نفسه عليها، ولكنها تباشير بداية جديدة لحياة لا يحيق بها الانكسار، ولا يلاحقها سراب التسويات الناقصة، لو أجدنا استلهام هذه الشهادة الشاهقة.
لم تتوقف رسائل الجوال من صباح الإثنين يوم 2-2-1425هـ التي تعددت في تعبيرها عن مختلف المشاعر النبيلة والمتألمة إزاء استشهاد الشيخ ياسين متعه الله بجنة النعيم في آخرته، كما أنعم عليه بنعمة البصيرة والإباء في حياته. فتراوحت أشكال التعبير عن هذا المصاب العظيم بين لوعة الفقد لهذا الرمز السامق وبين مشاعر القلق على مستقبل قد يحارب في استلهام ذكراه وبين مشاعر السخط على حالة الهوان العام الذي وصلنا إليه، فصار العدو لا يتورع عن الاجتراء على إطفاء حياة هذا النجم الوطني في عمره الطاعن ليطبق علينا الظلام. وكان منها تلك الرسائل القصيرة الحارقة التي تتساءل بحس يتأرجح بين نبرة تنضح بسخرية لاذعة وبين نبرة تحاول أن تتشبث ببارقة أو بالأحرى بقشةأمل قد تخرج بها القمة العربية بغير بيانات الشجب والإدانة.
ونظرا لتحول شاشة الجوالات هذه الأيام إلى نوع من جدارية للتعبير عن الرأي ونظرا لما حملته تلك الرسائل من أسئلة تستحق التفكير فيها بصوت مشترك فساقوم بقراءة بعض منها عل يكون فيها قبس.
(شيخ قعيد أيقظ الأمة ونال الشهادة فمتى يتحرك صحيح البدن قعيد الهمة)؟
(كيف تتحرك الأمة إذا أصرت أن تكون عمياء لا ترى طريقها، خرساء لا تريد أن تتحمل تبعات التعبير عن رأيها، صماء لا تسمع نداء الواجب)؟.
(كان الشيخ شعلة نشاط في دفاعه عن مبادئه والتمسك بها وهو في السبعين فهل يمكن أن نجرؤ بالسير على خطاه ونحن في شرخ الشباب أم أن أقدامنا لا تحملنا أبعد من متعنا الشخصية الزائلة)؟.
(سعادة العدو بنجاحه في اغتيال الشيخ ياسين ليس مجرد تعبير عن السادية الصهيونية، بل هو تعبير عن ماشوسية بعض العرب ممن لا يخجلون من مد أيديهم بالتطبيع إلى جحر الثعابين مرتين).
(هل وقتت إسرائيل مقتل الفتى الذي أضاعوا قرب موعد انعقاد القمة لمزيد من إحراج القادة أمام شعوبهم ولحرق أعصاب الشعوب بتعميق شعور العجز)
(هانت علي دمعتي يوم الإثنين مهونة تحسب حساب المعزة)
(وشلون ما أرخصها على الشيخ ياسين اللي وفاته كل مسلم تهزه)
(موته يهز المسلمين الميامين ماهوب اللي سكن بس وسط غزة)
(ياونتي يوم موتوا الشيخ اللي كلمته ماتصير اثنين
كنهم بغوا يقتلوا الرجولة في كل نفس ماتهون)
(أقيمت صلاة الغائب على الشيخ ياسين في المسجد المكي والمدني وفي بيوت الله بالشرق والغرب).
(وإن اغتالوا الشيخ فإن الله ختم له حياته الكريمة بالشهادة واستشهاده يخلق ألف ياسين فينا).
وهكذا يبدو واضحا أن غياب الشيخ ياسين لا يقل قوة وبهاء عن حضوره في قدرته وطاقاته الكامنة والسافرة على انتزاع الحرية من براثن الطغيان لكل الشعب العربي وللأمة الإسلامية ولكل الأحرار والمؤيدين للحق العربي من مختلف القوى السياسية والمدنية بالمجتمع الدولي في هذه اللحظة المفخخة بتحالفات الطغاة.
فأي حياة ورعة ومتمردة عاشها ذلك الشيخ الشاب تلك التي استطاعت ان ترعب الأعداء بتقشفه ومرضه بقدر ما كان يكسر شوكتهم ويذل غرورهم بصلابته وصموده من مقعده على ذلك الكرسي المتكبر على جبروت الاحتلال.
يقول العرب: رعى الله الشدائد
فقد عرفتني العدو من الصديق
ونقول: شكرا للعدو الذي لم يكن بطبيعة الذئب التي أيدناه فيها علينا وبطبيعة الضحية التي ارتضيناها منه لأنفسنا في علاقتنا به إلا ليعلمنا أن العدو ولو قدمنا له حشاشة القلب وتنازلنا له عن ضوء المقل لا يصير صديقا.
ولم يكن الشيخ ياسين يوما ضد السلام ولكنه كان يعلم وقد ترك على أكتاف الأجيال أمانة تلك المعرفة أن السلام لا ينجز إلا من موقع القوة والعزة والكرامة.
هذا ولله الأمر من قبل ومن بعد.
|