هناك شخصيات تشكل جزءا أساسيا من الذاكرة، ومن الوجدان أيضاً، نظراً لدورها المميز في المجتمع، وإسهامها في صياغة الوعي الديني والثقافي لأبناء المكان الذي تعيش فيه، خاصة عندما يمتد هذا الدور خلال أجيال عديدة، وعبر مراحل مختلفة من تاريخ الوطن.
والشيخ محمد علي البليهد رحمه الله، يشكل جزءاً أساسياً من ذاكرة هذه المنطقة ومن تاريخها الاجتماعي، وشاهدا على التحولات التي مرّت بها منذ عهد الملك عبدالعزيز رحمه الله، فقد استقر أوّل الأمر في (ذات الحاج) التي كانت تشكل منفذا حدوديا لدخول الحجاج إلى المملكة في ذلك الوقت، وعمل إماما وخطيبا للمسجد، ثم انتقل مع انتقال المنفذ إلى قرية (البير)، واستقر أخيراً في (حالة عمار) عندما تأسست كمنفذ حدودي حديث ومتطور للمملكة على الحدود مع الأردن، مواصلا دوره كإمام للمسجد، وقد استمر رحمه الله كذلك حتى وافاه الأجل.
وظل طوال حياته قريبا من الجميع، ومحل تقديرهم ومحبتهم، لما تميز به رحمه الله من هدوء وحكمة واعتدال في تعامله مع الناس.
وأنني إذ أستعيد ذكرياتي في ذلك المكان الذي غادرته منذ زمن، أجد من الصعوبة استحضار تلك المرحلة المبكرة، دون أن يكون ذلك مقترنا بحضور الشيخ المؤثر في وعي وذاكرة أبناء المكان جميعا، خاصة عندما نستذكر تلك الأوقات الروحانية في شهر رمضان، وصلاة التراويح، واسلوبه المميز في التلاوة، لقد فقد المكان بوفاته جزءاً من ذاكرته، ورمزاً من رموزه، لكنه سيبقى في قلوب الجميع.. ذكرى عطرة وذكريات تستعيدها أجيال هذا المكان.. سنذكره كلما مررنا بهذا المسجد الذي ارتبط بذاكرتنا بصوته..
رحمك الله أبا بليهد.
|