الدرن الرئوي في مقدمة الأمراض التي يبرز فيها التداخل بين الظروف والعوامل التي تقع على المستوى الطبيعي الحيوي، وتلك التي تقع على المستوى الثقافي المجتمعي، إذ غالباً ما ترتبط الاصابة بجرثومة الدرن الرئوي على المستوى الطبيعي بانخفاض المستوى الاقتصادي والتعليمي، حيث ان 61% من المصابين بالدرن الرئوي بمستشفى الملك سعود للامراض الصدرية بالرياض الذين احتاجوا الى تدخل مهني اجتماعي خلال الأعوام من 1416 حتى1424هـ كانوا يعانون من مشاكل مادية، و15% منهم كانوا يعانون من مشاكل نفسية، و14% كانوا يعانون من مشاكل أسرية، و6% كانوا يعانون من مشاكل مرتبطة بالعمل، و2% كانوا يعانون من اعاقات جسدية. وفي دراسة سابقة للاستاذ محمد السلطان- جامعة الملك سعود عن مرض الدرن على مستوى المملكة ثبت ان غالبية المصابين بالدرن الرئوي ينتمون الى فئات الفقراء والتعليم المنخفض. وهذا يعزز مقولة ان غالبية مرضى الدرن هم من الفئات الفقيرة او دون خط الفقر. لذا نلاحظ ان الاصابة بمرض الدرن الرئوي غالباً ما تصاحب ببعض الاوضاع الاجتماعية والنفسية. إن الاضطرابات الانفعالية، والقلق النفسي، والتوتر العصبي، كثيراً ما تصاحب الاصابة بمرض الدرن الرئوي، التي تفرزها بعض المخاوف التي من أهمها:
1- الخوف من الوحدة التي يتصف بها مريض الدرن الرئوي نتيجة ابتعاد الناس عنه خوفا من العدوى، وهو في اشد الحاجة الى التفاعل الاجتماعي، ونتيجة لذلك فهو ينظر الى المجتمع بمنظار أسود، مما قد يتسبب في رغبة المريض نقل العدوى الى الآخرين.
2- الخوف من احتمال الوفاة.
3- الخوف من طول مدة العلاج واحتمال الفصل من العمل.
4- الخوف من انتقال العدوى الى احد أفراد أسرته.
5- الخوف من الضعف الجنسي.
6- الخوف من عدم اخلاص زوجته وابتعادها عنه.
ومثل هذه المخاوف غالباً ما تؤدي الى انهاك قوى المريض وعرقلة الجهود العلاجية المبذولة إذا لم يكن هنالك تدخل مهني ناجح من قبل الفريق المعالج.
ان الانتظام في تناول العلاج الكيميائي خلال الفترة المقررة أهم عامل - بعد مشيئة الله - يساعد المريض على الشفاء من مرض الدرن الرئوي، بالاضافة الى الغذاء وتوخي سبل الراحة، لأنه كثيراً ما تضمحل ارادة الناقه من الدرن الرئوي من اثر هذا المرض وذلك بسبب ضعف الذات، ويُرى هذا واضحاً في عجزه عن مراقبة نفسه وتنفيذ القيود العلاجية، فهو غالباً ما يعمل ضد توصيات الطبيب، مثل العودة للتدخين والسهر وعدم استخدام العلاج بصورة منتظمة أو تركه نهائياً، مما يؤدي الى انتكاسة المريض، وضرورة ادخاله في برنامج علاجي آخر أكثر تعقيداً وأطول مدة، مما قد يؤدي الى اصابته بالدرن الرئوي المقاوم.
ان انقطاع الدخل في كثير من الحالات التي تصاب بمرض الدرن الرئوي، مع شدة الحاجة اليه في مثل هذا الوضع، قد يؤدي الى ألوان من القلق والضيق والكرب، وقد يشعر المريض بأنه أصبح عبئاً ثقيلاً على ميزانية الأسرة، فيعتريه شعور بالذنب وينطوي على نفس قلقة مضطربة، وقد تعرقل هذه المشاعر إتمام النقاهة أو سرعة الشفاء.
كثيراً ما يهتز موقف مريض الدرن الرئوي تجاه أسرته وتتأثر علاقته بأصدقائه فينتابه الكثير من الحزن والأسى.
ونتيجة للاصابة يزداد اعتماد المريض على اسرته أو من يعوله، فيشعر بأنه يرهقهم ويسبب لهم المتاعب، وقد يشعر انه غير مرغوب فيه، وهذا الشعور يضايقه ويؤلمه.
عند بعض الأسر تضطر النساء للخروج الى العمل نتيجة اصابة عائلها الوحيد، مما يحز في نفس المريض، وقد يرثى لحاله ويحتقر نفسه، ويشعر بأنه تسبب في أوضاع لم يكن يستسيغها من قبل تحت ضغط الحاجة المادية، فقد يشعر بشيء من الذلة والنقص ويحتاج الى الكثير من العون لينظر لعملهن نظرة قبول ورضا.
قد تضطر الأسرة لطلب عون مادي او عيني من مكتب الخدمة الاجتماعية او من أي مؤسسة حكومية او أهلية أخرى، مما قد يتسبب في شعور المريض بالذل والعار والفشل في القيام بدوره كعائل للأسرة.
وقد ينتج عن الاصابة بمرض الدرن الرئوي عاهة مستديمة او وقتية، فإن المريض قد يعاني من مشاكل نفسية خاصة تدور حول الشعور بالنقص للعجز المتخلف.
(*) أخصائي اجتماعي بمستشفى الملك سعود |