يوم 22 مارس من كل عام يوم يجب أن يعرفه كل مَن يحمل هموم المياه، إنه اليوم العالمي للمياه. لقد تم تحديد هذا التاريخ بقرار من الجمعية العامة للأمم المتحدة في دورتها السابعة والأربعين في نوفمبر عام 1992م. وابتدأ العالم يحتفل بهذه المناسبة سنوياً اعتباراً من يوم 22 مارس 1993م. ولكل عام شعار يختلف عن غيره من الأعوام. من أهم الأهداف المرجوة من الاحتفال باليوم العالمي للمياه هو رفع مستوى الوعي العالمي لدى كافة مستخدمي المياه بأهمية المياه وضرورة ترشيد استخدامها والمحافظة عليها. يتم الاحتفاء بهذه المناسبة عن طريق عقد المؤتمرات والندوات واللقاءات العلمية لبحث مشاكل المياه والتفكير الجماعي في إيجاد حلول لها. لماذا الاهتمام العالمي بالمياه؟ ينبع هذا الاهتمام بعد تزايد الطلب على المياه لتلبية كافة الاحتياجات نتيجةً لازدياد عدد سكان هذا الكوكب وتحسن مستوى المعيشة وما نجم عن ذلك من نقص شديد في مصادر المياه في بعض الدول وارتفاع معدلات التلوث في دول أخرى وتضرر العديد من الفيضانات والسيول الجارفة في بعض المناطق. تعتبر دول منطقة الشرق الأوسط ودول أفريقيا من أفقر مناطق العالم بمصادر المياه الطبيعية، ومع ذلك تتوفر لدينا في المملكة العربية السعودية بفضل الله مصادر مياه سطحية وجوفية تفي باحتياجاتنا الحالية، إلا أنها تعجز عن الوفاء باحتياجات الأجيال القادمة إن لم يصاحبها ترشيد مقنن. لأهمية هذه المناسبة وباعتبار المملكة جزءاً من هذا العالم فقد صدرت الموافقة السامية عام 1418هـ على ما اقترحه معالي وزير الزراعة والمياه بالاحتفاء سنوياً باليوم العالمي للمياه. كما صدرت أيضاً في عام 1419هـ الموافقة السامية على مشاركة المملكة دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية في إقامة أسبوع للمياه بالمملكة، يبدأ مع بداية اليوم العالمي للمياه وتُكثف فيه حملات التوعية بأهمية المياه وضرورة الترشيد في استخدامها والمحافظة عليها، وبمشاركة كل من رئاسة الحرس الوطني، ووزارة الدفاع والطيران، ووزارة الداخلية، والرئاسة العامة لرعاية الشباب، ووزارة التعليم العالي، والشؤون الإسلامية والأوقاف والدعوة والإرشاد، والشؤون البلدية والقروية، والتجارة، والصحة، والإعلام، والمعارف، والعمل والشؤون الاجتماعية، والمواصلات، والصناعة والكهرباء، والرئاسة العامة لتعليم البنات، ومصالح المياه والصرف الصحي. جاء التوجيه الكريم بمشاركة هذه الجهات إيماناً بأهمية الموضوع، واستشعاراً بخطورة الوضع. وتم في حينه تشكيل لجنة من الجهات المشار إليها، واجتمعت عدة مرات لمعرفة مدى مساهمة كل جهة في تفعيل هذه المناسبة، تبين من خلالها أن هناك تجاوباً من قِبَل تلك الجهات بهذا الشأن، وأن المشاركين في اللجنة قد أبدوا رغبتهم في توسيع عملها بحيث يصبح مسماها (اللجنة الوطنية لترشيد استخدام المياه). وقد صدرت الموافقة السامية الكريمة في عام 1421هـ على مسمى اللجنة الجديد بحيث تجتمع عدة مرات في العام الواحد لبحث موضوع الترشيد بصفة عامة، وليس في مناسبة أسبوع المياه فقط، وأن يكون لها صفة الاستمرارية على أن تستكمل الإجراءات النظامية لذلك.
تم تحديد شعار اليوم العالمي للمياه لهذا العام من قِبَل منظمة الأرصاد العالمية، بالاشتراك مع الاستراتيجية الدولية للحد من الكوارث التابعة للأمم المتحدة، وشعار هذا العام (المياه والكوارث). ومن أبرز الأهداف التي يرمي إليها اليوم العالمي للمياه هو رفع وإذكاء الوعي بالكوارث المتصلة بالمياه، وتعزيز الالتزام السياسي بتقليل التعرض لهذه الكوارث، وإعداد قاعدة معلومات للمعارف، وتحسين نظم الإنذار المبكر والتنبؤ والاستعداد للكوارث المتصلة بالمياه، وتشمل هذه الكوارث الفيضانات والجفاف والأعاصير المدارية وانجراف الأراضي، والعواصف الثلجية وانهيار الثلوج من الجبال.
أما أسبوع المياه الخليجي فهو الأسبوع السادس على التوالي، وشعاره (تدوير المياه.. ترشيد وتوفير)، وتشارك المملكة شقيقاتها دول مجلس التعاون في الاحتفاء بهذه المناسبة عن طريق برنامج مشترك يضم إعداد ملصق بهذه المناسبة وتوزيع بعض الهدايا الرمزية التي تحمل شعار المناسبة على مديريات المياه والزراعة والجهات ذات العلاقة والمشاركات الإعلامية.
يجب أن نتوقف عند هذه المناسبة ونتأمل هل تمر علينا مر السحاب كغيرها من المناسبات العالمية أم يجب ألا تمر إلا بعد تدبر وتحليل لوضعنا المائي وطرح العديد من الاستفسارات والتساؤلات. هل مصادرنا المائية تفي بمتطلباتنا الحالية والمستقبلية من الناحيتين الكمية والنوعية؟ هل وضعنا المائي مطمئن؟ أيهما أولى: الأمن المائي أم الأمن الغذائي؟ وغير ذلك من التساؤلات التي بالتأكيد تهم كل فرد منا. حقيقة الوضع أننا في أمس الحاجة لاتخاذ تدابير عاجلة تحد قدر الإمكان من الاستنزاف المستمر للمياه الجوفية غير المتجددة، فمعدلات السحب السنوي تفوق كثيراً معدلات التغذية السنوية من الأمطار. يجب ألا تأخذنا العواطف والأوهام بأننا نسبح فوق بحيرات من المياه العذبة تحت سطح الأرض، كما يجب ألا يكون الشك في عدم توفر المعلومات الدقيقة ومصداقيتها عائقاً أمام اتخاذ مثل هذه التدابير الاحترازية. نحن جميعاً لم نر الله عز وجل بأعيننا، لكننا عرفناه بالعقل وتدبر آياته ومخلوقاته. هذا يقودنا إلى تدبر أوضاع المياه الجوفية في المملكة، فجميع الطبقات المائية تعاني من هبوط مستمر في مناسب المياه، وتؤخذ قراءات دقيقة بصفة مستمرة تؤكد ذلك.
أعرف أن اتخاذ قرار بالحد من استنزاف المياه من أصعب القرارات، إلا أن المصلحة العامة فوق كل اعتبار.
* وكيل وزارة المياه والكهرباء لشؤون المياه |