المملكة (كمجموعة سكانية) بمواطنيها والمقيمين فيها تمثل حالة شديدة الحيوية من التفاعل والحركة والنشاط.. وبحكم عملي في النشر والإعلام والإعلان.. ومن موقع المراقب لحركة المجتمع الثقافية والفكرية والتي تظهر في أجلى صورها في وسائل الاتصال.. أستطيع أن أقول ان مطابع دبي والبحرين وبيروت والقاهرة تعمل وبنسبة عالية من طاقتها للقارىء في المملكة.. كما أن كافة القنوات الفضائية العربية غير الحكومية تستهدف المشاهد في المملكة.
المملكة اليوم تمور فوق حركة فكرية وجدلية وتنظيرية اجتماعية ودينية وسياسية نشطة لابد من التعامل معها بحكمة وحنكة.. حتى تقود إلى تحول إيجابي يصب في نمو وتطوير المملكة.
المملكة بمواطنيها ومقيميها تعيش وتشهد مخاض إصلاح عام وشامل بدأ بالحوار الوطني والانتخابات البلدية وانشاء جمعية حقوق الإنسان ومناقشة حقوق المرأة.. مروراً بفرض الفحص الطبي على المقبلين على الزواج.. ومراجعة المناهج وتطويرها.. وفك الارتباط بين العادات الاجتماعية المعيقة للتقدم والتطور وبين فهم الدين على أسس مرنة فيها التآلف والتسامح والتآخي والانفتاح على التعاون.. ونبذ التجهم والعداء والإقصاء والانغلاق.
هذه الحركة التفاعلية العالية للمجتمع تحتاج إلى قيادات تشارك في التوجيه وتتقدم بالحلول المستندة إلى الأصل من الدين والعقل والمنطق والدراسات والأبحاث.. وتمد المجتمع بالأدوات العقلية التحليلية لكل فعل وتصرف وقرار.
لا أقصد القيادات الفردية.. بل المؤسساتية القائمة على فرق البحث والدراسة والاستقصاء والتحليل.. واحتضان المفكرين واصحاب الرأي ودعم إظهار آرائهم ومقترحاتهم.
رصد الحكومة هذا العام ميزانية هائلة للتدريب وتطوير الكوادر البشرية هو استجابة لهذه المعطيات .. وهذا سوف يعني أن ما شاهدناه خلال الأعوام الخمسة الماضية لن يكون إلا التمهيد للتوقعات العظيمة وللقفزات الكبيرة والعالية للامام إن شاء الله.
إن أحداث الحادي عشر من سبتمبر وإفرازاتها.. وظهور منظمة التجارة العالمية، وانطلاق العولمة بكافة أشكالها وصورها.. والثورة الهائلة في الوسائل الاتصالية.. والتطور التكنولوجي المتسارع في جميع المجالات.. كل ذلك أوجد استحقاقات جديدة على المجتمعات.. لا مناص للهروب أو التملص منها.
وإن الانغلاق والانزواء أصبحا ضرباً من الجمود والتقوقع والركض وراء الخيال والسباحة ضد التيار.. فالانفتاح سمة عصرنا الحالي.. وهذا ما يضاعف مسؤولية الدولة ويزيدها صعوبة وتعقيداً في جميع المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية.. فالانفتاح يعني التفاعل اليومي المستمر تأثيراً وتأثراً.. وهذا يستدعي التخطيط والتنظيم والعمل الجاد المستمر من أجل التطوير لتحقيق التفوق أو مسايرة النمو.. أو للحفاظ على الكيان والهوية في أقل الأحوال.. فالوضع العالمي الحالي يستدعي الالتقاء مع العالم لا مخاصمته.. والانفتاح على الحضارات القائم على مفاهيم الإصلاح والتطوير والتغيير.. وهي عمليات مستمرة ليس لها نهاية.
إن الأسرع دون شك يسبق الابطأ وقد يقضي عليه أو يهمشه.. وهذا ما تخشاه الدول النامية من الانفتاح.. فالدول المتقدمة أكثر سرعة وديناميكية.. لذا فإن شرائح عريضة من شعوب الدول النامية تعمل على مقاومة الانفتاح وما يؤدي إليه بكل قواها.. ظناً منها بأن هذه هي الطريقة المثلى للحفاظ على هويتها ومقدرتها.. وهذا ليس من العقل والمنطق بحال من الأحول.
إن المواقف المعلنة في المملكة العربية السعودية تجاه برامج ومجالات الإصلاح والتطوير والتغيير تتفاوت بين مؤيد ومعارض.. وهذا أمر طبيعي .. لكن آراء المعارضين ومبرراتهم وقوة تأثيرهم في المجتمع على البرامج الإصلاحية تحتاج إلى وضعها على المحك وتحتاج إلى الحوار والتفاهم.. وتدعونا إلى مواجهة المعارضين ايجابياً بالدراسة والتحليل والتشخيص والعلاج المستمر.. للتقليل من تأثيرهم والتخفيف من آثارهم لكي لا يكونوا عقبة أمام تأهيل المجتمع واستجابة لمتطلبات المرحلة القادمة.
ان ضعف الاستعداد للتكيف السوي مع التطورات الحادثة والمتغيرات الظرفية الجديدة يصيب الناس بهزات فكرية ونفسية صاعقة أو صادمة.. وحين تقع هذه الهزات تضطرب النفس ويضطرب العقل، ويغدو الناس أشتاتاً وأنواعاً.. فمنهم من يثبت بحكم علمه وخبرته.. ومنهم من يفقد نفسه وهويته.. ومنهم من تهتز يقينياته ومسلماته فيسكت أو يجهر بوسواسه.. ومنهم من يقوم برد فعل مثقل بالغلو والعنف.
إن رفع استعدادات الناس من أجل تهيئتهم للتكيف مع التطورات العصرية المتلاحقة في العلوم والتقنيات والاتصالات والأفكار والعلاقات يهيىء المجتمع لاجتيازها بسلام وفاعلية واقتدار.. ويجنب البلاد الهزات الأمنية الشديدة التي قد تضعف كيانها أو توقف مسيرة التنمية فيها أو تعطلها.
|