* رؤية وتحليل - علي العبد الله:
لايزال الفنان القدير عادل إمام يقدم سينما لا تتناسب مع عصرنا الحالي. فبعد تراجعه في فيلم (طيور الظلام) ها هو يعود من جديد ويختار سقوطاً بشكل آخر. ويبدو أنه أصبح يستمتع في تكرار مشاهد السقوط الفاضحة التي لا تليق به كفنان له تاريخ حافل بالإنجازات والعطاءات.
ففيلمه الذي يعرض حالياً على شاشات السينما واختار له عنوان (التجربة الدنماركية) أثبت وبشكل قاطع أن عادل إمام لا يملك جديداً ليقدمه وأصبح يكرر نفسه في اللَّزمات والحركات سواء كانت إيماءات أو تعابير وجه.
المشهد الافتتاحي
افتتح المخرج (علي إدريس) هذا الفيلم بمشهد مبالغ فيه حيث قدم لنا أبناء عادل إمام الأربعة وهم يتناولون وجبة الإفطار التي احتوت على كميات هائلة من الفول والبيض والخضار..
ولم يوفق المخرج بهذا المشهد لأنه كان بعيداً كل البعد عن أحداث وقصة الفيلم وافتقر لعنصر الجذب.
قصة تافهة
تدور أحداث الفيلم حول فتاة دنماركية تقوم بدراسات حول الثقافة الجنسية في دول العالم الثالث واختارت مصر لإكمال بحوثها العملية. وقد حدث هذا عندما تم ترقية عادل إمام لمنصب وزير الرياضة والشباب واستقبل الوفد الدنماركي الذي كان يضم وبالصدفة أحد أصدقائه الذي هاجر واستوطن في الدنمارك فطلب منه أن يستقبل أخت زوجته.
مشهد السقوط
عندما وصلت هذه الفتاة الدنماركية إلى مطار القاهرة كان الفنان (أحمد راتب) الساعد الأيمن لوزير الشباب والرياضة في استقبالها.. ووضح لنا هذا المشهد أن معظم الرجال الذين تواجدوا في صالة الاستقبال أصيبوا باندهاش وبوادر هوس عند رؤيتهم لهذه الفتاة الشقراء وقاموا بمطاردتها فمنهم من قَبّل السيارة التي تقلها ومنهم من قام بسرد أبيات من الشعر.. ومنهم رجل خليجي أصر على ان يأخذها بالإضافة إلى جنسيات آسيوية وافريقية أخرى.. وكل عبر عن شعوره بطريقته الخاصة.
وأراد المخرج هنا أن يثبت لنا وبشكل سطحي لا يقبله العقل والمنطق أن هؤلاء وبمختلف ثقافاتهم تركوا الأهداف الأساسية التي حضروا من أجلها للمطار وراحوا يلهثون خلف الفتاة الدنماركية حتى وصلت إلى بيت الوزير.
متناسياً هذا المخرج أننا لا نعيش في العصر الحجري وأصبح الآن في متناول الجميع أن يرى ويعيش في أجواء متعة كما يريد!! دون الدخول في شجار مع مجموعة ذئاب بشرية على قطعة حلوى أوروبية لا تملك مقومات الجمال الحقيقية؟!
استغلال نيكول
تحدثت الفنانة اللبنانية نيكول سامبا التي جسدت دور الفتاة الدنماركية عن تجربتها في هذا الفيلم ووصف دورها بأنه مؤثر جداً ومميز.. ولكنني لم أر أي تمييز لها في هذا الدور غير أنها رسخت مفهوم الصورة الذهنية لدى معظم المشاهدين بأن الفتاة التي يختارها عادل إمام للوقوف أمامه تكون مجرد وسيلة لتلقي القبلات الحارة التي يفتقدها عادل كلما تقدم بالسن ومع ذلك وافقت نيكول ان تستقبل هذه القبلات وبفخر وقامت بأداء مشاهد ساخنة دون وجود مبرر درامي سوى وهم وقوفها بجانب (عادل إمام). وكانت هذه المشاهد تخاطب غرائز الجمهور لا عقولهم.. بطريقة انتهت من قاموس السينما الحديثة..بالإضافة إلى مشهد اقتحامها لجلسة مجلس الوزراء ببدلة الرقص الشرقي.
الوزير البلطجي
عندما يصل أي مسؤول لمرتبة وزير وخصوصاً في السلم الوظيفي المصري يكون على الأقل شخصية حضارية متزنة ويتقن أبجديات اللغة الانجليزية ولكن شخصية وزير الشباب والرياضة في هذا الفيلم كانت عكس ذلك تماماً.
فعند قيام الوزير بزيارة أحد النوادي الرياضية ولم يعجبه حال هذا النادي شمر عن ساعديه وأوسع القائمين عليه ضرباً ورفساً ضارب عرض الحائط كل الأساليب الحضارية في التعامل!!
الوزير (البلطجي) لم يتوقف لديه مسلسل الضرب إلى هذا الحد بل تعدى ذلك في أكثر من مشهد.. وحاول الوزير أن يستغل ضعفه باللغة الانجليزية بطريقة قديمة ومكررة وذلك أثناء تحاوره مع الفتاة الدنماركية. فكيف لوزير لا يتقن أساسيات اللغة أو يتكلم بلغة مكسرة!!؟
ولا أدري كيف استطاع المخرج على ان يوافق هذا الوزير ببعض الحركات التي لا تتناسب مع سن (عادل إمام) إطلاقاً وخصوصاً في المشهد الذي يقفز فيه من سلم الطابق العلوي للصالة الأرضية.. مع العلم ان عادل تجاوز الـ 65 سنة.
تشويه صورة الخليجي
أقحم المخرج مشهداً لا علاقة له اطلاقاً بقصة الفيلم لا من قريب ولا من بعيد.. وقدم من خلاله الفتاة الدنماركية وهي ترقص لأولاد الوزير.. وقد جسد أحدهم شخصية رجل خليجي يقوم في نهاية هذه الحفلة بتوزيع حفنة من الدولارات على هذه الراقصة محاولاً سحبها بالقوة!!؟ مع العلم ان هذا المشهد في بيت الوزير وليس في أحد الملاهي الليلية؟! ولا يوجد ما يستدعي لافتعال هذا المشهد أو حتى هذه الشخصية الخليجية.. ولكن يبدو أن الإساءة للخليجي.. أصبحت عادة لدى معظم المخرجين المصريين؟! والمخرج حاول اقناعنا وبسذاجة ان الجميع يريد الوصول لقلب هذه الفتاة الدنماركية وكأنه لا يوجد بنات في مصر! فأولاد الوزير تشاجروا فيما بينهم واختلفوا مع والدهم من أجلها؟!
الأسطورة
بالرغم من السقوط الذريع لأسطورة السينما المصرية (عادل إمام) إلا أنني أؤمن كثيراً بقدرته الكوميدية وأدائه الرائع لأنه يملك مخزوناً هائلاً من الإمكانيات.. وقد اتضح ذلك جلياً في المشهد الذي يختلف فيه مع ابنه الصحفي ويصاب بأزمة قلبية. هنا ظهر جزء من ملامح الابداع لديه. فالمطلوب من عادل أن يبحث عن قصة جيدة بسيناريو متكامل وبمخرج يستطيع ان يخرج ما لديه من طاقات إبداعية كامنة. ونتمنى ان نرى ذلك في فيلمه القادم.. كي لا نصاب بخيبة أمل مرة أخرى.
|