علا صراخها في حدة وانفعال منادية على (أحمد) وعلى الأثر يأتيها ملبيا نداءها في وجل واضطراب ليرى زوجته عزيزة، وقد انتصبت في وسط الغرفة ووجهها مربد حانق.. سألها في وجل (ما بك يا عزيزتي؟؟) أجابته وهي لفرط ثورتها تكاد تبكي: الاولاد يا أحمد سيحطمون أعصابي، قال لها مخففاً: هدئي من روعك يا عزيزتي: قال ذلك ثم التقت ناحية الأولاد آمراً اياهم بالخروج من الغرفة والتزام الهدوء.. ولقطت أنفاسها مذعورة بانصياع الأولاد للأمر.
- والآن حدثيني ما الذي جرى؟
قالها أحمد عندما احتوته الغرفة مع زوجته.. اجابته وهي تتهاوى على مقعد قريب كأن لم تبق لها القدرة على الوقوف أكثر:
ان الاولاد يثيرون اعصابي بصراخهم وضجيجهم طوال الوقت ولا يدعوني اعمل ساعة إلا ويقيمون الدنيا ويقعدونها بصراخهم وشقاوتهم.
- ولكن لا تنسي أنهم اولادك ويجب ان تأخذيهم باللين وتتقبلي شقاوتهم بالصبر والروية وتحاولي فهمهم بالادراك وسعة الصدر.. اتعلمين انه لما علا صوتك صارخة وأنت تنادين حسبت لا سمح الله ان امرا خطيراً قد وقع لم اكن اعتقد ان كل ذلك بسبب ضجيج الاولاد.
قالت عزيزة وهي تسترد هدوء اعصابها شيئاًَ فشيئاً.. لا أدري لم اعصابي تنهار هكذا بسرعة وتثور لاقل بادرة ضجيج.. قال احمد بعد فترة صمت كأنه قضى في اثنائها يبحث عن حل يريح اعصاب زوجته: عندي فكرة غداً يوم اجازتي فلم لا نقوم بنزهة نحن والاولاد الى الريف القريب عند جدتي.. انها ولا شك سوف تسر بنا فيفرح الاولاد وترحين اعصابك بين احضان الطبيعية الغناء.
قالت عزيزة: كلا يا عزيزي فغدا يوم التنظيف الاسبوعي للمنزل ولا يمكنني ان اذهب..!! قال لها احمد: دعي تنظيفه ليوم آخر فلن يأتي احد الينا ما دمنا سنذهب.. قالت عزيزة وقد بان الاصرار في عينيها: كلا ارجوك هذه عادتي ولا احب ان أخلفها، قال احمد بعد ان اطلق تنهيدة: هكذا أنتم معشر النساء تضحون بالفرص الثمينة لاجل عادة اعتدتنها، ومرت لحظة صمت قطعته عزيزة قائلة في فرحة كمن عثرت على ضالتها: (أحمد لم لا تذهب بالاولاد عند جدتهم دعهم اسبوعا او اثنين يرتاحون هناك ويريحونني خصوصا غدا وأنا عندي اعمال كثيرة.. قال احمد وكأنه لا يصدق ما سمعته أذناه:، ماذا؟ اسبوع او اسبوعين أَوتستطيعين صبرا على فراقهم كل هذه المدة؟ أجابته: (ولم لا استطيع انهم سيجدون هناك العناية مثلا يجدونها هنا! قال أحمد: ليست المسألة مسألة رعاية وعناية بقدر ما هي بعد وفراق حينما يبتعد الاولاد عنك قالت عزيزة: يا سبحان الله وهل أنا قلت شهرا وشهرين فقط اسبوعين يرتاحون ويريحون.
وكان ان ذهب الاطفال وغمر المنزل هدوء بارد ويمضي اليوم واليومان وفي كل يوم يمضي تحس عزيزة بشيء يغمر كيانها لا تدري كنهه، شيء هو مزيج من الضيق والالم النفسي.
قال لها زوجها عندما ضمتهما مائدة الطعام وهو يراها لا تأكل: يظهر ان غياب الاولاد افقدك شهيتك للطعام.
قالت وهي تحاول ان تبدي سروراً: ولم أقلق واشتاق لهم ولم يمض بعد على غيابهم سوى خمسة أيام.
ولكن عزيزة كانت تواري الألم الذي في نفسها عن زوجها في أنفة واكبار فهي لا تريد ان تبدو أمامه مهزومة بعد ان أكدت أنها سوف تتحمل فراقهم اسبوعين وكما كان الفراغ يلف البيت كان ايضا يلف نفس عزيزة فراغ كبير وممل، لكم هي تود ان يعود اطفالها لكي يقيموا الدنيا بصراخهم فما احلى ضجيجهم ازاء هذا الهدوء الموحش كم هي غبية حينما اعتقدت انها ستتحمل فراقهم اسبوعين.. وفي كل يوم يمضي كان شعورها يتزايد بودها لو ان البكاء يخفف ما بها لكنها تشعر بغصة تمنعها من البكاء حتى الاختناق وعندما تزايد شوقها وعظم عليها ان تصبر هبت منطلقة نحو زوجها الذي كان يقرأ جريدة الصباح.. صاحت في صوت باكٍ.. احمد يضطرب .. ويرمي الجريدة جانبا قائلاً: ما بك يا عزيزتي؟
قالت عزيزة وهي تشبك يديها في عصبية ظاهرة: أريد أولادي لم يعد لي القدرة على فراقهم.
قال لها أحمد وهو يبتسم: آه وأخيراً اعترفت.. واجابته وهي تدرك مغزى كلامه:
نعم انني اعترف انني مهزومة فلتذهب الكبرياء الى الجحيم.
فقط اريد اولادي لم يعد في صبري لتحمل المزيد من الالم.. وانبرت تبكي بحرقة.
قال احمد: على نفسها جنت براقش ثم ألا تعتقدين معي انهم اذا ما حضروا فسيعودون الى ضجيجهم وصراخهم ومن ثم تتبرمين منهم وتطلبين اعادتهم كرة أخرى.
قالت عزيزة في توسل: اعدك بأنه لن يحصل شيء من هذا فليعل ضجيجهم وصراخهم فلن اثور لانني تعلمت درسا لن أنساه.. اريد ان اكحل عينيّ برؤيتهم..
ويوافق أحمد على احضار الاولاد وبعد فترة صمت قال لزوجته: (اني اجدد العرض) تساءلت: أي عرض.
أجابها: ان نذهب لنقضي يوما عند جدتي ومن ثم نحضر الأولاد قالت باسمة: اني جد موافقة يا زوجي الحبيب.
|