لا يختلف اثنان أن لحظة الفراق صعبة حتى وإن كان الشخص الذي تفارقه هو شخص قد تعودت على رؤيته ولا تربطك به علاقة قوية كإنسان تعودت أن تراه في المدرسة أو الجامعة أو المسجد.. ونقل إليك خبر وفاته فحتماً ستتأثر وتتألم خاصة إذا علمت أنه رجل فاضل فما بالك بشخص تربطك به علاقة متينة كأب مثل والدي الشيخ/ عبدالله المانع - رحمه الله - الذي انتقل إلى جوار ربه خارج الوطن بعد أن كنا ننتظر عودته من السفر لكنه لم يعد، فصدمنا نحن أبناؤه كما صدم الكثيرون ممن عرفوا هذا الرجل الفاضل، الذي عُرف عنه التمسك بالدين وبالأخلاق الفاضلة.
كان- طيب الله ثراه- دائماً يحثنا نحن أبناءه على التقوى والتمسك بالدين، وكان يأمرنا بالصلاة منذ نعومة أظفارنا.. أذكر أنه كان يصلي الفجر كل يوم ولا يخرج من المسجد إلا بعد طلوع الشمس، وكان لنا قدوة حسنة في كل ما من شأنه رضا الله والعطف على الضعفاء والمحتاجين، والتواضع وصلة الأرحام ودماثة الأخلاق وكانت الابتسامة لا تفارقه، إذ كان يبتسم لكل من يراه.
كان رحمه الله يقرأ القرآن كثيراً ويختمه وكان ملماً بالسيرة النبوية الشريفة.. قرأ غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، كما قرأ تاريخ الخلفاء الراشدين- رضوان الله عليهم-، ألمَّ بتاريخ الأمويين والعباسيين وتاريخ العرب بالأندلس، وكذلك الدولة العثمانية.. وكان شديد الإعجاب بالملك عبدالعزيز- طيب الله ثراه-، وكان يروي لنا محاسن هذا الملك العادل، حيث تشرف بمقابلة جلالته عدة مرات بصحبة والده الراحل(مخلف المانع)، الذي اعتاد أن يقوم بزيارات متكررة تكاد تكون سنوية مع وفد من أعيان أهل الجوف، حيث كانوا يقابلون جلالته ويعرضون عليه جميع ما يهم بلدهم، وكانوا يجدون من جلالته- رحمه الله- كل الترحيب، ومازلت أذكر المساجلة التي تمت بين جلالته من جهة وبين والده مخلف المانع ومسعر البليهد من جهة أخرى- رحمهم الله جميعاً- بحضور أعيان أهل الجوف، هذه المساجلة تنم عن مدى حب الملك- طيب الله ثراه- للجوف وأهله، وهي قصة معروفة للكثيرين من أهل الجوف.
لم يعرف عن والدي- رحمه الله- أن اشتكى أحداً أو شكاه أحدٌ وكان محبوباً لدى كل من يعرفه.. عاصر جميع الأمراء الذين عينهم جلالة الملك عبدالعزيز في الجوف، وكان تربطه بهم علاقة ممتازة، وخاصة الأمير عبدالرحمن بن أحمد السديري الذي كان والدي كثيراً ما يشيد به ويذكر محاسنه ويقول إن سر محبته لهذا الأمير أنه منذ وطأت قدماه أرض الجوف وعُين أميراً عليها لم يجهل أحداً، وكان مشهوداً له بالعفة والنزاهة هو وأبناؤه، لهذا فإنه يستحق مني الثناء.. هذه بعض من صفات هذا الشيخ الراحل الذي بوفاته- رحمه الله- انطوت صفحة ناصعة البياض من تاريخ هذا الرجل الذي تعتبر شهادتي له مجروحة.
لهذا أترك للآخرين أن يذكروا لنا ما يشهدون به له، والناس شهداء لله في أرضه -رحمه الله وألحقه بالصديقين والشهداء والصالحين- وحسن أولئك رفيقاً، كما نطلب من العلي القدير أن يلهمنا نحن أبناءه ومحبيه الصبر والسلوان و{إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ}
|