Tuesday 23rd March,200411499العددالثلاثاء 2 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
سنّة الابتلاء.. في علاقتنا الدولية المعاصرة
د.عبد الله بن ناصر الحمود(*)

عندما يتقاسم العيش على هذه الأرض اثنان من بني البشر، فلربما جرت سنّة الله تعالى ان يبلو أحدهما بالآخر.
وكلما ازداد عدد المتقاسمين للهواء والماء والتراب زادت فرص الابتلاء وأوجهه وأسبابه, وإذا أدركنا الكم البشري الهائل الذي يتنافس من أجل امتلاك خيرات الدنيا كلها، أمكننا ان نتصور أحجام الابتلاءات المتوقعة، تحقيقاً لسنّة الله تعالى.. ونؤمن بدرجة أكثر عمقاً أننا (مبتلون) أو (مبلي بنا) إذا رأينا كيف نختلف مع الآخرين في رؤيتنا للحق والعدل والإنصاف، وكيف يختلف الآخرون معنا في كل ذلك, ويصبح مفهوم (الابتلاء) متجرداً ظاهراً لكل ذي لب، إذا عقلنا حقيقة الصراع الدولي المعاصر، وأننا فيه مستهدفون، في حين يرى غيرنا، أننا نستهدفهم.. ومن عجائب سنّة الابتلاء، انه يجري على جنس البشر كافة دون استثناء، حيث خلقهم الله تعالى ليبتليهم، كما قال سبحانه وتعالى {إِنَّا خَلَقْنَا الْإِنسَانَ مِن نُّطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَّبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا}.. ويشير استقراء عدد من المرجعيات العلمية إلى أن أصناف الابتلاء كثيرة متنوعة، ومن أظهرها (ابتلاء الخلق بعضهم ببعض).. ففي إصداره الجديد (فقه التعامل مع الناس) يقول الدكتور عبدالعزيز بن فوزان الفوزان (إن من أعظم صور الابتلاء وأكثرها تكراراً وملابسة للإنسان: ابتلاء الخلق بعضهم ببعض). لعل العلاقات الدولية لم تكن أكثر وضوحاً في ميزان الابتلاء منها اليوم.. والراشدون اليوم - في العالم - هم من يتلمسون سبيل النجاة، في زمن أصبحت النجاة البشرية من ويلات الاختلاف والتظالم مطلباً مُلحاً جداً من أجل استقرار العالم وتطوره وازدهاره.. الأطماع الذاتية، والمقاصد المبطّنة المبيتة لاستغلال الخيرات والثروات، والنزعة المفرطة نحو السيادة والهيمنة، ونفي الآخر وتهميشه، والتضخم المزمن في تقدير الذات، ورفض الاتساق مع متغيرات الزمان والمكان، كلها ويلات ونكبات على عالمنا المعاصر، وكلها ظواهر من ظواهر ابتلاء بعضنا ببعض، لتمضي سنة الله تعالى، ولينجو من يشاء الله نجاته ويسبب له أسباب النجاة، وليهلك آخرون.. ربما أتينا من أننا نرفض التغاير والتمايز بالقدر الذي ظهرت معه أنانية عدد منّا، ليس لحجب سنة الله تعالى في الابتلاء، ولكن - ربما - ليكون ابتلاء بعضنا ببعض أشد وأمضى، لأن منا من لا يدخر وسعاً في أن يؤذي غيره قصداً أو بغير قصد. ومن مظاهر سنّة الابتلاء - تلك - كما يمكن قراءتها واقعاً معاصراً، أن الابتلاء حيث كان ويكون بين أفراد متباينين صلاحاً وفساداً، أو غنى وفقراً، ونحو ذلك، فإنه اليوم أمضى وأبلغ بين شعوب الأرض، ودولها قوة وضعفاً، وغنى وفقراً، وسيادة ومجداً.. وأعتقد ان العالم المعاصر مرشح لمزيد من مظاهر الابتلاء (بعضه ببعض)، لينتج عن ذلك صياغات عديدة، جديدة لكثير من مظاهر الحياة الظاهرة والباطنة عندنا، وعند من ابتلانا الله بهم, ولعل الإرادة الإلهية تمضي بما يشاء - سبحانه - من سننه الكونية، عندما عجز الناس عن أن يصلحوا أحوالهم بما يستطيعونه هم من وسائل وأساليب وآليات للتفاعل والتفاهم والتعايش كانت يمكن ان تقيهم كثيراً من ويلات ونكبات الابتلاء.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved