* الدمام - ظافر الدوسري:
أضحى التدريب جزءاً من واقعنا وواحداً من متطلبات حياتنا المهنية والاجتماعية، فصناعة الفرد المؤهل للتعامل مع تحديات العصر أصبحت مقياس التقدم بين الشعوب لكن الطابع المادي الذي يطغى على حضارة العصر نحى بالتدريب إلى الجانب المهني على حساب الجانب الاجتماعي والسلوك الحضاري، وعندما انتقلت إلينا صناعة التدريب جاءت بعيوبها الغربية وزادت عليها أن التدريب حتى لأغراض مالية مازال صناعة هامشية لا تؤمن بها كثير من الهيئات والمؤسسات فيما بعضها الآخر نوع من السرعة بلا مضمون حقيقي وأهداف واضحة.
* ترى ما هي أسباب ضعف الوعي بأهمية التدريب وقلة القناعة بجدواه في بلداننا؟
- التدريب في واقعنا اختزل إلى محاضرة والدورة التدريبية تتحول إلى مجموعة من المحاضرات قد لا يكون لها علاقة باحتياجات المتدربين أو بيئتهم، مع الإشارة إلى أن التقدم العلمي في الغرب دفع بنا إلى قبول أساليبه في الحياة من مجال التدريب المهني والوظيفي إلى المجال الاجتماعي، كيف نتفادى ذلك؟
- حول هذا الموضوع شاركنا في البداية سعادة الدكتور خليفة بن سبّاع الخالدي - مدير كلية الجبيل الصناعية قائلاً: لاشك أن التدريب أصبح في أيامنا هذه ضرورة ماسة لضمان مواكبة العصر بمتغيراته المتوالية ومتطلباته المعقدة. فما من مؤسسة أو منشأة تقوم إلا ويكون التدريب والتطويرجزءا من مخططاتها مثله مثل خططها المالية والبشرية بعد أن تستكمل بنيتها التحتية. وقد توصل الغرب واليابان الى ما توصلا إليه من تقدم في المجالات المختلفة بسبب ما قدماه ويقدمانه باستمرار للأيدي العاملة من تدريب، وهذا ما جعلهما دائماً في مقدمة الركب إنتاجية وتنافساً لان الخلود إلى الراحة - في نظري ونظر الباحثين من قبلي - يؤدي في النهاية إلى الجمود، وعالم اليوم عالم ديناميكي متغير ولابد للمؤسسات من مواكبة التطور الهائل في المعلومات حتى تضمن لنفسها البقاء والتنافس.
فيما يخص الوضع في عالمنا الثالث فإن ضعف الوعي بأهمية التدريب وقلة القناعة بجدواه حسبما جاء في السؤال - وإن كنت لا أظن أنه بهذا السوء وإنما المشكلة نسبية فالوضع ناجم عن أشياء كثيرة تحتاج إلى ورقة كاملة وبحث مطول. وأرى في هذه العجالة أن من بعضها:
1 - أن القائمين على رأس الهرم في الإدارات المعنية بالتدريب في المؤسسات الحكومية وبعض الأهلية ليسوا مؤهلين في مجال التدريب والتطوير، ويعتمدون في كثير من الأحيان على أناس ليسوا بالضرورة أكفأ الموجودين في إداراتهم وإنما أكثرهم موالاة لرؤسائهم وغالباً ما يكونون من العمالة الوافدة.
2 - أن بعض هذه المؤسسات تقدم وتخطط وتبعث منسوبيها لبعض البرامج التدريبية الداخلية والخارجية إلا ان هذه البرامج وخاصة الداخلية منها ينقصها التخطيط السليم حيث نجد فيها خللاً في تحديد الحاجة للتدريب وخللاً في تحديد المناهج، وخللاً في تنفيذ أنشطة هذه المناهج أثناء التدريب وخللاً في المقاييس الدقيقة لمعرفة العائد منها، وإذا كانت هذه البرامج خارجية فإنها أعدت لبيئة مختلفة اجتماعيا وثقافيا وتضاريسيا.
3 - إن العمل الإداري في عالمنا ما زال راكداً تنقصه الحركة فتجد بعض رؤساء الأقسام أو مديري الإدارات يبقون في مراكزهم لمدة طويلة حتى يشعر واحدهم أنه ما خلق إلا لهذا المكان وسوف يعمل ما بوسعه للتشبث بموقعه رغم أنه لم يقدم ما يشفع له في مجال التطوير والإنتاجية حتى يستحق البقاء.
4 - فقدنا بعض المديرين الناجحين حيث نجد أن بعض الأنظمة الوظيفية (أو السلم الوظيفي) في عالمنا الثالث تجبر على فقدنا الناجحين من المديرين والقائمين على التدريب بسبب الترقية، إذ ليس هناك أي وسيلة لمكافأة الموظف على أدائه الناجح إلا الترقية، وبهذه الترقية يتغير موقعه ويفقد قدرته وجدارته التي تمتع بهما في موقعه السابق، وبهذا نكون قد قضينا على الوظيفة السابقة لأن من حل محله لم يكن بنفس الكفاءة، وكذلك سيصاب صاحبنا بالإحباط لأنه أصبح في مكان جديد له متطلبات جديدة قد لا يكون قادراً على النجاح فيه. ولو كان هناك شيء من المرونة في السلم الوظيفي بحيث يمكن مكافأة المدير الكفء مادياً ومعنوياً ما دام قادراً على العطاء ومواكباً لتغيرات العصر لكان هذا اجدى.
5 - ان التدريب لا يعطى حقه من الأهمية بحيث ترصد له المخصصات المالية الكافية وتوفير الكوادر المؤهلة، وإذا رصدت هذه المخصصات فإنما تذهب دون عائد يذكر حيث معظم الكوادر المنفذة وأحياناً المشرفة على التدريب تكون من العمالة الوافدة التي جل همها العائد المادي، إلى جانب أن هذه العمالة لا تستقر وقتاً طويلاً بحيث يمكن الاستفادة منها وإنما تبقى لمدة محدودة مستفيدة من الخبرة العملية والتدريب على أعقد الأجهزة التي لا تتوفر في بلادها ثم تدون كل هذا في السيرة الذاتية وتحصل على عروض أخرى في بلدان العالم الثالث وهكذا يستمر الخلل.
الدورة تعاد عدة مرات
ما سبق يفضي بنا إلى الإجابة على الشق الآخر من السؤال:
اختزال التدريب والدورات التدريبية إلى محاضرات.. الخ.
لسوء الحظ فإن ما ذكر في هذا السؤال صحيح بنسبة كبيرة وهذا - في نظري - ناجم عن عدم أخذ التدريب مأخذ الجد وإعطائه ما يستحق من أهمية. فقد أصبح التدريب في بعض المؤسسات وخاصة الدوائر والمؤسسات الحكومية تحصيل حاصل وكأنه فرصة للابتعاد عن زحمة العمل او خلعة من الرئيس إلى المرؤوس لتغيير الجو والحصول على بعض العائد المادي وفي النهاية تصبح هذه الدورات أو برامج التدريب عبارة عن لقاءات عبر جداول مطاطية ومناهج عائمة ودون أي نوع من أنواع التقويم. وفي النهاية يعود المتدربون من هذه البرامج والدورات بشهادات تثبت حضورهم لهذه الدورات وهذه الشهادات عادة ما تعد قبل بدء الدورات بمجرد استلام أسماء المشاركين وتسديد الرسوم والأسوأ من هذا كله أن هذه الدورات قلما كان لها علاقة مباشرة بعمل الموظف أو المتدرب ويكون موضوع الدورة قد أعد عدة مرات رغم اختلاف المشاركين في كل مرة. وفي الدورات الخارجية منها عادة ما تقدم وتستخدم مناهج وآلات مختلفة عما هو متوفر في مكان عمل المتدرب وفي أجواء مختلفة وبيئة مختلفة.
نقاط أساسية لنجاح العملية التدريبية
متعب ماطر العنزي مدير عام البرامج التدريبية بالغرفة الصناعية التجارية بالمنطقة الشرقية يقول:
يجب أن نقتنع أولاً أن التدريب هو استثمار بشري وليس ترفا ومضيعة للوقت.
وهناك نقاط أساسية يجب أن تمر بها العملية التدريبية السليمة ذات الفائدة ويتم تحقيق أهداف المنشأة من خلالها وسوف يتم تغيير قناعتنا متى ما أحسسنا بأننا فعلاً استفدنا من التدريب ومن أهمها:
- التدريب بكافة أنواعه التأهيلية والتطويرية مطلب أساسي لكل منظمة تسعى للرقي والمنافسة في عالم يحكمه البقاء للأفضل.
قبل أن نسعى للتدريب يجب أن نحدث إدارة أو قسما شأنه التطوير الوظيفي.
- يجب أن يستحدث مسار وظيفي واضح يحدد محطات الموظف خلال عمره الوظيفي.
- يجب أن يعمل توصيف وظيفي واضح يحدد به مهام ومسؤوليات الوظيفة لكل محطة (منصب) يصل له الموظف.
- يجب أن يعمل تحديد احتياج تدريبي فعلي (نوعية البرنامج) وفق متطلبات الوظيفة.
- متابعة المتدرب من خلال قياس عائد التدريب.
محاضرات ليس لها
علاقة بوظيفة المتدرب
أما الأستاذة جميلة الشمري - رئيسة القسم النسائي بشركة نيوهرايزن بالجبيل الصناعية فتقول: جوهر التدريب الناجح سواء كان وظيفياً أو اجتماعياً هو تغيير السلوك، كما تفسر التدريب بأنه تمكين الفرد من آليات ومهارات وأساليب وإستراتيجيات لتوظيفها في عمله وحياته لتحقيق النجاح ويعتمد النجاح في ذلك على توفر الرغبة والمعرفة والمهارة، فبالرغبة والمعرفة تصنع المهارة التي تتحول بالإتقان إلى عادة..
وفي نفس الوقت نفت مديرة شركة نيوهرايزن للسيدات أن في واقعنا التدريب يختزل إلى محاضرة والدورة التدريبية تتحول إلى مجموعة من المحاضرات قد لا يكون لها علاقة باحتياجات المتدربين أو بيئتهم حيث قالت: ليس صحيحا أن المتدرب يتلقى دورة ليست في مجال عمله أو ضمن احتياجاته إذ يوجد في كل شركة أو مؤسسة إدارة خاصة بالتدريب تدرك وتعي جيداً احتياجات الموظف من التدريب والبرامج التي تدخل في نطاق عمله الحالي أو المستقبلي.
عن أسباب ضعف الوعي وقلة القناعة بجدواه تقول: ربما في السابق كان هناك قلة لاتعي أهمية التدريب ولكن في الوقت الحاضر فالوضع اختلف تماماً، ونحن كشركة تدريب متخصصة تدرك هذا التغيير من خلال نوعية الدورات التدريبية التي تطلبها إدارات التدريب في الشركات أو من خلال نوعية ازدياد أعداد النساء في الدورات التدريبية في تقديم فائدة ملموسة للمستفيدين كونها تقوم من منطلقات إحداث التغيير المطلوب للأفراد وليس من منطلقات استهلاكية بحتة كما تفعله بعض الشركات.
عدم مصداقية بعض مراكز التدريب في برامجها
كما شاركت منسقة الدورات التدريبية بشركة تدريب خاصة (م.س) برأيها قائلة: من أسباب ضعف الوعي ما يتعلق بطبيعة العقلية والتربية التعليمية التي تلقيناها والتي توحي بشكل أو بآخر للفرد بأن آخر العهد بالعلم هو الحصول على الشهادة الجامعية والالتحاق بسلك العمل المنتظم، ولذلك فكثير من النفسيات تتصور أن التدريب هو صورة غير مرغوبة للجلوس مرة أخرى خلف طاولات المدارس والتلقي من المدرسين بالشكل غير الممتع بل وغير المفيد أحياناً.
ومن الأسباب أيضاً عدم معرفة ما يقدمه التدريب من خدمات وفوائد قد تسهم في إحداث نقلة نوعية في حياة بعض الأفراد، إن دور القراءة السريعة توفر على المرء أضعاف الوقت الذي كان سيستغرقه لو أحسن الاستفادة منها ولاسيما في ظل كثير من المعلومات والأخبار التي تحتاج متابعة على مختلف المستويات.
من أهم أسباب قلة القناعة بجدوى التدريب ضعف مصداقية بعض المراكز التدريبية في تقديم فائدة ملموسة للمستفيدين كونها تقوم فقط من منطلقات استهلاكية بحتة ولا يهمها بعد ذلك إحداث التغيير المطلوب للأفراد.
الموظف المضغوط لا يحظى بفرصة تدريبية
سيد منور - أخصائي تدريب شاركنا بالقول:
تدل الدروس المستفادة من الخبرات والتجارب التي خاضتها العديد من الدول لسنوات طويلة على أن التدريب بمثل واحدا من أهم الأساليب التي يمكن أن تستخدم بنجاح في توفير الأهداف والنوعيات المطلوبة من الأفراد المؤهلين علمياً والمعدين مهنياً للقيام بمسؤولياتهم الفنية والمهنية والتخصصية والإدارية على مختلف المستويات. وتبنى فلسفة التدريب على منطق واضح يفترض أن الأعداد والنوعيات المطلوبة من الكفاءات البشرية لممارسة أعمال معينة تتطلب مستوى عالياً من الكفاءة والقدرة لا يمكن أن تتوفر بالاعتمادعلى القدرات الطبيعية والتلقائية وحدها أو بحكم الخبرات الفردية المكتسبة وإنما يمكن توفيرها وتنميتها عن طريق التدريب المنظم الذي ينقل من الخبرات المكتسبة لدى الدول والمؤسسات والأجهزة المتقدمة ويفيد منها. فيما يختص بأهمية التدريب بالنسبة للموظف فهو أمر لا خلاف عليه حيث أن الموظف في حاجة باستمرار إلى التدريب وذلك كما نعلم أن العالم في تطور مستمر وهذا يجعل التدريب باستمرار مطلباً أساسياً كما أنه يساهم في تطوير قدرات الموظف وأيضاً العمل على ترقيته في الجهة التي يعمل فيها ولا أؤمن بتلاشي أهمية التدريب في ظل حصولي على وظيفة معينة لأن طموح الإنسان يجعله دائماً يطلب الأفضل ويسعى إلى التطوير في مجال عمله.
وأضاف يقول: لاشك أن الدورات التدريبية لها أهمية في حياة الموظف الوظيفية ولكن مع الأسف انه يحظى بالدورات الموظف الذي ليس لديه كثرة عمل فيكون له الحظ الأوفر للترقيات وبينما الموظف المضغوط بالعمل محروم من الدورات بحجة حاجة العمل إليه، وينظر الموظف لحاجة الدورة من زاوية واحدة هي موضوع الترقية خاصة أنه يصطدم عندما يريد تطبيق ما أخذه من معلومات في الواقع الوظيفي وكذلك يجد في المحاضرات التي يتلقاها في جهة التدريب مخالفة للواقع الذي ينفذ وظيفياً. وعما إذا كان بعض الموظفين يلتحقون بالدورات التدريبية من أجل الترقية فقط يقول: إن وجود مثل هذه الفئة أمر واقع ولكن هذه الفئة وإن كانت موجودة فهي قليلة جداً ولا تقارن بحجم الفئة التي تحرص على الاستفادة الفعلية من عملية التدريب لأنه يحقق لهم النمو المهني الذي يسهل عليه أداء مهامه بكفاءة عالية وبفعالية وبالتالي يحقق التدريب لأنه يحقق لهم النمو المهني الذي يسهل عليه أداء مهامه بكفاءة عالية وبفعالية وبالتالي يحقق ذاته إضافة إلى ما تفرضه العلوم والمعارف بحكم تطورها السريع والتي تولد لديه الرغبة الطبيعية لمواكبة هذا الأمر حتى الفئة التي ذكرت فإنها تهدف إلى الحصول على الترقية من خلال التدريب فهي أيضاً مستفيدة من العمليات التدريبية التي ستحدث له نمواً مهنياً بإذن الله وهو الأمر الذي تسعى إليه المؤسسة عند منحها فرصة التدريب.
|