Monday 22nd March,200411498العددالأثنين 1 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

تزامناً مع ندوة بكلية تربية بنات الرياض يرعاها (الحمادي) .. الأطباء يؤكدون: تزامناً مع ندوة بكلية تربية بنات الرياض يرعاها (الحمادي) .. الأطباء يؤكدون:
العنف ضد الأطفال يصنع الجبناء أو المجرمين عند الكبر
العنف الجسدي أكثر أشكال الكارثة شيوعاً في عيادات الأطفال والاعتداءات الجنسية ألغام موقوتة

  العنف ضد الأطفال واحد من أكثر المشكلات التي تؤرق العالم في الوقت الراهن، في ظل التزايد الرهيب في أعداد الأطفال ضحايا هذا العنف، وفق تقارير المنظمات الدولية والإنسانية المعنية بالطفولة، والتي تؤكد تعرض ملايين الأطفال في أنحاء متفرقة من العالم لأشكال كثيرة من العنف من جانب الآباء أو الأمهات، أو فئات أخرى، وهو ما يهدد الصحة الجسدية والنفسية لهؤلاء الأطفال (ضحايا العنف) لكن ما هو الحجم الحقيقي لهذه المشكلة؟ وما هي الأسباب التي تكرس للعنف ضد الأطفال، والآثار المترتبة على ذلك على المدى القريب والبعيد؟ وما هي وسائل التغلب على هذه المشكلة التي تهدد المستقبل؟
طرحنا هذه التساؤلات على عدد من أطباء الأطفال - الطب النفسي -بمستشفى الحمادي بالرياض.. وذلك بمناسبة تنظيم قسم التربية وعلم النفس بكلية التربية للبنات للأقسام الأدبية بالرياض ندوة عن الإساءة للأطفال بعنوان (رفقاً بي) وذلك اليوم الاثنين 1-2- 1425هـ الموافق 22-3-2004م وبرعاية من مستشفى الحمادي.
****
اعتداء جنسي
بداية تقول د. صفاء العيسى استشاري أمراض الأطفال وحديثي الولادة بالمستشفى والمحاضر بجامعة أدنبرة ببريطانيا: طرحت قضية العنف ضد الأطفال على النطاق العلمي لأول مرة قبل ثلاثين سنة وقامت الدنيا وقتها في الغرب على صاحب البحث الذي تناول المشكلة، واتهم بأنه يضخم مسائل لا وجود لها، لكن الأيام اثبتت بعدها خطأ المعارضين، فالمعلومات الإحصائية التي تصدرها المؤسسات الإنسانية الدولية المعنية بالطفولة تؤكد على سبيل المثال أن مليونين من الأطفال في الولايات المتحدة الأمريكية يعانون من العنف الذي يمارسه الكبار ضدهم، وأن هناك ما يزيد على 300 ألف حالة اعتداء جنسي بدرجات متفاوتة، وفي مجتمعاتنا العربية والإسلامية تقل النسبة كثيرا عما هي عليه في أمريكا والغرب الأوروبي، لكن من الخطأ ان نقول انه لا يوجد عنف ضد الأطفال عندنا، ومن خلال مشاهدتي كطبيب أطفال أشاهد بين فترة وأخرى حالات العنف ضد الأطفال.
التنافر بين الزوجين:
ويعرف د. العيسى العنف ضد الاطفال، فيقول: تلخص الدراسات المتخصصة في الولايات المتحدة الأمريكية وبريطانيا تعريفه بأنه أي إصابة جسمية أو نفسية أو عقلية أو عدم رعاية الأطفال والمراهقين تحت سن 18 عاماً من قبل شخص يعتبر مسؤولاً عنه وعن صحته، ويمثل إهمال الطفل الجانب الأكبر من صور وأشكال العنف ضد الأطفال، والمنتشرة في جميع أنحاء العالم تقريباً.
ومن أسباب العنف ضد الأطفال، النفسية المريضة للأهل خاصة الوالد، والذي ربما يكون هو نفسه قد تعرض لاضطهاد أو عنف في طفولته، فيعيد الكرة على طفله، معتبراً ذلك شيئاً طبيعياً في الحياة، كما أن المجتمع بضغوطه قد يعكس آثاره السيئة على الوالد، فينزل مشاكله وأحزانه وتوتره على طفله، فمثلاً الأب الذي ليس لديه عمل أو مورد كاف لأطفال قد يفجر غضبه بطفله، وهناك أيضا مشكلة الخمور والمخدرات والتي تصيب الأهل بالعدوانية.. ومن أسباب العنف ضد الأطفال، التناحر بين الزوجين، وعدم وجود روابط قوية بينهما، أو مع المحيطين بهم. ومن الأسباب الأكثر شيوعاً للعنف ضد الأطفال في مجتمعاتنا العربية، قلة الوعي والدراية بالفرق بين ضرب وإهانة الطفل وتأديبه، كأن تشاهد اطفالاً صغاراً أقل من عامين يضربون بشدة لانهم لعبوا بشيء من البضائع في الأسواق، وينسى أهل هؤلاء الأطفال أن أولادهم في هذه السن لا يعرفون أن هذا الشيء ليس ملكه، وأنه يمارس حب الاستطلاع، والذي يميز هذه المرحلة من العمر، كما أن غياب الأهل عن البيت وترك مسؤولية الطفل للخادمة، يجعل الطفل لا يفهم لماذا يجب أن يطيع أباه أو أمه، وهو لا يشاهده إلا في أوقات قليلة لا تكفي لأن يفترض فيه ان يعرفه أنه أبوه.
أنواع العنف
ويتوقف د. العيسى عند انواع العنف ضد الأطفال فيقول: هناك الاعتداء الجسمي، والذي ينتج عنه اصابات ظاهرة أو داخلية، ثم الإهمال مثل عدم تغذية الطفل أو عدم علاجه إذا مرض أو تلبية احتياجاته الأخرى، كذلك الإهمال أو الاضطهاد النفسي والعاطفي، ومن ذلك التفرقة بين الأبناء في المعاملة والاهتمام، ولا سيما بين الذكور والإناث.. أو الشتم والسب والإهانة المستمرة للطفل، والتي تصيبه بالإحباط والشعور بعدم الأهمية، وأنا اعرف اطفالاً أعمارهم 12 عاماً يضربون بالحزام ليس من أجل تأذيتهم، لكن مجرد إهانتهم.. وأخطر أنواع العنف ضد الأطفال الاعتداء الجنسي، سواء كان الطفل ذكراً أو أنثى، وهو سلوك مرضي موجود في كل المجتمعات رغم قلة الحديث عنه لحساسيته.
ويؤكد د. العيسى أن إمكانية تشخيص حالات العنف ضد الأطفال تختلف حسب نوع هذا العنف، فمن السهل تشخيص حالات الإصابة الجسدية، لكن من الصعوبة معرفة وجود الاضطهاد المعنوي العاطفي أو الجنسي، وهذه تحتاج إلى مصارحة من الأهل بالمشكلة، حتى يستطيع الطبيب إيجاد علاج لها.. أما فيما يتعلق بمواجهة المشكلة عموماً، فيجب إيجاد مؤسسات خاصة للتعريف بحقوق الطفل، وخطر ممارسة العنف ضده، وفي الغرب عندما تشك إدارة المدرسة أو الجيران أو الطبيب أن طفلا ما يتعرض للاضطهاد يتم إبلاغ الشرطة، وإن تأكد ذلك يتم إيداع الطفل في مكان أمين يمارس فيه طفولته دون عنف أو اضطهاد.
أشكال الإساءات
من جانبه يقول د. ساري دعاس استشاري أمراض الأطفال وحديثي الولادة بمستشفى الحمادي بالرياض: تكون الإساءة للطفل بأشكال متنوعة منها:
1- الإصابات الجسمانية: وتتظاهر بشكل كدمات أو حروق أو جروح أو حتى كسور عظمية هامة وأذيات حشوية باطنية مختلفة، ومما يوحي بأنها محدثة إحداثا عدم توافق قصة الإصابة مع مواصفاتها أو التأخر بالتبليغ عنها أو تكرر هذه الإصابات وعدم اهتمام ولي الأمر بها.
2- الإهمال: حيث يؤدي التجاهل الشديد للاحتياجات التطورية للطفل لفشل في نموه أو لالتهابات متكررة بسبب قلة النظافة، كما يؤدي لضعف التطور الروحي والعاطفي وتأخر النطق والتعلم والأداء المدرسي.
3- الإساءة العاطفية: وتتضمن رفض الطفل وعدم إبداء الحب له ومجابهته بكثير من الهزء والتهديد والتجاهل وهذا يؤدي بالطفل لاضطراب سلوكي وشعوري خطير، وعادة ما تترافق الإساءة العاطفية مع الجسمانية والجنسية.
4- التسمم المتعمد: كأن يعطي الطفل دواءً أو مادة ما مؤذية، ويحضر الطفل لقسم الطوارىء بشكوى مختلفة كأن تكون تسرع التنفس كما في حالة الأسبرين أو النوم أو السبات كما في حالة الأدوية المهدئة والمركنة.
5- الإساءة الجنسية: وفيها يعتدي شخص على الطفل أو الطفلة جنسياً ويسبب أذيات مختلفة ومتنوعة تترك آثارها الجسمانية والعاطفية والسلوكية بشكل عميق ومؤثر.
ويضيف د. دعاس: وتدبير حالات الإساءة للأطفال، يكون بعلاج كل حالة على حدة من الناحية الطبية وحسب الأصول، ولكن يضاف إلى هذا ضرورة حماية الطفل من تكرار مثل هذه الاعتداءات والإساءات، ومثل هذه الأمور تحتاج لبحث اجتماعي معمق قد يقتضي تدخل الشرطة في بعض البلدان لضمان حماية فاعلة للطفل وبالتالي إمكانية نمو قويم.
علاقة العنف بالفقر
أما د. عبدالحليم حمود استشاري الأطفال وحديثي الولادة فيقول: يكون ايذاء الأطفال غالباً في 70% جسمياً فيزيائياً، وجنسياً في 25% وحوالي 5% فشل نمو بسبب عدم كفاية التغذية ويشيع ايذاء الأطفال واضطهادهم في الأوساط الفقيرة غالباً وتكون المرأة هي المسببة أو التي تقوم بالفعل في أغلب الحالات.
وتصنيف حالات الاضطهاد أو العنف ضد الأطفال إلى عدة أنواع منها:
1- الاضطهاد الجسمي وتصل نسبته في أمريكا إلى 1% وهو يشمل الأذيات الجسمية المرضية التي يتعرض لها الطفل بسبب الضرب أو المرض أو الجروح وقد تكون هذه الأذيات شديدة أحيانا لدرجة حدوث نزوف دماغية أو بطنية أحياناً مع تأذي بالأحشاء الداخلية للطفل وقد تنتهي بعض الحالات بموت الطفل.
2- الاضطهاد الجنسي: ويشيع هذا النوع من الاضطرابات الجنسية بين فئات مختلفة من الناس يكون الأطفال ضحيتها في غالب الأحيان فقد يحدث المرض الجنسي بين المراهقين أنفسهم أو الأطفال الأصغر سنا منهم في البيئات المحرومة جنسياً (كالتجمعات العسكرية وغيرها) وقد يحدث الأذى الجنسي ضمن العائلة وهذا الشكل معروف في البلاد المنحلة أخلاقياً حيث لا رادع من شرع أو ضمير، ويعرف هذا الشكل (سفاح القربى) حيث يمارس الرجل الجنس مع الأقارب المحرمين عليه شرعاً وغالباً من قبل الأب مع أبنائه وهذا الأب عادة لديه قصة اضطراب نفسي (عنف- اغتصاب- قلق- الخ) وأم مدمنة للكحوليات كئيبة، بمعنى أن الأسرة مفككة اجتماعياً وأخلاقياً.
3- الاضطهاد النفسي: ويشمل الحالات التي تؤدي بالطفل إلى مشاكل نفسية واجتماعية كالانطواء على النفس- التوحد- الكآبة- الفشل الدراسي، وينجم ذلك عن سوء معاملة الأطفال في العائلة الواحدة كتفضيل طفل على آخر.
أما العلاج فإن الطفل الذي يتوقع أو يتم التأكد من تعرضه للإيذاء يجب قبوله في المستشفى بغض النظر عن مستوى الأذية لحمايته حتى نقيم العائلة ونعيدها للأمان والصواب، وإذا رفض الأهل القبول يجب إجبارهم على ذلك عن طريق الشرطة، ويجب استقصاء الاخوة الباقين للطفل خلال 12 ساعة من كشف قصة الإيذاء إذا أمكن حيث تدل الإحصائيات أن حوالي 20% من هؤلاء الاخوة يكونون قد تعرضوا للإيذاء أيضا، وخلال إقامة الطفل في المستشفى يسمح للأهل بزيارته، ويجب أن ينتهي التقييم خلال أسبوع من قبول الطفل ولابد من معالجة الأسرة لوضعها في جو سليم وخال من الاضطرابات وقد يحتاج هذا الأمر مساعدة مجموعة من الأختصاصيين (كطبيب الأطفال- الطبيب النفسي- الموجهة الاجتماعية) وثبت انه بالمعالجة المناسبة للأسرة والإنذار أن 80- 90% من العائلات يمكن إعادتهم للعناية الطبيعية بأولادهم وحوالي 10-15% من هؤلاء العوائل يحتاجون إلى دعم نفسي وطبي حتى يكبر الأطفال ويصبحون قادرين على مغادرة المنزل، ومن الاختلاطات السيئة للإيذاء ما ينجم عن رضوض الرأس المتكررة، مثل الاختلاجات أو الشلل أو التأخر العقلي، وكذلك الاضطرابات النفسية التي تسيء لحياة الطفل كالخوف او العدوانية أو الفشل.
استغلال الأطفال
من جانبه يقول د. جمال عثمان استشاري أمراض الأطفال هناك مظاهر من الإيذاء والاستغلال يتميز بها بعض المجتمعات فمثلاً المجتمعات الغربية التي أصبح فيها قطاع كبير من الأطفال يعيشون في رعاية عائل واحد مثل الأم أو الأب، يكثر فيها الإيذاء الجسدي لصغار الأطفال، وكثيراً ما يكون المعتدي الخليل أو الخليلة لعائل الطفل. أو الأم الوحيدة التي تنهار من ضغوطات الحياة. وفي هذه المجتمعات أيضاً يعيش كثير من الأطفال الذين فقدوا ذويهم أو أخذوا منهم تحت رعاية هيئات حكومية وكثيراً ما تعرض هؤلاء للإيذاء الجسدي والنفسي وأحياناً الاعتداء الجنسي من المشرفين على هذه الهيئات.
الاضطهاد أنواع
أما د.عبدالدائم الشحود أخصائي طب الأطفال وحديثي الولادة فيصف اضطهاد الأطفال بأنه أي سوء معاملة تجاه الطفل سواء من الوالدين أو الأقرباء أو المعتنين به، وتوجد عدة أنواع لاضطهاد الطفل تصل شدتها إلى درجة الترحم على الطفل، ومن هذه الأنواع :
الاضطهاد الجسدي ويتضمن أذيات لجسد الطفل كالخدوش والجروح وقد تصل إلى الأورام الدموية داخل الدماغ التي قد تكون مميتة، وفي دراسة أمريكية كان المسؤولون عن هذا الاضطهاد صديق الأم في 95% من الحالات، ومربية الطفل أو حاضنته في 4%، وشقيق الطفل في 1%.
والاضطهاد العاطفي: بالإساءة لمشاعر الطفل وعواطفه من خلال تصرفات متعددة كانتقاد الطفل الدائم وتوبيخه وإخافته من قبل القائمين عليه أو حبس الطفل في قبو أو مكان مظلم إضافة لتهديد الطفل بتشويهه وإلحاق الأذى به، والاضطهاد الجنسي وهو أبشع أشكال الاضطهاد، ونحمد الله على ندرته في بلادنا نظراً للتمسك بالشرع الحنيف وتعاليم الدين الإسلامي السمحة، ويشمل هذا النوع من الاضطهاد المعاكسة كلمس أعضاء الطفل التناسلية أو الطلب من الطفل لمس أعضاء الكهل وإجباره على مشاهدة الأفعال الجنسية، كذلك الاتصال الجنسي بكل أشكاله المهبلي والفموي والمستقيمي ويتم عادة من قبل أشخاص ضمن العائلة، أما الاغتصاب فيتم غالباً من قبل أشخاص من خارج العائلة.
ويمكن تصور حجم الكارثة إذا علمنا أن غشيان المحارم هو الأكثر شيوعاً ويشكل الذكور 10%، والإناث 90%، ونسبة الحدوث أعلى بـ 5 مرات عند زوج الأم منها عند الأب الأصلي، وتتنوع أعراض الاضطهاد الجنسي مابين الالتهابات البولية والتناسلية المتكررة والأمراض الجنسية وقد يكون الحمل المؤشر الأول على هذا الاضطهاد عند الأناث.
الإهمال الغذائي: وهو مسؤول عن نصف حالات فشل النمو في فترة الرضاعة.
إهمال العناية الطبية المطلوبة: عند المصابين بمرض مزمن قد يؤدي إلى وفاة الطفل.
الاعطاء المقصود للسموم والمخدرات: الكوكائين والباربيوتوريات والمهدئات.
وحول أسباب ونتائج اضطهاد الأطفال، يقول د. الشحود: إن من أهم الأسباب المحرضة للاضطهاد التخلي عن الأخلاق الحميدة والقيم الفاضلة إضافة إلى الظروف الاقتصادية السيئة كالبطالة وأزمات الحياة كفقد الوظيفة أو المال أو البيت كما تلعب الأمراض النفسية كالفصام دوراً مهما ومما يجدر ذكره أن التعرض للاضطهاد سابقاً يزيد من حدوث الاضطهاد التالي فيحاول الأب الأخذ بثأره من أبيه بمعاقبة ابنه.
علاج الاضطهاد
ويركز د. عمار اليوسف أخصائي الأطفال بمستشفى الحمادي بالرياض على الإهمال كنوع من أنواع اضطهاد الأطفال، ليس شرطاً أن تحصر أنواع العنف أو اضطهاد الأطفال في القتل والحرق والتنكيل أو الاعتداء الجنسي، فهناك أنواع من الاضطهاد أبسط من ذلك، لكنها لا تقل خطورة في نتائجها المدمرة والضارة بالطفل، فإساءة معاملة الطفل بالقول أو الفعل هي اضطهاد طفلي، كذلك فإن إهمال علاج الطفل المريض، وعدم الاهتمام بلباسه ومظهره وطعامه ونظافته وتعليمه اضطهادات للطفل، ولاشك أن إنجاب الأم لطفل وتركه في أحضان الخادمة أو الشغالة، من أكبر وأخطر أشكال الاضطهاد، ومن ذلك عدم معرفة الأم أوالأب لمرض الطفل ومتى ارتفعت حرارته مثلاً، أو كم مرة أخرج برازاً ليناً، هذا بالإضافة على أشكال الاضطهاد الأخرى الناتجة عن تعمد حقيقي لإيذاء الطفل جسدياً أو جنسياً.
ويضيف د. اليوسف: وأسباب الاضطهاد - كما تشير كثير من الدراسات - قد ترتبط بأحد الأبوين، كأن يكون مريضاً نفسياً، وخاصة ذوي الشخصيات السادية الإجرامية، أو مرضى الفصام والاكتئاب، أو أن يكون الأب فقيراً، ضعيف الإيمان، أو مدمناً للمخدرات والكحوليات، وفي ضوء ذلك قد يكون الاضطهاد من قبل مثل هؤلاء الآباء قد يأخذ شكل نوبات نتيجة ارتكاسات غير متوقعة تجاه تبدلات ظروف الحياة، ويكون الطفل من ضمن الذين يدفعون ثمن هذا النوع من الانفعالات الوحشية، وقد تكون أسباب الاضطهاد مرتبطة بالطفل نفسه، نتيجة قلة الانتباه أو فرط الحركة أو الميل للعدوانية أو التخلف العقلي، وهناك حالات يكون فيها الطفل بالأساس غير مرغوب فيه، أو أن يكون طفلاً بالتبني أو طفل لزوجة الأب المطلقة، أو المتوفية، وقد يكون انتقام الزوج من زوجته أو العكس سبباً في إساءة معاملة الطفل.
شعور الطفل بالنقص
أما د. نبال عطفه أخصائية الأطفال بمستشفى الحمادي بالرياض فترى أن الإيذاء العاطفي هو أخطر أنواع العنف ضد الأطفال، مقارنة بالعنف الجسدي أو الإهمال أو حتى العنف الجنسي، وذلك نظراً لصعوبة اكتشاف هذا الإيذاء العاطفي أو النفسي هذا من جهة، ومن جهة أخرى خطورة النتائج المترتبة عليه على المدى القريب والبعيد، حيث يؤدي إلى تأخر التطور النفسي للطفل المضطهد، وقصور في تحصيله التعليمي قد يمتد إلى مراحل متأخرة من حياة الطفل.
وتؤكد د. نبال عطفه أن الاضطهاد العاطفي يشمل كل ما يؤدي إلى شعور الطفل بالنقص وعدم الثقة بمقدرات الطفل الطبيعية، كالنقد اللاذع له على الدوام، أو التجاهل أو الرفض والتهديد، كما أن الحرمان من الروابط العاطفية فشل في نمو الطفل، وما يصاحب ذلك من أمراض عضوية، وهو ما يدعو إلى مزيد من الاهتمام بظاهرة اضطهاد الأطفال، والتي توجد في جميع شرائح المجتمع، وليس قصراً على طبقة بعينها.
الأذيات العاطفية
من جانبها تقول د. ابتسام سردست أخصائية الأطفال بمستشفى الحمادي بالرياض: إن الطفل نعمة من الخالق سبحانه وتعالى يجب شكرها بالحفاظ عليها، واضطهاد الأطفال أو ممارسة العنف ضدهم إهدار لهذه النعمة، ورغم تنوع أشكال الاضطهاد ومظاهره سواء الاضطهاد أو الأذيات الجسدية أوالعاطفية أو الجنسية، فإن المشاهد أن الأطفال قد يتعرضون لأكثر من شكل من الاضطهاد في ذات الوقت، كأن يكون هناك إهمال للطفل أو أذيته عاطفياً أو جنسياً أو جسدياً وجميع الأذيات التي يتعرض لها الطفل تؤثر سلباً على التطور العاطفي الطبيعي له، لذا فإن أهم التدابير الواجب اتخاذها في العلاج تهدف إلى منع المخاطر المستقبلية، إضافة إلى علاج الأذيات العاطفية التي يؤدي إليها الإهمال أو الاضطهاد.
وتضيف د. سردست: وليس من الصعوبة معرفة تعرض الطفل للاضطهاد الجسدي أو الجنسي من خلال الفحص الطبي، ومراقبة سلوك الوالدين تجاه الطفل، فليس بالضرورة أن يكون المتسبب في هذه الأذيات للطفل مصاب بمرض عقلي، لكنه قد يعاني اضطرابات في الشخصية، أو مدمن مخدرات.
تفريغ شحنات الغضب
أما د. عزت عبدالعظيم استشاري الأمراض النفسية والعصبية، فيقول: يخطئ كثير من الآباء والأمهات عندما يعتقدون أن الإيذاء البدني والنفسي للطفل هو الوسيلة الأنسب للتأديب وتقويم السلوك، فالقسوة والعنف ضد الأطفال أسلوب تربوي ثبت خطأه، وخطورته على الصحة النفسية لدى الأطفال، وانتشار هذا الأسلوب الخاطئ يمكن أن ينتج عنه أجيال معقدة ومضطربة نفسياً، عديمة الفائدة لنفسها أو لمجتمعاتها.
ويضيف استشاري الأمراض النفسية والعصبية: إن منظمة الصحة العالمية بالأمم المتحدة تنبهت لخطورة القسوة في معاملة الأطفال، فعملت على سن القوانين لحماية حقوق الطفل من كافة أساليب العنف والاستغلال وسوء المعاملة، سواء من جانب المجتمع أو حتى أسرة الطفل، ولاسيما بعد أن تأكد تضاعف حجم سوء معاملة الأطفال واستغلالهم في العمل والتسول وحتى الأعمال المنافية للأخلاق من قبل عصابات منظمة، أو الآباء لأسباب غير مقبولة، ولعل من أهم أسباب العنف ضد الأطفال الفهم الخاطئ لقواعد التربية، والاعتقاد بأن الضرب والشدة تصنع من الأبناء رجالاً أقوياء في المستقبل، أو تجعل الطفل ملتزماً ومنضبطاً ومطيعاً في حياته المستقبلية، ومن هذا الاعتقاد الخاطئ تأتي الشدة والقسوة سواء بالتوبيخ والإهانة والشتم والإذلال أو العقاب البدني كالضرب والحرق والحرمان من الطعام وما إلى ذلك، يضاف لذلك أن الخلافات الأسرية وسوء معاملة الأزواج تنعكس على الأطفال من خلال تفريغ الآباء والأمهات لشحنات الغضب المكبوت في الطفل دون ذنب ارتكبه، وفي حالات انفصال الزوجين ووجود الطفل بعيداً عن أبيه أو أمه يجعله عرضة لسوء المعاملة والقسوة من جانب أحد الأبوين انتقاماً من الطرف الآخر.
ورغم عدم وجود إحصائيات دقيقة عن معدلات العنف والإيذاء الذي يتعرض له الطفل العربي، بسبب خوف الطفل من الشكوى الى الجهات الأمنية المسؤولة، أو حتى التحدث في الأمر وتكتم الأسر على بعض أنواع الإيذاء منعاً للفضيحة، وغيرها من الأمور، فإنه من غير المنطقي تجاهل ما يتعرض له بعض الأطفال من إيذاء بدني أو نفسي أو جنسي وما يترتب على ذلك من آثار مدمرة، فالإيذاء البدني قد يصيب الطفل بعاهات مستديمة وربما الوفاة لا قدر الله، وعلى المستوى النفسي فإن الإيذاء بكل أنواعه يترك آثاراً بالغة السوء لدى الطفل سواء على المدى القريب أو على المدى البعيد عندما يكبر، فعلى المدى القريب قد يصاب بالسلبية والجبن والخوف والانزواء والانطوائية، والتبول اللاإرادي أو متلازمات عصبية كقضم الأظافر، وفي بعض الحالات يحدث رد فعل عكسي للطفل المضطهد فيصبح عدوانياً ضد الآخرين، وينحرف سلوكياً فيسرق ويكذب، وما إلى ذلك من السلوك المضاد الذي يزداد بازدياد ما يتعرض له من إيذاء، وقد يستمر مع الأمرين عندما يكبر، فيحترف الإجرام والانحرام بدافع الانتقام لنفسه من الآخرين الذين دمروا طفولته، أو ينطوي على نفسه خوفاً من التعامل مع الناس.
دور المؤسسات والإعلام
ويطرح د. عزت عبدالعظيم أسس العقاب الصحيح في التربية السليمة، والتي لا تصل الى حد إيذاء الطفل، فيقول: إن مبادئ التربية السليمة تتبع أساليب الثواب والعقاب من خلال الترغيب والترهيب والثواب بالمكافآت والثناء والمدح، أما إذا أخطأ الطفل وتكرر هذا الخطأ، فالعقاب لا يجب أن يتجاوز حجم الخطأ، ويكون بحرمان الطفل المؤقت من أشياء يحبها، أو توجيه نظرة حادة أو الامتناع عن التحدث معه لبعض الوقت، ولا يتم اللجوء للضرب إلا كحل أخير، ولهذا شروط لا يجب تجاوزها، فلابد أن يكون الطفل مميزاً للصواب والخطأ، ومصراً على الخطأ، ولا يكون ضرباً مؤذياً أو في الأماكن المؤذية كالبطن والصدر والوجه.
ويقترح استشاري الأمراض النفسية والعصبية تفعيل دور المؤسسات الحكومية والأهلية والإعلام والعلماء والأطباء والمعلمين والمعلمات في التعريف بمخاطر العنف ضد الأطفال، وتوجيه الآباء لأساليب التربية الصحيحة، من خلال برامج توعوية، بالاستعانة بالمختصين في مجالات التربية وطب الأطفال والطب النفسي، لحماية المستقبل الذي يشمل الأطفال دعامته الرئيسية.


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved