يعيش العرب مرحلة من اصعب المراحل التي مرت بها الأمة في التاريخ المعاصر، حيث يلاحظ كل عربي أن الحياة اليوم ليست كحياة الامس، ويمر العالم بأسره بتغيرات جذرية على كل الأصعدة، سياسيا، اقتصاديا، عسكريا، اجتماعيا، فكريا، خاصة بعد أحداث 11 من سبتمبر، حيث ان هذا التاريخ سوف يحفظ كبداية للتحولات التي يشهدها العالم، فبعد هذا التاريخ اصبح العالم لا يعترف بمبدأ الاتفاقيات ولا احترام سيادة الدول ولا حتى قرارات الأمم المتحدة إلا ما يتماشى مع سياسات وتوجهات الدول الكبرى، فأصبحنا في زمن قلب المفاهيم وتزوير الحقائق، وليس هذا فحسب، بل يجبرون العالم على الاقتناع بأن المفهوم المقلوب هو الحقيقة، ورغم إدراكنا لذلك إلا إننا نجبر على الاقتناع خوفا من المطرقة التي يشار إليها تارة، وتارة أخرى تحمل لتوضع فوق رؤوسنا، كي لا يترك لك مجال حتى في فتح باب التفاوض في أي بند من بنود وجهة نظر هذه الدولة أو تلك، فمقاومة المحتل والغازي أصبحت إرهابا، ومنهج الدين الإسلامي إرهاب، ومبادئ وتقاليد الشعوب إرهاب، وقول الحقيقة إرهاب، وباختصار كل ما يخالف رأي الغرب، وخاصة أمريكا المتعهدة بتحقيق مصالح إسرائيل، فهو إرهاب، وقتل الأبرياء في فلسطين والعراق وغيرها من البلاد العربية والاسلامية هو حرب على الارهاب، وبرتوكول صهيون القائم على احتقار كل البشر غير اليهود والداعي الى العنصرية وجعل اليهود هم شعب الله المختار ليس إرهابا ولا عنصريا. فلو أردنا البحث في قلب المفاهيم لاحتجنا إلى كتب ومجلدات لتوضيح ذلك وليس عدة سطور، ولكن هذه هي استشهادات ليس إلا. فالأخطار محيطة بهذه الأمة، والقادم اكثر شرا، ولا ينبغي أن نصبح كالنعامة التي تدس رأسها في الرمل ويبقى جسمها ظاهرا عيانا بيانا، فالوضع لا يحتمل التأخير في علاج ودرء هذه المخاطر، التي لا يمكن أن تستطيع دولة بمفردها أن تواجهها، فنحن في زمن التكتلات، على غرار الاتحاد الأوروبي، على الرغم من اختلافاتهم الدينية والعرقية واللغوية وغيرها، الا أن إيمانهم العميق بأهمية التكتل جعلهم يتغلبون على كل المعوقات والصعوبات التي قد تعيق وحدتهم، مما جعل لهم وزنهم السياسي والاقتصادي، وبالتالي فرض رأيهم وجعل الجميع يحترمه.
نحن في الوطن العربي الكبير في أحوج ما نكون لهذا التكتل، كي نعيد هيبتنا الدولية المفقودة، فالآخرون يتعاملون معنا وكأننا ثروة بلا راعٍ، ويأخذون منا ما يريدون ولا يستمعون لرأينا حتى في إدارة شؤون دولنا وشعوبنا وقضايانا المصيرية، كفلسطين والهم الجديد العراق، إذن أي وزن لنا وأي كلمة لنا بعد هذا، تقرر أمريكا وأوربا كيف يمكن أن نكون دون اخذ رأينا، ألا يحق لنا أن نفيق من سباتنا الذي طال أمده وكبر جرحه وضعف عظمه؟ ألا نستطيع أن نقول لهم: لا، لأنكم تجاوزتم جميع الخطوط الملونة؟ فجميع الأمم حقوقها محفوظة ومأخوذة بعين الاعتبار إلا الأمة العربية والإسلامية. فلا خلاص مما نحن فيه لا بالعودة لدين الله ثم التكتل لنصبح كتلة واحدة، ليس دولة واحدة بعَلَم وسفارة ونشيد وطني واحد، لان هذا مستحيل أن يحصل في هذا الزمان إلا أن يُحدث الله معجزة، فالذي نطالب به هو أن تكون سياستنا السياسية والاقتصادية والإعلامية واحدة هذا في المقام الأول، وفي المقام الآخر أن يكون هناك تكامل عربي، فالدول العربية غنية بثروات قل أن تجدها في دول العالم قاطبة، فهناك البترول والمعادن والأنهار والأراضي الخصبة والبشر (كايدٍ عاملة أو عقول منيرة في شتى المجالات) فلو حصل أن تحقق هذا التكامل لقل أن نحتاج إلى العالم الخارجي. ولكن ما يعيق تحقيق التكامل العربي هو تغليب المصالح الفردية لكل دولة على المصالح القومية، وكذلك انعدام الثقة، ومن هذا المنطلق اصبح على كل دولة عربية أن تواجه مصيرها وحدها، وتبقى الأخرى سلاحها الشجب والاستنكار، على الرغم من أن الخطر يهدد الأمة بكاملها ويتعدى على ثوابتها، إلا أن اجتماعات الدول العربية تظهر في كل مرة الخلافات والتباين في وجهات النظر، حتى اصبح الخطاب الختامي يأخذ الحيز الأكبر من الوقت كي يرضي جميع الأطراف، حتى في جوانب اقل من أن تناقش في هذا الوقت الراهن، فلا ادري هل القادة والمسؤولون يشعرون بما يحاك ضدهم في هذا الوقت أم لا، فإذا كان الجواب بنعم، وهو بتأكيد نعم، فلماذا لا يتركون خلافاتهم ومصالحهم الفردية جانبا، ويناقشون سبل ردع كل ما تتعرض له هذه الأمة من إهانات وإذلال يرأف به العدو قبل الصديق.
إن اجتماع قادة الدول العربية القادم يجب أن يحمل لهذه الأمة بارقة أمل في كل ما يصبو اليه الشعب العربي، وان تكون قراراته في صالح التكامل العربي خارجيا وداخليا، والاهم من ذلك هو تفعيل قرارات الجامعة العربية، وإيجاد آلية لتنفيذ قراراتها، وإلا أصبح كل ما يدور داخل أروقة الجامعة العربية حبرا على ورق، كما حدث مع رفض العرب لقرار غزو العراق حيث اصبح كأنه تأييد، ولا أحد يلقي له بالا، فإذا كانت قرارات الجامعة العربية غير ملزمة لأعضائها، فكيف سيلزم به الآخرون؟. مع إدراكي بأن الأمل شيء والواقع شيء آخر، إلا أن الوقت قد حان للوقوف بحزم للمصلحة القومية بدلا من الهرولة خلف أمريكا، فالعرب على ثلاث فئات، اغلبهم يتسابقون لارضاء أمريكا، وبعضهم في منتصف الطريق، أي يميل إلى أمريكا على استحياء مع التحفظ على بعض مواقفها، والآخر وهو القليل يقف موقف المعادي، فحبذا لو اجتمعنا برأي يدمج هذه الفئات الثلاث برأي معتدل لا يتنازل عن ثوابت امتنا العربية ولا يتطرف بها. وهناك من يطالب بالوقوف في وجه امريكا وبريطانيا بكل الوسائل حتى ان أدى ذلك إلى المواجهة العسكرية، وهناك من يقول يجب أن نحاول تحاشي المواجة مع الدول الكبرى كامريكا وبريطانيا والعمل على تحقيق التوازن في العلاقات العربية الغربية قدر المستطاع.
والحقيقة ان الشعوب والحكومات العربية تتفق على الهدف وتختلف في الوسيلة، فالشعوب تريد حماية ثوابت العرب وممتلكاتهم من العبث الغربي والقادة كذلك، لكن تختلف حسابات القادة عن حسابات الشعوب، فالشعوب تريد رفض كل املاءات أمريكا وتوجهاتها، والقادة مجبرون، في اعتقادي، على التقرب من امريكا لانه لا يوجد لديهم بديل في ظل تفرق العرب، فمن الصعب أن تكون هناك دولة تجعل نفسها في مواجة امريكا وحدها, وإلا فتوحد العرب كفيل بحفظ حقوقهم، لان امريكا لن تستطيع الضغط على العرب جميعا، حفاظا على المصالح المشتركة معها. وخلاصة القول: إن لم نصلح حالنا فلا ننتظر أن يصلحنا الآخرون، ولا نجعل الآخرين شماعة نعلق عليهم أخطاءنا. وما أخشاه هو أن ينطبق علينا حديث الرسول صلى الله عليه وسلم حيث قال: ((يوشك أن تتداعى عليكم الأمم ، كما تتداعى الأكلة إلى قصعتها، فقال قائل: ومن قلة بنا نحن يومئذ؟! قال: بل أنتم يومئذ كثير، ولكنكم غثاء كغثاء السيل، ولينزعن الله من صدور عدوكم المهابة منكم، وليقذفن في قلوبكم الوهن، قال قائل: يا رسول الله! وما الوهن؟! قال: حب الدنيا، وكراهية الموت))، والحديث واضح ولا يحتاج تفسيرا. وفي ختام هذه السطور اطرح هذه الأسئلة التي تحيرني وتحير الكثير من أبناء هذه الأمة:
1 -إلى متى وهذه الأمة تعيش تحت رحمة الآخرين؟
2 -لماذا لم نحقق الاكتفاء الذاتي حتى في متطلبات الحياة، بدءا بالمواد الغذائية ومرورا بالصناعات البسيطة، وانتهاء بالتكنولوجيا المتطورة؟
3 -لماذا اصبح هدف اغلبنا هو تحقيق شهوة بطنه وفرجه؟
4 - لماذا تفوق علينا الآخرون في الحياة، هل هذا بسبب نقص في عقولنا أو في مواردنا الطبيعية أوفي علمنا أو تربيتنا وتوجيهنا؟
5 - لماذا نحارب لاجل دنيانا بعد أن كنا نبادر بالحرب لاجل ديننا؟
6 - لماذا أصبحت كلمة عدونا ضدنا تشكل لنا خوفا وهلعا لا يطاق؟
7 - لماذا أصبحنا ننهزم قبل ان نحارب؟
8 - لماذا تشرذم العرب والمسلمون وابتعد كل منهم عن الآخر؟
9 - هل تبلدت أحاسيسنا ومشاعرنا حتى اصبح واقعنا المرير الذي نعيشه كأنه لن يزول ولن تنجلي هذه الغمة التي تخيم علينا كالليل الأسود؟
10 - ما المخرج من هذه المذلة والخزي اللذين نحن فيهما؟
|