Monday 22nd March,200411498العددالأثنين 1 ,صفر 1425

     أول صحيفة سعودية تصدرعلى شبكة الانترنت

من أين أتينا؟ من أين أتينا؟
المصلحة الوطنية.. انعتاق المرجفين
د.عبد الله بن ناصر الحمود(*)

المرجفون في الأرض ظاهرة من ظواهر الأزمنة والأمكنة, لا يحدها زمان ولا مكان. والخارجون عن الجماعة, فئة من الناس قد يوجدون في كل مجتمع وفي كل عصر. وإذا كان الإرجاف والخروج جريمتين عظميتين, فإن المجتمع مطالب بالتصدي لهما بكل قوة وحزم. وأبواب التصدي كثيرة ومتعددة يعرفها -يقيناً- أهل الاختصاص وأصحاب المجال. غير أن إرجاف هذا الزمان وخروجه, متغيران كثيراً عما عهدت المجتمعات البشرية في الأزمنة السابقة. اليوم, كثرت وسائل الاتصال وتعددت, وأصبح من اليسير جداً التفاعل معها واستخدامها. بل أصبح من تلك الوسائل ما يتخصص في حرفة الإرجاف والخروج, ليكون معلوماً - بالضرورة - لدى المرجفين والخارجين وغيرهم, أنها هناك حاضرة ماثلة تحاول أن تكون مؤثرة. ويلتقي في بيئة (الخارجين) تلك قطبا الإرجاف المعاصر في الأرض: المصدر والوسيلة. وهم قطبان (منعتقان) دائماً من أي أعراف, أو قيم, أو مبادئ جماعية. والراغبون في الإساءة إلى مجتمعهم, قد لا يحتاجون - في هذه البيئة - أكثر من هاتف للاتصال, أو موعد للتسجيل أو التصوير. أو مكتب مرتبط بالإنترنت. وبسهولة كبيرة ومن غير أذونات أو موافقات, تتم عملية الإرجاف وتنفذ محاولة التخريب, ويتم الخروج على الجماعة.
ومن هنا تبرز المصلحة الوطنية للمجتمع, في أسمى واجباتها (على الناس والمؤسسات) دفاعاً عن مكتسباتها. وذوداً عن حياضها, وحفاظاً على سلامتها وصيانتها, وتبياناً للحقيقة التي أريدَ لها أن تغيب. ويأتي التحدي الأكبر - هنا - والمتمثل في: من يقوم بواجب الدفاع عن المجتمع؟ ففي حين لا يحتاج المخرّب إلى أي تصريح لقيامه بعملية التخريب تلك, فإن معظم من يمكنه الدخول في عمق المشكلات المجتمعية والذود عنها وتقويمها من العلماء وأساتذة الجامعات والمثقفين والمفكرين والممارسين, سيحتاجون تجاوز سلسلة من القنوات الإجرائية والإدارية المتقادمة (جداً). وذلك بالقدر الذي سينتج عنه إحدى مفسدتين: الأولى: ضعف الحماس للدفاع عن القضايا المصيرية لما يتطلبه ذلك من إجراءات طويلة ومملة وغير مقنعة. الثانية, التقادم في حال وجد من لديه الصبر والأناة لمتابعة كل ما يلزم للمشاركة المحلية أو الدولية, بحيث تصبح الموافقة - في حال حصولها _ عديمة الجدوى لأسباب توقيتية غالباً. ومن هنا تبقى المصلحة الوطنية لمجتمعنا بين قطبين معاصرين: قطب ضعيف مرجوح محدود الكم والكيف, لكنه منعتق من كل عوائق الفعل المجتمعي. وقطب آخر غالب, ظاهر, محق, لكنه محاط بسياجات إجرائية وإدارية لم يعد يطيقها الواقع الاتصالي العالمي المعاصر.ربما أُتينا من أننا لا نمنح ثقتنا المطلقة لمن هم أهلها - ابتداءً - في المشاركة في الذود عن مصالحنا, بسرعة, وبالطريقة التي يرونها, دون الحاجة إلى المرور بسلسلة (الإجراءات اللازمة). مع أنه من الممكن احتفاظ مجتمعنا بأن يكون رقيبا بعديّاً, لتقويم المسيرة وتسديد الخطى.

(*) عميد كلية الدعوة والإعلام بجامعة الإمام


[للاتصال بنا][الإعلانات][الاشتراكات][الأرشيف][الجزيرة]
توجه جميع المراسلات التحريرية والصحفية الىchief@al-jazirah.com عناية رئيس التحرير
توجه جميع المراسلات الفنية الىadmin@al-jazirah.com عناية مدير وحدة الانترنت
Copyright, 1997 - 2002 Al-Jazirah Corporation. All rights reserved